مصائد السموم تحاصر الشباب

177

ذو الفقار يوسف
يكتفي سالم بالنظر الى وجه صاحبه سلوان، إنَّه الاندهاش الذي ترافقه الشفقة نحو شخص يحاول الانتحار، أراد لسانه أن ينطق بعبارات النصيحة، الا أنّه كان متيقنا من أن المتلقي سوف لن يفهم كلمة واحدة مما سيقال له،
كأنّه تحوّل الى شيء جامد، لا مشاعر له، بلا تفاعل مع العالم كلّه، لا يتحرك وإذ يفعل فكأنّه نبتة ضربها الجفاف فمالت ولم تستقم بعد ذلك مرة أخرى، لقد كانت حركته الوحيدة التي جعلت سالم يتنفس الصعداء هي عندما مسح لعاب فمه ليأخذ بعد ذلك جرعته الثانية من المخدرات!
بداية النهاية
ربّما لا يختلف حال أي شاب عراقي عما يمرّ به سلوان، فالجميع معرض لهذا الخطر الذي يسمى بـ(المخدرات)، الا أنه لم يصل بعد الى تلك المرحلة، فالحروب والأزمات والاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا والتأثر بها يجعل الشاب العراقي في مصيدة هذه الآفة، يحدثنا أحمد شاكر (22 عاما)، الذي يقسم بأغلظ الأيمان بأنّ حظّه في الدنيا كما وصفه بـ(سالب 10)، وأن المشكلات تتكاثر عليه بلا رحمة، وأنّه في كل مرة يحاول التخفيف عن نفسه من خلال تدخين السكائر والاركيلة؛ يقول شاكر عديم الحظ: “ولأنني أسكن منطقة نائية وعشوائية تكثر فيها تجارة المخدرات، أحارب نفسي لعدم الاقتراب من هذه الآفة، واكتفي بالتدخين عندما أشعر بأنّني بحاجة الى شيء يخفّف عليّ ما أمرّ به من مشكلات ومنغصات للحياة، الا أنّني أخاف أكثر من أن أدخل في هذا العالم الذي لا عودة منه الا أن أكون ميتاً، وما أمرّ به الآن سيكون حياة سعيدة في ذلك الوقت الذي سأدمن فيه على تعاطي (المخدرات)”. يؤكد أحمد بأن البدايات هي ما تحدد كل شيء، لذلك سأكتفي بالسكائر، وأبقي جسمي نظيفا من سموم هذا المرض، وانتظر.. حسن الحظ”.
الأم والمدرسة
لا يغيب على الكثير أن للمدارس دوراً مهماً في تربية الأطفال لحين وصولهم الى مرحلة البلوغ، وهذا الدور يحتمّ على كل مدرسة ومعلم وعلى وزارة التربية بنفسها أن تكون طرفا مهما في محاربة هذه الآفة، فالباحث الاجتماعي صالح هادي يضع يديه على جزء ضروري من المعالجات لهذه المشكلة، مُحدِّثا المواطنين من خلال منبر مجلة الشبكة العراقية، قائلاً: “إن أطفالنا يمضون نصف وقتهم في اليوم الكامل في أحضان المدارس، وهذا الوقت كافٍ لتوعيتهم بالعديد من الطرق التي تحول بينهم وبين مخاطر المخدرات، إذ يجب وضع مناهج ومراجع تجعلهم يعرفون مدى خطورة هذه الآفة وكيف ستدمر حياتهم وأهاليهم اذا ما اقتربوا منها، فالمعلم العراقي له دور مهم في تلقين جيل بأكمله، وأبناؤنا سيبلغون رشدهم تحت أنظار المدرسة والمعلمين وبهذا الامر سيتم تلقينهم إيجابيا لتلافي الوقوع في هاوية التعاطي”.
يضيف هادي “أنّ للأم دوراً أكثر أهمية من غيرها في توعية أطفالها منذ صغرهم لحين اشتداد عودهم، فهي المربية التي يُعتمد عليها لتكون تلك المنصة الإعلامية القريبة من نفوسهم، فالطفل يصدق كل ما تقوله أمه، وبالتالي لا بد من وضع برامج ترشد الأم لكيفية توعية أطفالها في هذا الجانب الخطير”.
التثقيف حلا
ولأن الإعلام الجيد والمتوازن يستطيع أن يبني دولة بأكملها، لا بد من تكاتف الجميع في هذا الجانب، فالبرامج التوعوية واستثمار التلفاز والإذاعة ووسائل التواصل الاجتماعي لتثقيف المواطن العراقي بهذه الآفة ومدى خطورتها على المجتمعات، إذ لا بد من التحرك سريعا للنجاة وجعل الدول العديدة التي هدمت فيها المجتمعات ولم تعد الحكومات قادرة على السيطرة عليها مثالا تحذيريا لنا، وهذا ما فعلته الحكومة عندما باشرت من خلال توصياتها بهذا الجانب وبتصريح للهيئة العليا لشؤون لمخدرات في وزارة الصحة، من خلال أهداف تدفع بملف المخدرات الى الأمام، فمن افتتاح مراكز تدريب لعلاج المدمنين في كافة المحافظات العراقية، الى تزويد القوات الامنية بأجهزة الكشف المتطورة، فضلا عن الطائرات المسيرة والكلاب البوليسية، مع ضرورة الاهتمام بإطلاق برامج التوعية والتثقيف بشأن خطورة المخدرات، كما وضّحت الهيئة أن المراكز الصحية استقبلت أعداداً كبيرة من المدمنين الراغبين بالخضوع للعلاج والتشافي بشكل تام”.
الإرادة سلطان
أما الطبيب صفاء الخالدي فقد جعل من مخرجات حديثنا وإياه بنصائحه الصحية الصحيحة وعياً آخر لحربنا ضد هذه الآفة، إذ يؤكد أن “أغلب الشباب ينظرون الى أن تعاطي المخدرات هو تأثير على العقل فقط، وهذا مفهوم خاطئ، إذ إن الجسم يتأثر من خلال تعاطي هذه المخدرات بشكل كبير، كاحتمال انفجار الشرايين و ستكون مشاكل القلب لدى الشباب أخطر مما لدى شيخ يبلغ من العمر 90 عاما”.
ويبيّن الخالدي أن “الإرادة هي الحل دون دخول دائرة خطر هذه الآفة، إذ عن أضرارها المتعددة حدث ولا حرج، فمن التهابات المخ والهلوسة وفقدان الذاكرة وارتفاع ضغط الدم وزيادة السموم بالجسم وتليف الكبد وكل ذلك بالنسبة لما يمر به المتعاطي نقطة في بحر، ناهيك عن اضطرابات الجهاز الهضمي وفقدان الشهية وضعف الجسد بسبب قلة التغذية وضعف الجاهز المناعي ليكون بذلك معرضا لجميع الأمراض الأخرى التي تزيد من نسبة هلاك الانسان”.