متحفُ قصرِ شعشوع موئلُ الزمنِ الجميل

1٬050

صفا هشام /

ثمة الكثير من الأماكن الأثرية القديمة في بغداد، لكن يبقى قصر شعشوع واحداً من أفخم وأشهر هذه الأماكن التي لها سمعتها المعروفة في ذلك الزمن.. يقع في منطقة الأعظمية، ويدخل ضمن الأماكن الأثرية المشهورة في العاصمة، إذ ترتبط حضارات العراق وعاصمته بالكثير من الجوانب والأحداث التي عاصرها هذا المكان.
يحتوي هذا القصر على قاعات عدة، لكل واحدة منها حكايات وذكريات وتاريخ يختلف من حِقبة الى أخرى، ومنها الغرفة التي ضمت العديد من القطع الأثرية والتي سميت بالمتحف.
بداية الجمال
حينما تدخل الى القصر من جانب حديقته الخلفية، المطلة على الجهة المحاذية لنهر دجلة، تجد باباً خشبياً لإحدى غرف القصر التي أصبحت مكاناً تاريخياً يضم العديد من المقتنيات القديمة. الباب الأبيض، الذي يصل ارتفاعه الى مترين ونصف المتر، تعلوه نافذه مزخرفة على الطراز المعماري القديم، تقع خلفه غرفة صغيرة يبلغ عرضها ثلاثة أمتار وطولها أربعة أمتار، وقد تنوعت وتعددت محتوياتها التي يفوح منها عطر الزمن الجميل، تمتاز بجدرانها العالية التي تعدّ من معالم البناء البغدادي الذي شيّد على يد أمهر البنّائين العراقيين، وقد امتلأت بكثير من الصور القديمة، أما أرضيتها فقد اكتظت بالعديد من الأواني النحاسية والفخارية المختلفة الأشكال.
“شناشيل”
تحتوي هذه الغرفة على نافذة تطل على حديقة القصر وصُممت بطريقة الشناشيل، إلا أن الغريب بالأمر أن هذه الجدران قد امتلأت من السقف وحتى الأرضية بصور الملوك والأمراء وجميع من سكن هذا القصر وكذلك شخصيات ووجهاء العشائر في العراق، منهم شاؤول شعشوع، التاجر اليهودي الذي بنى هذا القصر في العام 1906 كما تشير المصادر التاريخية، وصورة للملك فيصل الأول الذي سكنه عام 1921، والزعيم عبدالكريم قاسم، وآية الله العلّامة السيد محسن الحكيم، فضلاً عن بعض الوجهاء مثل محمد العريبي شيخ عشائر البو محمد، والزعيم الوطني جعفر أبو التمن، والشيخ طلال حبيب الخيزران العزاوي وإخوته وآخرون غيرهم.
ربابة ودف!
ناظم الغزالي وهو يصدح “ميحانة …. ميحانة”، ويوسف عمر يغازل “كهوة عزاوي”، بما يطرب أذنيك عند دخولك قاعة المتحف، فقد ضج هذا المكان بالألق الكلاسيكي الذي يظهر لك بغداد وعوالمها وتراثها، فبالرغم من وجود الأجهزة الذكية التي تبث الموسيقى، إلا أن أصحاب القصر لم يستغنوا عن الجهاز الذي اعتاد البغداديون أن يسمعوا فيه الموسيقى “الغرامافون” الذي صار يبثها من فوهته في أجواء القصر، ولم يكتفوا بـآلة موسيقية واحدة، فقد اقتنوا على مدار السنوات الماضية الكثير من الآلات الموسيقية الكلاسيكية، مثل “الربابة” و”الدف”، وقد توسطهما ناي تعود صناعته الى حقب قديمة كما يوحي لك شكله ومهارة صنعه.
بغداد في قصر
نتيجة لمحبة مالكي المتحف لكثير من القطع الأثرية (الأنتيكات) الفريدة من نوعها، قام أحد أبناء الحاج أحمد البنّية في الثمانينات من القرن الماضي بجمع هذه القطع الباهظة الثمن في إحدى غرف القصر, كل واحدة منها يبلغ عمرها أكثر من مئة عام، منها ما توارثوه من أجدادهم ومنها ما قاموا بشرائه واقتنائه بهدف المحافظة على التراث البغدادي القديم، إذ نجد المكان وقد امتلأ بالأواني الفخارية والنحاسية التي نقشت عليها صور شخصيات عراقية بارزة، بالإضافة الى أدوات شرب الماء والقهوة والشاي تعود لحقبة زمنية بعيدة، كـ “الدلّة” و”المشربة” و “الحِب” و”الهاون” و”التنكة” و”الرحى” و”الجاون”. كما لا ننسى الساعات القديمة أيضاً بأنواعها التي عاصرت هذا المكان، لم يتم اقتناء هذه التحف والأنتيكات عن طريق شرائها فقط، بل أن الكثير منها وصلتهم من الأجداد كميراث باقٍ لهذه العائلة العريقة المالكة للقصر وحرصوا في الحفاظ عليها.
قاومت التحف الموجودة داخل هذه الغرفة عوامل الزمن والتغيرات المناخية كـارتفاع درجات الحرارة صيفاً، لكون برودة المكان تكون معتدلة بهواء منعش، والسر في ذلك وجود فتحات تهوية في أرضية وجدران غرف القصر، وهذا ماينطبق على الغرفة التي تضم المتحف، والفتحات متصلة بالسرداب الموجود تحت القصر والذي تصله من خلال اجتياز سلَّم مكوَّن من 27 درجة، وما إن تصل هناك حتى تشعر أن الهواء قد تغير ودرجة الحرارة اختلفت وأصبح الجو أكثر برودة نظراً لوجود بئر ماء يتصل بنهر دجلة موجود داخل السرداب.
هذا هو العراق المتخم بآلاف المواقع الأثرية المهمة التي لو استغلت من قبل الجهات المعنية لأصبحت السياحة هي النفط الدائم في وطني.