معهد الفنون الجميلة في الكاظمية: مدرسة ابتدائية في حيّ صناعي!

1٬137

ذوالفقار يوسف /

يقع معهد الفنون الجميلة داخل محلة لميكانيكيي السيارات، يمتد منها شارع مزدحم بحافلات النقل ومنه الى جامع كبير في الجهة المقابلة وتفصله عنه بضعة أمتار فقط. الغريب في الأمر أن مبنى المعهد ماهو إلا مدرسة ابتدائية قد رسمت على جدرانها لوحات فنية ورسومات ولوحة تعريف بهذا الصرح الفني!

أول الفيض قطرة

افتتح معهد الفنون الجميلة في مدينة الكاظمية المقدسة عام 2012، كإضافة لباقي معاهد العاصمة، مزيناً المدينة بجانبه الثقافي والفني، وكالتفاته لمكان مقدس كهذا لما يحمله من ولادة للعديد من الفنانين على كافة المستويات.

“تحقق الحلم”، هذا ما ابتدأ به مدير معهد الفنون الجميلة الأستاذ محمد سعيد الحيدري حديثه قالاً: “تم افتتاح المعهد لخدمة المناطق الواقعة على جانبيه، والغريب في الأمر هو أن أصل بناية المعهد هي مدرسة ابتدائية، إلا أننا تجاوزنا المستحيل والظروف التي يمر بها البلد، وخلقنا مكاناً لجيل المستقبل، حيث يضم المعهد أربعة أقسام: قسم التصميم بفرعيه الداخلي والطباعي، وقسم الفنون التشكيلية بفرعيها الرسم والنحت، اما قسم الفنون المسرحية فيضم كلاً من التمثيل والإخراج، وآخرها قسم الخط والزخرفة. وما يحزننا هو عدم وجود قسم يختص بأقسام السمعي والمرئي والموسيقى، وذلك بسبب صغر مساحة البناية وعدم توفر المكان وكادر لتدريس هذه المواد وبسبب النقص الحاصل في ميزانيات الوزارة، ما منعنا من أن نذهب الى طلب تبديل البناية.”

أضاف الحيدري: “المعهد يضم أفضل الأساتذة وغالبيتهم من حملة الشهادات العليا والكفاءات، فنانين كانوا أم تربويين ولجميع الاختصاصات، وفظلاً عن التدريس فأنهم يقومون بالتعاون مع الطلبة على لتنفيذ النشاطات بسبب نقص التمويل، اضافة الى الخدمات ووسائل التدريس الصحيحة والمبتكرة، حيث كانت اولى محاولاتنا في جعل الصفوف تتناسب مع الأقسام، فتارة نقسم الصفوف لسد النقص، وتارة اخرى نقوم بتكبير الصفوف من خلال دمج صفين مع بعضهما حتى تتناسب مع القسم، وكل هذا بموارد الأساتذة والطلبة الذاتية.”

المعهد الفتي

تم تأسيس المعهد من قبل رجل الدين السيد حسين اسماعيل الصدر والسيد محمد الموسوي مدير معهد التدريب والتطوير، حيث كان يترأس ادارة المعهد آنذاك الدكتور حمد الشاوي، والذي يعتبر المؤسس الاول لهذا المعهد.

ويوضح الحيدري: الفكرة الخاطئة عند أغلب الناس بخصوص وجود معهد للفنون الجميلة في هذه المدينة المقدسة، حيث يقول: “إن الله جميل يحب الجمال، والفن هو عبارة عن ابتكار للجمال، حيث توجد في العتبة الكاظمية فرقة خاصة بها للأناشيد والتراتيل تصاحبها الموسيقى.”
مضيفاً: “ان جميع الأقسام مرتبطة ارتباطاً جزئياً بالجانب الديني، فالرسم والنحت والمسرح والخط والزخرفة لها جانبها الديني، ونحن غير ملزمين نهائياً بتقييد الفنون واقسامها بطابع ديني وماشابه ذلك.”

أما من ناحية القبولات فيشير الحيدري بأن “ابوابنا مفتوحة لكل الطوائف والديانات ولجميع المناطق، حيث يضم المعهد العديد من الطلبة من سكنة مدينة راوة والفلوجة وهناك من المناطق القريبة كالأعظمية والشعلة.”

مقاعد ذكرى

إن أول أسس الفن المسرحي الذي يتمثل في الإخراج والتمثيل هو المسرح، والذي يعتبر المكان المقدس بالنسبة للممثل، والهيكل اللانهائي لجمال التقمص.
تطل علينا من هذا الإطار رئيسة قسم المسرح الأستاذة ذكرى كاظم حيث تقول: “إن انعدام اللمسة الفنية في المكان هو ماجعلنا نخطو نحو تغيير هيأة الصفوف، في بداية الأمر كان الوضع أسهل بسبب المراحل الاولى لدراسة الطلبة، التي تتطلب منهم فقط الدراسة بشكل عام وغير تطبيقي، ولكن عند اجتيازهم المرحلتين الأولى والثانية، توجب عليهم الدراسة بشكل عملي وتطبيقي، وهذا ماجعلنا نبحث عن اماكن مهيأة لمثل هكذا دراسات، كتطبيق مشهد مسرحي او ماشابه ذلك، وعند زيارتنا لباقي المعاهد الأخرى يفاجأ الطلبة بتوفر جميع مستلزمات الدراسة هناك، واتساع الأماكن، مسرح كبير وقاعات للرسم وللزخرفة وديكوراتها الجميلة، ما جعلهم ينتفضون بعد عودتهم بسبب عدم توفرها في معهدنا، حتى أن البعض منهم قد انتقل الى المعاهد الأخرى، فقد كانت اول خطوة لنا بعد ذلك هي بناء مسرح يليق بمعهدنا وطلبتنا، وبمالنا الخاص كأساتذة، وايضا بالتعاون مع الطلبة، فقد قمنا في بادئ الأمر بتغليف جدران الصف بواسطة أقمشة سوداء، وبناء منصة المسرح من خلال مقاعد الدراسة التالفة، وجمعناها بعضها مع بعض مكونين بذلك مسرحاً بسيطاً، اما الإضاءة والموسيقى المصاحبة للمشاهد فكانت من خلال أجهزة الموبايل الخاصة بالطلاب. بعد ذلك لاحظنا أن العديد منهم صار يبدع في تمثيله لمشهد ما، او تجسيده لشخصية، وكل هذا بسبب هذا التحفيز البسيط، فكيف اذا تم بناء مسرح متكامل لهم. وبالرغم من المخاطبات العديدة التي يكون الرد عليها بأن قلة التخصيص المالي للوزارة يمنع الموافقة على احتياجات المعهد.”

يضيف الأستاذ محمد أحمد وحيد المختص بتدريس مادة التمثيل للطلبة: “لقد قدمنا عدة مسرحيات وشاركنا في الكثير من المهرجانات كمهرجان حقي الشبلي السنوي، والذي حاز فيه احد طلبتنا على افضل عرض مسرحي متكامل، وايضاً كأفضل ممثل مسرحي وافضل مخرج مسرحي، حيث قمنا بعد ذلك باستقطاب العديد من المدراس الابتدائية وقدمنا عدة مسرحيات للأطفال، ما جعلنا بعد ذلك نصبو نحو الأفضل، قمنا بعدها بتوسيع المسرح بهدمنا أحد الجدران بين الصفين لعمل مسرح ضخم يضم كواليس وغرفة لرئاسة القسم، حيث تم العمل بإشراف الأساتذة والطلبة ليل نهار بمجهودهم ومالهم الخاص.

بيكاسو في الحمّام

غرف صغيرة وأخرى غير مناسبة نهائياً لتدريس المواد، كل هذا نراه في معهد الفنون الجميلة في مدينة الكاظمية حيث لازمتنا الحسرات طوال تجولنا داخل هذا المكان.

الاستاذ ياسر علي، رئيس قسم الخط والزخرفة، يشكو انعدام التمويل، حيث يجلس طلبته وقد استندوا مع مخطوطاتهم على احدى “السبورات” جاعلين منها طاولة لرسم الخط والزخرفة وقد غلفت بقطعة من النايلون لاعطائها لمسة فنية.

أما رئيس قسم الفنون التشكيلية الأستاذ فاضل عباس فقد افترشت لوحاته ارضية الحمّام بسبب ضيق مساحة الصف، أما المرافق الصحية فقد تحولت الى أماكن لخزن اللوحات ومستلزمات القسم، ما جعل الأساتذة والطلبة يذهبون الى المرافق الصحية التابعة للجامع المقابل للمعهد لقضاء حاجتهم!
آخر جولة لنا كانت في غرفة صغيرة لاتتجاوز مساحتها الخمسة أمتار مربعة، ضمت العديد من المنحوتات وأعمال طلاب قسم النحت، يترأسهم الأستاذ ميثم الرواد لقسم فنون النحت، والذي قال بحسرة وألم: “إن تكاليف المواد الأولية في النحت أثقلت كاهل الطلبة، وهناك العديد من النحاتين الذين طلبوا المساعدة كمدرسين في المعهد وبمبلغ رمزي وبدون تعيين، إلا أن طلبهم قد قوبل بالرفض من قبل الوزارة.”

إن مدينة كالكاظمية التي خرّجت العديد من الفنانين والتشكيليين من أمثال جعفر السعدي، وعلي الأنصاري، والنحات محمد غني حكمت، والتشكيلي خليل الوردي وغيرهم من الفنانين الذين تركوا بصمة في عالم الفن، صار أبناؤها يناشدون هذا الصرح الفني والثقافي بحسرة وهم يرددون ماقاله ابن مدينتهم الشاعر عبد المحسن الكاظمي:

“ألا هل إلى ماضٍ من الدهر عائدُ

وهل لي إلى ما ضيّع القلب ناشدُ

فماليَ فيها من يجيب سوى الصدى

ولا غير دمع العين فيها مساعدُ”