ما بين (تفويلة) البنزين والغاز والكهرباء موجة الغلاء ترهق العائلات العراقية في المهجر

224

آمنة عبد النبي – هولندا/
لا تزال (فوبيا) الفاتورة الشهريَّة المتصاعدة شيئاً فشيئاً في أوربا ككل، وهولندا على وجه الخصوص، هاجساً مزمناً يدوّخ العائلات العراقية المغتربة الحائرة، ويكسر ظهر الميزانية البيتية، ويقلب معايير المصروف الى مواقع التقشف. فالقارة العجوز التي كانت يوماً ما تنعم في بحبوحة طمأنينة واستقرار اقتصادي، صارت تغلي على صفيح ساخن من الهموم و(الدوّخة) بسبب تكاليف المعيشة المرهقة ولهيب أسعار غاز التدفئة، وعداد الكهرباء، قُبالة الوعود والخطوات الحكومية الموهومة التي تُطلق مع بداية شتاء كل عام.
(صوبة) نفطيه وتنور عراقي
“استعانت بصوبة عراقية نفطية، بعد أن ضاقت ذرعاً بفواتير الغاز التي تكسر الظهر، تضاف لها مصيبة غلاء ومضاعفة أسعار الكهرباء والخضراوات والبنزين.” هكذا تصرفت (بشائر عباس)، التربوية المقيمة في هولندا منذ عشرين عاماً، مكملة بتذمر: “صدقاً، أفكر في ترك هولندا والرجوع الى العراق، ربما أو على الأقل الاستقرار في بلدِ مناسب معيشياً، لم أعد أستطيع تحمل فواتير الغاز، ولا يمكنني الاستغناء عنه، فشتاء أوربا ممرض كما تعلمين، لذلك استعنت بـ (صوبة) وايضاً حصلت على تنور، فسعار الارتفاع وصل الى درجة أن أسعار الخضراوات والفواكه، التي كانت تعد متاحة بأسعار زهيدة بعض الشيء وتناسب دخلنا المحدود، زادت بشكلِ مؤذِ، فالخيار يصل سعر الكيلو منه الى ستة دولارات، والخس المدور الذي لا طعم فيه ولا رائحة، يصل سعر الكيلو منه أيضاً الى ستة دولارات، أما طبقة البيض ذات الأربع وعشرين بيضة فتباع بسعر عشرة دولارات، وحبة الشجر او الباذنجان سعر الواحدة ثلاثة دولارات.”
كارثة البرد وحمى المرض
“تصوري، سفرة الطعام أصبحت تفتقر الى أشياء كثيرة، نواعم ومكملات، نحنُ مضطرون لحذف مشتريات غير رئيسة و(كنسلتها) من قائمة الطلبات”.. بهذا التذمر المُرَّ بدأ الشيف (علي الحمداني) المُقيم في مدينة (دومبروخ) الهولندية قائلاً: “الإرباك في الأسعار والغلاء المتصاعد لا يوازيان نهائياً ما أكسبه من أجر، فعائلتي تضم زوجتي وأربعة اطفال بحاجة الى عناية وملبس ومأكل وجو معيشي وصحي لائق داخل البيت، ولاسيما التدفئة بالغاز، إذ إن فاتورتها باهظة جداً، والمصيبة أن لا غنى عنها سوى بترك الأطفال فريسة لأمراض البرد، ناهيك عن التسوق الذي بات مكلفاً، ولا حل في الأفق غير خطوات حكومية ترويحية لمعالجة بعض الحالات، لكنها بصراحة موجودة فقط في الإعلام.”
سوق الأحد طوق نجاة
“اعتمادنا حالياً في بعض المشتريات على سوق الأحد الذي يمتاز بأسعار أقل من أسعار السوبرماركت بعض الشيء، وايضاً المحال العربية فيها بعض التخفيض.” كان جواب ربّ العائلة (محمد الشبلاوي) المُقيم في نوتردام الهولندية.. الذي أكمل: “لا أعرف ماذا أقول، فالاستهلاك المعيشي صار قلقاً يومياً طالما أن لتر البنزين قفزت (تفويلته) الى الضعف، ولا يمكن استبداله بأجور المواصلات المُكلفة، التي تقصم الظهر والوقت معاً، فاذا استبدلت المواصلات باستخدام سيارتك فإن أسعار البنزين باهظة جداً، واذا استخدمت المواصلات العامة فالوقت هنا يتبخر بين أماكن العمل، فأكيد هنا أكون مضطراً لتقليص العديد من (المشاوير)، وبالتالي الإرباك في كل شيء، كما أن الخضراوات والفواكه صارت غالية جداً، كذلك فإن أسعار الكهرباء تسجل أرقاماً قياسية جديدة لتعادل بذلك أكثر من عشرة أمثال مستواها في العام الماضي.”
تضخم وتقشف وغلاء
الصحافي والمحلل الاقتصادي المقيم في أمستردام (ناجي الزهيري) قال إن “قلق الفواتير مستمر وهاجس معيشي لا ينتهي، لأن أزمة تكلفة المعيشة في هولندا أوربا ككل لن تنتهي، لكن يمكن القول إنها تدخل مرحلة جديدة من المضاربات.” مكملاً: “الأسر هنا، وتحديداً الفقيرة المعتمدة على دائرة السوسيال، تعد أكثر تضرراً من الأسر العاملة، وإن تكن الاخيرة تعاني الأمرين أيضاً، لكنها تواصل تقليل مشترياتها من المواد الغذائية، وبصراحة فإن هولندا أصبحت تعانى من ارتفاع أسعار جميع المواد الغذائية، إذ أصبح الخبز وغيره أغلى من أي وقت مضى، إنها نتائج طبيعية وآثار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، التي أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار جميع الأغذية، وأهمها الدقيق، وأيضاً انخفاض قيمة اليورو بشكل ملحوظ ومستمر، كما أن التضخم في أعلى مستوياته.”