مــــع اضطـــرابات منطقـــــة الشـــرق الأوســــط..هل ينتهــــــــي عصـــــر الذهــــــب الأسود؟

15

علي كريم ذهيب
شهدت الفترة منذ تشرين الأول عام 2023 الماضي أحداثاً متسارعة نتيجة العدوان الصهيوني على قطاع غزة، تغيرت معها خريطة النفط الخام (الذهب الأسود كما يطلق عليه في التداولات الاقتصادية)، وأدت التقلبات السعرية بين (70 – 90) دولاراً للبرميل الواحد، إلى مشكلات مالية للدول الريعية التي تعتمد على النفط الخام مصدراً مالياً وحيداً، مثل العراق الذي يعتمد بنسبة تصل إلى 90% على الإيرادات المالية المتحققة من بيع النفط الخام.

هذه الأحداث رافقتها تساؤلات بشأن التقلبات السعرية في أسعار النفط، “وهل ستؤدي إلى التفكير من جديد بأن عصر الذهب الأسود سينتهي، أو أنه بدأ بالانتهاء فعلاً، أم أنها مسألة وقت وتعود الأمور إلى طبيعتها بعد انتهاء اضطرابات الشرق الأوسط، لكن هنا يتوقع الخبراء أن هذه الاضطرابات ربما ترتفع وتيرتها، خاصة مع العدوان على لبنان.”
يقول تقرير لعملاق النفط الأميركي (إكسون موبيل): إن “الطلب على البترول سيظل فوق 100 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050، وإن النفط والغاز الطبيعي سيظلان يشكّلان أكثر من نصف مزيج الطاقة العالمي بحلول نصف القرن.” وحذّر التقرير من أن “التوقف عن ضخ الاستثمارات في التنقيب قد يسبب أزمة كبيرة وصعوداً كبيراً في أسعار النفط”.
وهو ما يتفق معه (ديفيد جوربيناز) المحلل في شؤون أسواق النفط، بأن “توقعات إكسون موبيل تعد بمثابة تحذير واضح من المخاطر المحتملة المرتبطة بتقدير الطلب المستقبلي على النفط بشكل غير صحيح والنتائج المترتبة على التخارج المبكر من البنية التحتية للوقود الأحفوري.”
ليست سحابة عابرة
يقول الباحث الاقتصادي عمر سعد سلمان إن “تذبذب أسعار النفط الخام ليس سحابة عابرة كما كان يحصل سابقاً، بل إنه مؤشر على المستقبل المتوسط والبعيد.” مشيرا إلى أن” تزايد القدرة التنافسية للطاقة النظيفة ودخول ثورة صناعية في سيارات (الهايبرد) سيؤدي إلى تباطؤ النمو في الطلب على النفط.”
يضيف (سلمان) في حديثه مع مجلة “الشبكة العراقية” إن “السعودية تدرك حجم هذا التحدي، وسارت في استثمار الهيدروجين والطاقة الشمسية لحجز مكان لها في عالم جديد. إذ إن ٥٧% من استهلاك النفط يذهب للسيارات.”
ارتباطات مباشرة
يرتبط الطلب العالمي على النفط الخام، حسب المتخصص أكاديمياً في قطاع النفط والطاقة الدكتور بلال الخليفة، “بالنشاطات الصناعية، ولاسيما في مجال البتروكيمياويات ومعدل النمو المعلن عنه من قبل الدول الصناعية، وأهمها الصين وأميركا، فضلاً عن التحول في قطاع توليد الطاقة الكهربائية التي تعمل بالطاقة المستدامة، مثل الطاقة الشمسية، إذ إن قطاع التوليد يستهلك بما يخص النقل 64٪ من الاستهلاك العالمي من النفط، و27٪ من إجمالي استهلاك الطاقة، وينتج 23٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة. وقد بلغ استهلاك العالم من الطاقة الأولية 620 إكساجول في العام 2023، بزيادة 2% على أساس سنوي، كما توجد عوامل أخرى كالأوبئة والجوائح والحروب.”
وكانت منظمة (أوبك بلس) قد خفضت تقديراتها لنمو الطلب العالمي في 2025 إلى 1.74 مليون برميل من 1.78 مليون برميل يومياً. في وقت كانت توقعات المنظمة لعام 2024 الحالي نمواً قدره 2.11 مليون برميل يومياً.”
كما توقعت منظمة الطاقة الدولية أيضاً “نمواً للطلب في الصين بنحو 180 ألف برميل يومياً فقط في 2024، إذ يتزامن تباطؤ الاقتصاد الكلي مع زيادة استخدام السيارات الكهربائية، وأبقت الوكالة توقعاتها لنمو الطلب في 2025 دون تغيير عند نحو 950 ألف برميل يومياً، لكنها أشارت إلى أن سوق النفط العالمية قد تتأثر بفائض بالمعروض في العام المقبل إذا مضت مجموعة (أوبك بلس) في خطتها للتراجع التدريجي عن تخفيضات الإنتاج الطوعية.”
ثقة المستخدم
يضيف (الخليفة) في حديثه مع “الشبكة العراقية” أن “الأحداث الأخيرة التي رافقت الحرب في الشرق الأوسط، المتمثلة بتفجيرات جهاز المناداة الـ (بيجر) في لبنان، قللت الثقة عند مستخدمي مثل هذه الأجهزة، ومنها السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات، وبالتالي فإن هذا الأمر قد يخلق عزوفاً عند مستخدميها، كما يوجد سبب آخر، هو أن السيارات الكهربائية تحتاج إلى شحن عند قطعها مسافة 450 كم، وهذا غير مناسب للطرقات الخارجية البعيدة. فضلاً عن أن شحن البطارية من الشبكة الوطنية الكهربائية التي تعتمد أصلاً على الوقود الأحفوري، كالنفط أو الغاز، لا يكون له آثر في انخفاض الطلب العالمي على هذا الوقود (البترول)، بل على العكس من ذلك، لأن محطات التوليد فيها خسارة من الطاقة في عملية الاحتراق والتوليد وخسائر في النقل وخسائر أخرى، وهذا سيكون بنسبة تزيد من الاحتراق المباشر في محرك السيارة.”.. بحسب (الخليفة).
وفيما يخص التوليد من الطاقة المستجدة، كالطاقة الشمسية، تحدث (الخليفة) قائلاً: “لغاية الآن لايزال هذا التوليد ذا كلفة عالية، ولاسيما عند استخدام البطاريات، إذ ان توليد الميغاواط الواحد من دون بطاريات هو بحدود 20 – 40 دولاراً، أما مع البطاريات فقد يتجاوز 160 دولاراً.”
ادعاءات لا صحة لها!
يفند الأكاديمي في علوم النفط والغاز الدكتور محسن عبد الواحد، في حديثه مع “الشبكة العراقية” هذه الادعاءات، ويرى أنها ادعاءات لم تثبت صحتها، ذلك أن النفط كان ولا يزال يتسم بطابع سياسي، أو على الأقل جيوسياسي.”
يستطرد عبد الواحد قائلاً إن “النفط لن ينفد من العالم، أما المصادر البديلة للطاقة فلا تزال تبدو مجرد وعود، أكثر من كونها واقعاً، يمكن وصفه، بناء على ما يذكره باتريك دينين من جامعة (جورج تاون) بـ (النظام ما بعد الليبرالي). علاوة على ذلك، فإن التوازن بين سكان الدول المنتجة للنفط وصادراتها النفطية شهد تحولاً جذرياً.”وقال أيضاً: “جاء أحدث استخدام للنفط بوصفه سلاحاً سياسياً مع الحظر الذي فرضته القوى الغربية ضد روسيا. فقد أسفر تسييس النفط، هذه المرة أيضاً، عن عواقب غير مقصودة، حملت طابعاً سياسياً، فقد وجدت روسيا نفسها مضطرة إلى بيع نفطها للصين بسعر جذاب يساعد الاقتصاد الصيني على تجنب الركود الذي توقعه النقاد.”
مشاريع نفطية
في السنوات السابقة، كان لشركات النفط عزوف عن الاستثمار في المشاريع النفطية الاستخراجية، لكن بعد الأزمة الأوكرانية وفرض العقوبات الغربية على الطاقة الروسية، برزت بشكل جلي الحاجة إلى الوقود الأحفوري. وبالتالي فإن انتهاء عصر البترول لن يكون قريباً، وعلى أقل التقديرات حتى عام 2050، بحسب الدكتور بلال الخليفة.
فيما يعلق الباحث عمر سعد سلمان بأن الأمور “ستكون واضحة بعد عام 2028 عندما يصل العالم إلى قمة الطلب يتبعها بدء انحدار تدريجي يستمر لغاية 2040.”