مستشفيات بـغداد تمرض بعد منتصف الليل

644

آيه منصور/

لعلك تبحث عن النجاة وسط هذه الأروقة التي قد تقتلك هي الأخرى بسبب كل هذا الخراب الهائل الذي يصادفك وأنت تتجول متألماً فيها. أزبال مرميّة، بقايا حُقن، أسرّة متسخة، ضوضاء لا تنتهي وكأنها حفلة صاخبة لتعذيب المريض. كلّ هذا وأمور أخرى تحدث في مستشفياتنا بعد منتصف الليل، فهل من معين لترميم كل هذا؟

ممرضة تبحث عن “مداراة”

ممرضة لم تأبه لتلوّي المريضة أو تقلباتها بسبب الألم الحاد الذي يقطّع أمعاءها، لقد كانت تفكر بما ستجنيه من “المداراة” من عائلة المريضة إذا ما كانت ستراعي ابنتهم.

تؤكد المريضة (سماح) أنها بسبب مغص معوي أخذتها عائلتها إلى طوارئ مستشفى اليرموك عند الساعة الواحدة صباحاً.. وكانت العجائب: مدخل الطوارئ كان متسخاً للغاية تفوح منه روائح غريبة غير محبّبة، حتى وصلت السرير من أجل رفع المغذي عن يدي. حضرت الممرضة وقالت لي بنبرة عتب “والدك لم يداريني”، وضعت حقنة المغذي بصورة معكوسة ما أدى إلى تطافر الدم من يدي على أرضية المشفى التي لا تحتاج لإضافات جديدة من الدماء المتيبسة، حاولت الممرضة تثبيت المغذي باليد الأخرى وتركتني أبحث عن حاملة لكيس المغذي فيما كنت أتقيأ، ثم أتت مريضة أخرى وساعدتني بينما ذهبت الممرضة لتبحث بين المرضى عمّن “يداريها” ويدفع لها.

مريضان على سرير واحد !!

لقد أصبح نقص الأسرّة أمراً طبيعياً في مستشفياتنا، لكن الجديد هو أن يجري الشجار على سرير مكسور. يروي (محمد) أن صداع رأسه لم يترك له مساحة للتفاهم مع أحد المرضى من أجل التمدد قربه فقط. جميع الأسرّة كانت مشغولة، فالسرير هنا يحمل مريضين أوثلاثة في أحيان أخرى، “لكن القدر حملني لسرير كان مهترئاً، طلبت من الرجل الابتعاد قليلاً ليتسنى لي التمدد معه وهذا ما كان، لكن ويا للأسف لم يستوعب السرير حجمينا إذ وقع صاحبي تاركاً الصمت يعم أرجاء المشفى ثم بدأ صراخ الرجل بوجهي. لم نفعل شيئاً، حينما تقدم الناس لحملنا عاد المرضى إلى أوجاعهم وعاد المشفى إلى صخبه”.

الأحياء يشاركون الأموات

السيدة (ريم القلمجي) تتحدث عن والدتها التي كانت تشعر بتوعك حينما دخلت مشفى اليرموك عند الساعة الثالثة فجراً ولم تجد مكاناً فاضطرت لرفع يدها من أجل رفع المغذي عالياً، وانتظار موت أحدهم ليتسنى لها النوم على سريره! “لأكثر من نصف ساعة كانت جميع الأسرّة مشغولة ويدي متشنجة فيما أحمل المغذي الذي يجب أن يكتمل، وحينما فرغ سرير مات صاحبه تواً، صرخ جميع من كان يرافقها وحملوها لتصرخ بعدها الممرضة علينا: تعالوا كعدوا الحجية هنا”! نعم، بعد موت المرأة بدقائق، حملنا أمي نحو السرير ذاته.

لا سونار ولا مونار!

أما السيدة (ابتسام كاظم) فتؤكد أن المستشفيات الحكومية لا تطاق بعد الساعة 12 ليلاً وتبدو مثل مقبرة مكتظة بالأحياء: “عانيت الكثير خلال مراجعاتي لمستشفى الزعفرانية، الله يحفظه ويحفظ القائمين عليه”، تقول ذلك وهي تضحك وتكمل: “قبل أيام قلائل ذهبت بصحبة ابنتي إلى المستشفى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وكانت تشكو من ألم في معدتها، إلا أني اصطدمت بواقع مرير جداً، الطبيب الخافر كتب لي حبوب (براسيتول) وقال لي: حالياً لايوجد سونار ولامونار! والبنت تصرخ من شدة الألم، طلبت حقنة مهدئة ولم يسمعني أحد”. تنهي ابتسام حديثها بمناشدة: “نتمنى على وزارة الصحة أن توفر الاحتياجات اللازمة لهذا المستشفى كونه يعالج مرضى مناطق عدة وبالآلاف، فبدل الإبرة عليه أن يوفر مئة. لأننا نرى الأمور (تعبانة) في أغلب مستشفياتنا عند مراجعتها بعد منتصف الليل”.

طبيب يخاف من الدم!!

تعرض (أحمد) لحادث عرضي اضطره للذهاب إلى مشفى الكاظمية عند الساعة الثانية فجراً، صُدم بعمق الجرح الذي أصابه والذي يتطلب غرزاً عديدة، لكن المفاجأة كانت بانتظاره، “كنت متوجعاً للغاية لكني أريد الخلاص وحسب، وإن كان بشق قدمي، فكنت مستعداً لجميع المشارط والغرز، لكن الطبيب اقترح بديلاً أفضل وهو أن اخرج من المشفى لأقرب مضمد وذلك لكونه يخاف ولا يستطيع رؤية نفسه وهو يخيط قدم شخص ما”.

فئران صديقة !!

السيدة (سلوى) تقول إن مشفى الزعفرانية يصبح مسرحاً للفئران والقوارض والزواحف التي تبدأ بالخروج للتنزه في أروقة المشفى بعد منتصف الليل! “مرة سقطت ابنتي وكانت يدها قد تعرضت لكسر، الوضع كان مأساوياً للغاية ولا أعلم من أين أبدأ، من معاملة الممرضات اللواتي يجدن أننا مجرد جيوب ممتلئة صالحة للتفريغ، أم من الأطباء المنهكين حتى هذا الوقت والذين لا يستطيعون فعل شيء أكبر من طاقتهم، أم من أرضية المشفى التي تصبح ملاذاً آمناً للفئران؟ لقد فزعت ردهتنا حينما وجدنا فأراً يخرج رأسه من تحت وسادة مريض”. ولك أن تتخيل ردة فعل مريض يجد أن قارضاً يشاركه سريره.

نظفوا المكان لو سمحتم !

أما السيد (حسين عبد الوهاب)، فيجد أن المستشفيات العراقية هي الملجأ الاول لجمع فايروسات العالم ومنبع لكثير من الأمراض بسبب عدم الاهتمام بنظافتها أو تعقيمها جيداً “لعلنا حينما ندخل المستشفيات صباحاً نصاب بالذعر لكثرة الروائح العفنة أو الأرضيات المتسخة والبلاط المهشم فيها والغرف غير النظيفة وأسرّة الفحص البالية، يهون كلّ ذلك حينما ندخل نفس المسشفى بعد منتصف الليل فهناك سترى العجائب. الوضع مأساوي، وللأسف صار كثير من المواطنين يفضلون الاعتماد على المستشفيات الأهلية، وهذه نقطة سلبية جداً تسجَّل على وزارة الصحة التي تملك عشرات المستشفيات ولا تستطيع مساعدة المواطن.