مصابون بالإيدز يعيشون بيننا!

1٬070

بشير الأعرجي/

لأول مرة التقي شخصاً مصاباً بمرض الإيدز، اللقاء بالشاب المصاب، وهو في مقتبل العمر، جاء بالصدفة، انقذته من حادث دهس على طريق عام وسط بغداد، وتحديداً أمام المركز الوطني للإيدز.. أراد ذلك الشاب العبور إلى الطرف الآخر من الشارع من دون الانتباه للسيارات المسرعة، فقد كان شارد الذهن، مرتبكاً.

طلب مني الشاب أن ادله على احدى مناطق العاصمة، فأجبته، لكن سرعان ما اغرورقت عيناه، وقال “سأموت قريباً”، صدمتني هذه العبارة، فالشاب يبدو بكامل صحته، أنيقاً، لا تظهر عليه أية أعراض لمرض خطير يؤدي إلى الوفاة بالسرعة التي تحدث عنها.. تابع كلامه وشحنة البكاء لم تتوقف “اللعنة على الإيدز، من أين جاء إليّ، سأموت والعار سيطارد عائلتي التي توفى ابنها بالإيدز!”

عن طريق الجنس

لغاية هذه اللحظة، أنا أستمع إليه، وقدماي تعودان خطوة تلو الأخرى إلى الوراء.. إنه الإيدز، المرض الذي يقتل صاحبه بلا رحمة.

حاولت تهدئة الشاب واقناعه باجراء المزيد من الفحوصات للتأكد من جديد، لكنه أشار بابهامه نحو المستشفى التي تقع خلفنا، وقال “اسأل مدير المستشفى، هو من ابلغني بهذه الإصابة، ماذا سأفعل الآن؟”

انهى المسكين كلماته وافرغ شحنات الخوف والضياع لشخص لا يعرفه قبل أن يغادر بخطوات ثقيلة، تاركاً معي حقيقة أصبحت ملموسة، وهي وجود مصابين بالإيدز حولنا، ولا يمكن تمييزهم أو توقع كيفية نقلهم للفايروس إلى أصحاء من دون أن يعلموا.

ارتفاع في الاصابات

خطوات أخرى تحركت بها إلى الوراء، لكنها قادتني إلى داخل المستشفى، نحو مكتب مدير المركز الوطني للإيدز، الذي التقيناه وكان متأثراً بما سمعه من الشاب المصاب وكيفية انتقال الإيدز إليه.

د. بهجت عبد الرضا قال ” اصابة هذا الشاب واحدة من عدة إصابات تم تسجيلها هذا العام، فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2017 سجلنا 20 إصابة، والعام الماضي انهيناه بـ 54 إصابة لتضاف إلى 162 إصابة لمرضى احياء من السنوات الماضية”.

إصابات السنوات الماضية التي تحدث عنها مدير المركز الوطني للإيدز، كانت قد بدأت عام 1986، حينما عرف العراق أولى الإصابات بالمرض، فقد دخلت إلى البلاد شحنة دم ملوث بالإيدز من فرنسا، وأصيب بها 230 شخصاً وتوفوا جميعاً بعد نقل الدم الملوث إليهم، ولم يبقَ منهم احياء الا عشرة مصابين، ومع هذا لم يكن أحد يسمع أو يرى شيئاً عنهم تبعاً لاجراءات كانت السلطات الصحية في النظام المباد تتبعها معهم.

حجز المصابين

تحدث د.عبد الرضا عن تلك الإجراءات وقال “كانت الدولة آنذاك مرعوبة من الإيدز، فقامت بحجر المصابين في المستشفى وتعاملت معهم بطريقة مخابراتية ولا إنسانية، مَن يُفترض حجره كإجراء صحي هم المصابون بأمراض تنتقل عن طريق الاختلاط، وخصوصاً بالتنفس مثل التدرن والحمى النزفية ولفترة محدودة تنتهي مع اختفاء البكتريا الناقلة للمرض، والإيدز لا ينتقل عن طريق المصافحة أو الملامسة، فلا يوجد أي سبب علمي لحجر المصاب، بل نقوم بنصحه في كيفية التعامل مع مرضه ومع الآخرين”.

سألنا د.عبد الرضا، كيف تضمنون عدم نقل المصاب بالإيدز لمرضه إلى الغير؟، فأجاب: “طرق التعامل مع المصابين بالفايروس تكون بشكل ودي وبحسب المستوى العلمي والادراكي، فنتقرب منهم ومن عوائلهم لإيضاح كيفية الوقاية من انتشار المرض كأن يكون بعدم التبرع بالدم ومراجعة المؤسسات الصحية المختصة كل شهر لمراقبة الحالة، وتجنب أية ممارسات أخرى قد تنقل المرض”.
سألناه من جديد: “وماذا تقصد بالممارسات الأخرى”، فأجاب على الفور: “50% من أسباب انتقال الإيدز تتم عبر الاتصال الجنسي مع المصابين، وما تبقّى عن طريق الوشم والحجامة وتعاطي المخدرات عن طريق الحقن، والأسلوب الأخير غير منتشر بالعراق، اذ يتعاطى المدمنون المخدرات عن طريق الفم أو ما تسمى بـ(الكبسلة)، ومع هذا فقد سجلنا إصابتين بالإيدز سببها حقن المخدرات”.
وبحسب الإحصاءات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية، فإن الإصابات بالإيدز بدأت بالتراجع في أوروبا والولايات المتحدة مع البرامج المتبعة هناك للحد من انتشار الفايروس، لكن معدلات الإصابات ارتفعت بشكل مخيف في الدول الفقيرة بسبب النزاعات المسلحة والفقر والبطالة وغياب الثقافة الصحية بمخاطر الإيدز.

المقيمون الأجانب

اللافت للأمر، أن أغلب العراقيين العائدين من السفر لا يقومون بمراجعة مراكز فحص الإيدز لتساهل القوانين مع تلك الحالات، غير أن هذا الأمر لا ينطبق على الأجانب الذين تفرض قوانين الإقامة عليهم المراجعة الدورية، وقد سجلت الدوائر المختصة 14 حالة إصابة بالإيدز خلال العام الماضي للوافدين إلى العراق من مختلف الجنسيات، وفق ما ذكره مدير عام المركز الوطني للإيدز.

ومع أن القوانين التي يقع واجب تنفيذها على وزارة الداخلية وبما يخص مراجعة المقيمين العرب والأجانب لدوائر الإقامة، إلا أن هناك مخالفات تم رصدها على بعض الوافدين.

الشبكة العراقية” اطلعت على تقرير سابق لمكتب المفتش العام لوزارة الداخلية اظهر قيام احدى الدوريات بمتابعة مواطن سوداني الجنسية في منطقة البتاوين وسط بغداد وقد خالف قوانين الإقامة، لكن تبين بعد القاء القبض عليه أنه مصاب بالإيدز!. ولم يذكر التقرير أن ذلك المواطن السوداني حمل مرضه إلى العراق، أم اكتسبه هنا.

المصاب يأتي برجله!

ما يفاقم مشكلة انتشار الإيدز في العراق هو مشكلة التوعية بمخاطره وطرق انتشاره، بل هناك مصاعب أخرى تتعلق بكيفية الوصول إلى المصابين.

مدير عام المركز الوطني للإيدز أشار إلى أن المشكوك باصابتهم “يأتون بأرجلهم” إلى مراكز الفحص، من دون أن نذهب نحن إليهم. وأضاف “النظرة السائدة على طريقة تعامل الجهات الصحية مع المصابين بالإيدز هي الحجر أو حرق الجثث، مما يبعد الجميع عن تعرضهم للفحص واكتشاف الإصابات”. وتابع بالقول “استخدمنا في وقت سابق طريقة ناجحة هي التقرب إلى المصابين ومنحهم الأمان، لذا اعتمدنا على الجهات غير الحكومية ومنها الهلال الأحمر بعد تدريبهم على طرق الكشف عن المصابين بالإيدز، وجاؤوا بنتائج إيجابية جداً من أغلب محافظات العراق، لكن هذا الأمر اقترن بتوفر الأموال”.

واستدرك د.عبد الرضا بالقول “مع تعرقل تلك البرامج، اطلقنا خدمة الفحص بدون اسم أو عنوان من خلال مشروع الفحص الطوعي في 18 مركزاً، لكسر حاجز الخوف من الفحص، وقد كشفنا عدة حالات لم نكن لنرصدها لولا هذا المشروع”.

التوعية الغائبة

إصابات الإيدز في جميع دول العالم تنجم عن ممارسات غير قانونية أو أخلاقية، وتتعلق تحديداً بالبغاء أو تعاطي المخدرات باستثناءات بسيطة مثل الوشم أو استخدام أدوات جارحة ملوثة بالفيروس، وهي ممارسات متبعة في العراق وغير خافية عن أي أحد.

ومع حدوث هذه الإصابات وبمعدلات في تصاعد مستمر، إلا أن هناك نقاطاً سلبية تتعلق بالتوعية عن كيفية تجنب الإصابة بالإيدز، وهنا نطرح سؤالاً على من يهمه الأمر: في أي عام شاهدنا أو سمعنا عن حملات منظمة في العراق للوقاية من الإصابة بالإيدز؟.. والجواب: لا نتذكر.
مدير المركز الوطني للإيدز قال “برامج التوعية وتدريب المنظمات غير الحكومية لمكافحة الإيدز بحاجة إلى أموال ضخمة، ولا تتوفر في الوقت الحالي، ومع هذا فالوقاية الذاتية ومراقبة الأهل لتصرفات أبنائهم قد تحد من الإصابة بالفيروس”.

واختتم د. عبد الرضا حديثه بالقول “الشاب المصاب بالإيدز الذي ألتقيته أمام المستشفى، كان قد سافر لبضعة أيام خارج العراق وعاشر فتاة هوى هناك واكتسب منها المرض، اخبرني أن مشروعه بالزواج ألغي بفعل الإصابة، وقال لي بالحرف الواحد: متعة دقائق انهت مستقبلي”!