مصورات عراقيات يتحدثن لـ “الشبكة العراقية” الحياة بوصفها صورة فوتوغرافية

20

رجاء الشجيري
لطالما عبرت الحياة وكينونتها البصرية، عن بنائها ووجودها من خلال الصور، وعالمنا كله، منذ اختراع الكاميرا، أُعيد تشكيله من جديد في مجموعات هائلة من الصور الفوتوغرافية. ولكن هل كانت هناك مصورات عراقيات لهن بصمة احتراف كما المصورين؟ متى ظهرن؟، ماذا واجهن في مشوارهن التصويري؟ مجلة “الشبكة العراقية” فتحت ملف هذه الأسئلة مع مصورات رائدات، وشابات أيضاً، عقب مراحل زمنية مختلفة ليتحدثن عن رحلتهن الفوتوغرافية.

بدايات
تقول سوزان سونتاج، وهي مخرجة وروائية ومصورة، في كتابها عن التصوير، إن “التصوير الفوتوغرافي طقس اجتماعي، وحصانة ضد القلق، وأداة للقوة.” والمرأة المصورة لها رؤيتها الخاصة تجاه العالم عبر عدسة كاميرتها إن أتقنت التعبير عنها، وخلال رحلة البحث عن ظهور أولى المصورات العراقيات، لم تكن هناك اسماء احترافية لهن في الثلاثينيات والأربعينيات وما قبل الستينيات. فالذين امتهنوا التصوير كانوا من الرجال بسبب طبيعة المجتمع التي منعت المرأة أن تكون مصورة، بل كانت معظم العائلات آنذاك تعد التصوير والتقاط الصورة عيباً كبيراً. لكن ظهرت محاولات بسيطة ضمن الحاجة لوجود نساء يجري تدريبهن في القصور الملكية على التصوير لكي يصورن نساء الأسرة الحاكمة فقط. يذكر الكاتب (أمين الريحاني) في كتابه (ملوك العرب) اضطرار الملك فيصل الأول لتصوير زوجته بسبب الحاجة الماسة للعلاج في سويسرا، فصورت صورة واحدة لها ليتم إتلاف الفيلم السالب بعد ذلك. وقيل جاءت مصورة أرمنية الأصل من إيران إلى بغداد اسمها (ليليان) اختصت بتصوير العائلات العامة والعائلات الملكية، لتظهر بعد ذلك محاولات باءت بالفشل لظهور اسم وبصمة، لكن نستطيع القول إن الانطلاقة الحقيقية لهن بدأت في الستينيات حتى عام 2003، بعد ظهور الكثير من المعاهد وإقامة العديد من الدورات لإعداد مصورات تلفزيونيات وفوتوغرافيات، ليأتي بعد 2003 التغيير التكنولوجي، وليس المجتمعي فقط، ما أعلن عن ظهور تجارب شابة لنساء مصورات وصولاً للوقت الحالي. وفيما يلي شواهد مصورات لمختلف الأزمنة تحدثن عن تجاربهن.
أولى الرائدات
ممن تخصصن باحترافية وبصمة مع امتلاكها ستوديو خاصاً بها وبالعائلة.
كانت (سميرة مزعل)، المولودة عام 1947 في مدينة العمارة، وتعد أول وأقدم مصورة، وهي من عائلة امتهنت التصوير وتوارتثها عن الأجداد، شغفت بالتصوير وبدأت قبل أن تبلغ الـ 16 عاماً بفضل والدها الذي شجعها، حتى حصلت على إجازة ممارسة مهنة التصوير من وزارة الإرشاد العراقية عام 1962م، وبدأت مهنتها في وقت كانت فيه آلات التصوير بدائية عن طريق الكاميرا الشمسية، صندوق خشبي وقطعة قماش تغطي رأس المصور. تعرضت بسبب مهنتها آنذاك للاعتقال والسجون. (مزعل) تحدثت لمجلة “الشبكة العراقية” عن التحديات التي تواجه المرأة المصورة، والفرق بينها وبين المصور اجتماعياً، والعمل الميداني، إذ قالت: “الزبائن في التصوير يعتمدون على جودة ومهارة المصور، ولا أعتقدهم ينظرون لجنسه، وبحدود تجربتي لم يحصل هذا الأمر، فأنا بنت مدينة العمارة ومعروفة من خلال عملي السياسي، ولذا فجميع الأطراف، حتى المختلفة معي، كانوا يعدونني مصورتهم المفضلة، مع أنني لاقيت إحراجاً في بداية شبابي، لكنني تجاوزت ذلك بطبيعة فهمي لمجتمعي.”
وهي إلى اليوم مواظبة في عملها ضمن الستوديو الخاص بها في ميسان، وتستقبل الزبائن من العائلات الميسانية، برغم وضعها الصحي الذي ينهكها بين فترة وأخرى.
رحلة بصرية
المصورة الصحفية (حمزية جاسم)، التي بدأت مشوارها في عمر 25 عاماً، وبالرغم من بلوغها 73 عاماً، إلا أن ذاكرتها متقدة، وتعد من المصورات الرائدات في هذا المجال، وقد خصت مجلة “الشبكة العراقية” بحديث عن رحلتها التصويرية إذ قالت : “عملت في مجال التصوير الصحفي من خلال زوجي (مجيد الخالدي)، الذي كان مصوراً معروفاً في الوسطين الإعلامي والفني، كان أستاذي و داعمي في كل الظروف والمهمات، رافقته في مهماته بالتصوير الصحفي، وطلبت منه تدريبي على الكاميرا والتعرف على أجزائها، لأنها كانت أيام زمان معقدة جداً، فتعلمت منه طريقة حملها وتفكيكها، وتركيب الفيلم والتعامل مع المواد، وتحميض الفيلم، وطبع الصور بالغرف المظلمة (الدارك روم).”
مضيفةً: “كنت في البداية، ومع الاختلاط بالأماكن المزدحمة والأماكن الرسمية، ينتابني الخجل، لأن هذا المجال جديد عليّ تماماً، لكنني تجاوزته بسبب إصراري وحبي للتصوير، وصرت أدخل واثقة بعدستي الى أي مكان، سواء تغطيات صحفية أو مهرجانات أو ملاعب.” مشيرةً إلى عملها في مجال التصوير الرياضي، واصفةً تلك الفترة أنها من أجمل أيام عملها في التصوير، بسبب مجالها الواسع وقدرتها على إظهار إبداعات المصور، من خلال التقاطات الحركة والتركيز، وسرعة البديهة.
نوال وسمير
ومن المصورات اللواتي تأثرن بأزواجهن المصورين، وحظين بدعمهم أيضاَ، كانت المصورة (نوال أحمد) من البصرة، تعيش الآن في (ستوكهولم)، وهي زوجة المصور المعروف (سمير مزبان)، الذي وافته المنية قبل أشهر، تقول (أحمد): “عندما تخرجت في الإعدادية، كان هناك إعلان عن دورة تصوير في بغداد مدتها شهران، كان ذلك عام 1979، كنت حينها شغوفة بالتصوير لذلك شاركت فيها، وكان أستاذنا فيها المصور المحترف (سامي النصراوي)، وعند المشاركة بالعملي والميداني خرجنا مع الزميلات المصورات في (كروب) نتجول في بغداد، لتصوير مسارحها وسينماتها وشوارعها، وكان يقام حينها مهرجان عد كأهم حدث في ملعب الشعب، فنزلنا جميعاً نلتقط الصور، وكنا محط أنظار الجميع.” موضحةً أنها عشقت التصوير منذ ذلك اليوم، مضيفةً: “تعرفت إلى زوجي المصور سمير وقتها كزميل وصديق، وعدت إلى البصرة لأصور وأغطي المهرجانات والمناسبات، فكان أول معرض لي داخل البصرة عام 1982، بعدها كان هناك معرضان لي في بغداد، التي انتقلت إليها بعد زواجي من سمير مزبان عام 1986، الذي آزرني ودعمني كثيراً.” وأضافت: “تأثرت كثيراً بعشقه وشغفه بالتصوير الذي انتقل لي من خلاله، وعشقت التصوير الصحفي، وبدأت أعزز ذلك بكتابة القصص التي أدونها بعدستي من مشاهد الحياة، فتارةً بعين عدستي وتارةً بقلمي، وكانت معي مصورات بارعات أمثال المصورة (ازهار) التي افتتحت ستوديو لها في بغداد، وكذلك المصورة (علية عباس) التي كان لها ستوديو بسيط في ديالى، وكذلك كانت (نهلة بنت سامي النصراوي)، التي كانت بارعة باحترافية عالية. والبقية أغلبهن اختفين.” مبيّنةً أن بيتها الآن عبارة عن كاميرات وصور، تنبض بالحياة، خاصة بعد رحيل رفيق دربها ومعلمها.
التصوير والرياضة
للرياضة حصتها من المصورات اللاتي بحثت عنهن، فكانت (أمل النصراوي)، مصورة فوتوغرافية بدأت كهاوية ثم عززت مهارتها بدخولها عام 1980 دورة للمصورات، وهي موظفة في دائرة صحة كربلاء، وعضو هيئة الادارة بجمعية المصورين في المدينة.
انطلقت النصراوي عام 2015 كمصورة رياضية في ملعب كربلاء، عندما شجعها بعض المصورين الرياضيين للعمل معهم بشكل احترافي، شاركت في أول بطولة لكأس العرب وكأس الخليج، وتعدّ أول مصورة رياضية في بطولة 25 بالبصرة والدوري الممتاز لكرة القدم، وكانت المصورة الرياضية العراقية الأولى التي دخلت ملعب الشيخ أحمد في قطر قبل سنتين.
(النصراوي) كانت مثالاً لمصورات شابات تأثرن بها، واقتدين بمسيرتها كمصورة رياضية، من بينهن المصورة الشابة (نور الجبوري)، و(حنين رائد)، مصورة شابة وطالبة جامعية من النجف الأشرف. تقول (النصراوي): “أسعى لتكوين (كروب) مصورات العراق في الرياضة، لأننا نطمح أن نترك بصمة وحضوراً في مجالنا بشكل احترافي، وهذه دعوة لهن لردع الخوف وتلبية الطموح والشغف، ومناشدة أيضاً لرئيس الاتحاد من أجل دعمنا، نحن المصورات الرياضيات.”
كاميرا وبورتريه
(رند الظاهر)، فنانة تشكيلية شابة من سكنة كربلاء، بدأ شغفها بالتصوير في وقت مبكر جداً، معتمدةً على أجهزة الهواتف البسيطة كأدوات للتصوير، حيث كانت تستخدم ضوء مصابيح الشحن للإضاءة. وظل هاجس التصوير يلاحقها حتى تخرجها في كلية التقنية للتحليلات المرضية. وبعد سنوات من عملها كمحللة مختبرية، التحقت بدورة أساسيات التصوير لتدخل هذا العالم بشكل احترافي أكثر. (الظاهر) تحدثت لـ “الشبكة العراقية” قائلةً: “استثمرت مبالغ كبيرة في مجال التصوير لشراء كاميرا وعدسات وملحقاتها، ولم أترك مجالًا إلا ودخلته. وفي أحد الأيام، التقيت مجموعة من المصورات العراقيات اللواتي واجهن هذا الهاجس الخفي نحو التصوير الصحفي الوثائقي.” موضحةً أنها اليوم تقدم نفسها كمصورة (بورتريه) مهتمة بالتصوير الوثائقي، وتعمل على مشروع مقبل يحكي قصة نجاح امرأة عراقية اختارت أن تكون عازفة في الفرقة الوطنية العراقية.” مضيفةً أن “مجال التصوير واسع، لكن النساء اعتلين مجالات محدودة منه، وأنا أسعى لاختيار مجال أكثر جرأة يعكس قصص الآخرين، سواء كانت قصص نجاح أو صراعات، من خلال عدستي.”
وعن ما تواجهه (رند) وغيرها من المصورات الشابات في الشارع، وتعامل المجتمع معهن تقول: “أواجه في شوارعنا مضايقات متنوعة، منها الاستهزاء، إلى جانب تدخل بعض مسؤولي الأمكنة التي نزورها بأساليب هجومية غير مبررة. ما يحتم عليّ التصرف بذكاء وأستخدم المجاملة الاجتماعية لتفادي الوقوع في المشكلات أثناء التقاط الصور في الأماكن العامة.
وعند سؤالها عن اختيارها لتصوير (البورتريه) بالذات، أجابت أن “الملامح، شكل الإنسان، عيونه، تعابيره، كلها تتكلم بصمت، وهذا الشيء أجد أنه الأكثر سحراً وجذباً بالنسبة لي.”