مسابح العاصمة.. تتحول الى بيئة ناقلة للأمراض

1٬408

ذو الفقار يوسف /

في عطلة نهاية الأسبوع، ومع تصاعد موجات الحر والانقطاعات المتكررة للكهرباء، اصطحب أبو محمد أولاده الى أحد المسابح القريبة من منطقته. لكن توقعاته بتمضية وقت جميل مع العائلة وبمياه باردة تريح بدنه وتنشط دورته الدموية خابت حينما فوجئ بأن اغلب المسابح تفتقر للقواعد الصحية وان مياهها ملوثة وكان يشم روائحَ كريهة تنبعث من مياه المسبح ما دفعه لمغادرته سريعاً.

طابور طويل

لقاء أبي محمد مع سر الحياة كان لقاءً غير ودّي، فقد فوجئ بكميات من المياه المصفرة اللون، وبروائح غريبة، لم يعتد ان يشمّها بعد أن سلك وأولاده طابوراً طويلاً من البشر حتى يستطيع الدخول الى هذه الخرِبة، حسب قوله، وان خيالاته بماء شفاف وعذب جاءت بسبب رؤيته لأحد المسابح في دول الجوار، والذي كان قطعة خيالية من العذوبة والصفاء.

مسبح ولكن!

أخذت كرة الشمس الحمراء الملتهبة تتوهج كلما اقترب وقت الظهيرة، ولأن النهارات الحارة لم تعطِ فرصة لبغداد في أيام الصيف الحارق بأن تكون أهلاً للتنزه في شوارعها، او حتى لعب كرة القدم وغيرها من ألعاب التسلية، فقد صارت للمسابح الأولوية في الهرب من درجة حرارة قد تتعدى الـ(50) درجة مئوية، ومعتكفاً للتخفيف من ضغوطات العمل والمعيشة التي صارت أصعب ما تكون في هذه الأوقات.

أركان محمد (25 عاماً)، من عشاق السباحة، يقول: لقد كان تلوث مياه المسبح هو همي الوحيد في بادئ الأمر، إلا أن العديد من الأمور قد طرأت عند ذهابي في أول مرة، فعند دخولي لاحظت عدم وجود مكان لحفظ الملابس والمقتنيات، كالدواليب او مايشابه ذلك، واستعمال كيس بدلاً منها ما جعلني أتساءل: هل سأفقد مقتنياتي او انها ستسرق، او هل سيكون استبدالها صعباً ان كانت تحفظ بهذه الطريقة البدائية، هذا ما شغلني طيلة الوقت وأنا أمارس السباحة، ما جعلني لا أستمتع، فخرجت بعد نصف ساعة لخوفي من ضياع هاتفي ومحفظة نقودي. أما المنازع فحدِّث ولاحرج، فبعد تسليم المقتنيات نجد طوابيرَ من البشر ينتظرون دورهم في تغيير ملابسهم، فالمنازع الموجودة لاتتعدى العشرة، وتخلو من الأبواب، فهل نلمس مخططات في المستقبل لإنهاء هذا الإهمال في الخدمات الموجودة في المسابح، أهلية كانت أم حكومية؟؟

لون الأمراض

كان أحمد(22 عاماً) يفكر بساعات الفراغ الطويلة التي كانت تنتظره، التفت اليه احد أصدقائه مقترحاً أن يذهبوا الى احد المسابح، معللاً بأن المياه الشفافة المتلألئة ستكون بلسماً وأنيساً لتنهي هذا الروتين القاتل، وان عذوبتها ونقاءها كفيلان بأن يزيحا بعض الهموم، إلا أنهم فوجئوا وبدت على ملامحمهم علامات الأسف والندم عند رؤيتهم مياه المسبح التي امتلأت بالبشر بكثرة، وبشكل غير معقول، ولأن اغلب مرتادي المسابح لايعرفون السباحة، فقد اصبح الجزء غير العميق منه ممتلئاً بمرتاديه خوفاً من الغرق، أما الذي فاجأ أحمد فهو لون المياه، التي وصفها حسب قوله “بأنها قد امتزج فيها الأصفر والأخضر، حيث يظن من يراها لأول وهلة بانها بؤرة لمخلفات الطحالب او دورة مياه متروكة، ولونها اقرب مايكون للون الأمراض التي تصيب الجلد، ما جعلني اسأل القائمين على المكان عن عدد المرات التي يستبدلون فيها مياه المسبح؟؟ إلا أني فوجئت بقول أحدهم بأنهم لا يجدون الوقت حتى يتم تجديد المياه بسبب الإقبال المستمر على المسبح من قبل المواطنين، وان اضافة مادة الكلور ستفي بالغرض لقتل الجراثيم المتسببة بتغيير لون مياه المسبح، ومع قلة المياه وعدم وجود كهرباء لضخ المياه للمسبح واستبدالها، اصبح الكل معرضاً للأمراض الجلدية المتنوعة.”

قفزة حيرة!

الأمر الذي حدا بقاسم ناهي (30 عاماً) الى التفكير والتساؤل، وهو يقف على حافه احدى المصطبات محاولاً القفز الى المياه، هو كمية الأمراض التي سيلتقطها جسمه عند دخوله فيها؟ فعند الدخول اليها ستدخل بعض المياه في فمه لامحالة، فكم من الأشخاص الذين يحملون الأمراض قد جاءوا الى المسبح بدون التفكير بالآخرين؟ وهل هناك قوانين تحد من دخول المرضى للمسبح؟ وهل يوجد تكرير مستمر للمياه حتى نتلافى الأمراض والجراثيم؟ كل هذه التساؤلات جعلت ناهي يفكر مرة ثانية قبل القفز، مؤكداً “أنه رأى أحد الصغار وقد تبول داخل المسبح!! وآخر قد ذهب الى المرافق الصحية، التي غالباً ماتكون غير مؤهلة ومعقمة بشكل جيد، ثم بعد ذلك عاد الى المسبح وكان شيئاً لم يحدث، وآخر يبصق بما في فمه ويمزجه مع المياه، وما خفي اعظم.”
من هذا المنطلق نرى بأنه يجب على ادارة المسبح او المشرفين عليه، أن يضعوا قوانين صارمة، حتى يتم تلافي مثل هذه المشاكل، وعلى وزارة الصحة التي هي كفيلة بأن تراجع وتفتش وتراقب على مدار افتتاح المسابح، فغياب الموظفين المختصين والمراقبين لهذه الأمور جعل المسبح مكاناً لنقل الأمراض، وليس مكاناً ترفيهياً، مع اعتقاد المواطن بأن ذهابه الى هذه الأماكن هو إذابه الهموم والتعب من جسمه، لا إذابه جسمه بالأمراض والجراثيم.

“الصوج مو صوجنه”

هذا ماقاله لنا المراقب لحالات الغرق، ابو سنان، بعدما سألناه عن سبب تلوث مياه المسبح مضيفاً “أن العديد من مرتادي المسابح لا يتمسكون بقوانينه، كالنظافة وعدم تخطي الخط الأحمر من قبل الأشخاص الذين لا يعرفون السباحة، وان السبب الاول لعدم تكرير المياه واستبدالها هو المواطن، فلو فرضنا أن احد الأشخاص قد بصق او تبول في المسبح الذي يستغرق املاؤه وقتاً كبيراً جداً، فهل على ادارة المسبح ان تستبدل المياه في كل مرة؟ فمهما كانت درجة صفاء المياه في المسبح إلا أنها لاتعني بأنه نظيف وخالٍ من الجراثيم، فالعين وحدها لاتكفي، وان الرائحة التي يظن البعض انها تخرج من المياه بسبب مادة الكلور، ماهي إلا بسبب امتزاج البول معه، وبالرغم من الفلاتر الموجودة في المسابح إلا أنها لاتفي بالغرض لعدم ادامتها او استبدالها من قبل الجهات المعنية، فالزيارات السنوية المتفاوته من قبل وزارة الصحة غير كافية لإنهاء هذه المشاكل، وان الحل هو توظيف بعض الأشخاص من وزارة الصحة كمراقبين، للحد من تلوث المياه ومراقبة الخروقات التي تحصل من قبل المواطنين.”

“يدنيا انتي بحياتي ليش 60”

بغداد الجميلة التي سحرت الناس بوريديها دجلة والفرات، اضحت الآن عداونية بسبب أزمة المياه، وحرارة الصيف اللاهب، حيث جعلت الكثيرين يتسابقون لمسابحها، حلمنا ليس في أن نكون كمدينة اسطنبول بمسابحها الكثيرة، ولا مثل اوروبا التي زينت حتى متنزهاتها بمسابح لكلا الجنسين، إلا أننا نصبوا الى أن تحتوي على الاقل مراكز ترفيهية ومسابح، تكفي لعديد سكانها الـبالغ (8) ملايين نسمة، حيث انها لا تحتوي إلا على (60) مسبحاً، ومدينة بهذا الحجم لابد ان تتوافر فيها المتنزهات واماكن الترفيه لكونها عاصمة دولة عريقة كالعراق.

أبوحسين(46عاماً)، يحدثنا بألم: “لقد اصطحبت اولادي الى احد المسابح القريبة من منطقة سكني، ما جعلني افاجأ عند دخولي المسبح، بمشاهدته مملوءاً، ليس بالمياه الصافية، انما بالبشر، سألت احد المشرفين عن سبب هذه الظاهرة؟ فأجابني بأن قلة المسابح في العاصمة وعدم بناء اخرى جديدة، وايضا عدم تأهيل غير العاملة هو ماجعلها تستقبل مرتاديها بدرجة فوق المعقول، حيث لا استثني في هذا الأمر المسابح المخصصة للإناث، والتي لا تتعدى عدد الأصابع، أما أطراف العاصمة فقد خلت من المسابح تماماً.”

بعدها ختم أبوحسين تحقيقنا بموال للمطرب الراحل رياض احمد مخاطباً بغداد بحرقة “الج عكدة بدليلي شلون تنحل” متمنياً بأن تحل جميع العقد والمشاكل التي سرقت من بغداد رقيّها واصالتها بسبب الحروب والأزمات التي عصفت ومازالت تعصف بها.