منارة موجدة.. أثر شامخ في صحراء كربلاء

18

عامر جليل إبراهيم

تعد منارة موجدة أحد المعالم الأثرية التي تقف شامخة بمسافة (40) كم عن مركز مدينة كربلاء. ولأهمية موقعها على الطرق التجارية المهمة بين العراق وبلاد الشام والحجاز آنذاك، اتخذت للدلالة وإرشاد القوافل. يعتقد أيضاً أنها استخدمت برجاً للمراقبة العسكرية.

يعود أصل تسميتها بـ (المنارة الموقدة) لأن الحطب كان يجمع ويوقد في قمتها فتُلمح من مسافات شاسعة، لتكون دليلاً للقوافل في الليل. مجلة “الشبكة العراقية” زارت هذا المكان برفقة السياحي الدكتور مصطفى سالم حسن الطرفي، الذي يعمل في دائرة مفتشية آثار وتراث كربلاء للتعريف بهذه المنارة.
تاريخها
عن تاريخ تشييد المنارة يقول الطرفي إنه “يعود -بحسب المصادر- إلى القرن التاسع الميلادي، وهي الفترة نفسها التي شيد فيها (خان العطشان)، الذي يقع على بعد (21 كم) منها، أي أنها أحد أطوار الزمن العباسي. والملاحظ أن طريقة بناء البرج كانت على الطراز الإسلامي، إذ تجد العمارة الإسلامية القديمة ذات الزخارف المتنوعة واضحة في أجزائها العلوية.”
أصل التسمية
وعن أصل تسمية المنارة يؤكد الطرفي “أنها سميت بـ (الموجدة)، في اللهجة الدارجة عند العراقيين، التي تعني بالفصحى (الموقدة)، إذ إن الحطب كان يجمع ويوقد في قمتها فتُلمح من مسافات شاسعة، لتكون دليلاً للقوافل في الليل، ومرشداً إلى الطريق الصحيح. أما عن موقعها فهي تقع تحديداً إلى الشمال الغربي من مركز مدينة كربلاء، في صحرائها الغربية تقريباً، وتطل على وادي (الطار)، وتبعد عن خان العطشان (21كم) كما ذكرنا، وعن حصن الأخيضر (20كم) تقريباً، وبشكل أدق تقع على يسار الطريق الرابط بين كربلاء وقضاء عين التمر.”
أهمية المكان
يصف الدكتور حسن أهمية الموقع الذي شيدت فيه المنارة بالقول: “هناك أسباب كثيرة تقف وراء اختيار المكان، لعل أهمها وقوعها على الطرق التجارية المهمة بين العراق وبلاد الشام والحجاز وغيرها، فاقتضت الحاجة آنذاك وجود علامات ثابتة تستخدم للدلالة وإرشاد القوافل والرصد في حالات الطوارئ، وربما استخدمت أيضاً للتواصل بين الوحدات الإدارية عن طريق إشارات الدخان أو الحمام الزاجل، ويعتقد بعضهم أنها استخدمت برجاً للمراقبة العسكرية، إذ لم يعثر على آثار تدل على وجود مستوطنة في هذه المنطقة الصحراوية سوى بعض الكسور من أوانٍ فخارية ملونة. ومما يقال أيضاً إن المنارة كانت فناراً للسفن المبحرة في بحر الجنوب، الذي يعتقد أن مياهه انحسرت إلى ما يعرف الآن بالخليج، وما زالت آثاره موجودة إلى يومنا هذا، متمثلة ببحر النجف. وقد ورد ذكر القصر الذي يضم المنارة في الدليل العراقي لسنة 1935- 1936، إذ ذكر أن قصر (موقدة) يقع بالقرب من الأخيضر، وتعلو هذا القصر منارة عالية لا تزال قائمة، والموقع غير متجاوز عليه حتى الآن، لكن النصف العلوي من المنارة مهدم، ونصفها الآخر لا يزال محافظاً على هيكله.”
شكل المنارة
يضيف الطرفي: “بنيت المنارة بطابوق الفرشي (أحمر اللون) والجص والنورة، وقاعدتها مربعة الشكل تبلغ مساحتها (25م2)، زيّن كل ضلع بثلاث حنايا صمّاء يعلوها عقد نصف دائري. ثم يبدأ البدن الأسطواني الذي ينقسم إلى أفاريز، الأول بارتفاع (2م) بني خالياً من أية زخارف، وربما أرادَ المصممون إظهار مساحة فاصلة بين القسمين، الأول (القاعدة)، والقسم الذي يليه لإبراز التفاصيل بشكل أوضح. الأفريز الثاني بارتفاع (2م) جرى تزيينه بطريقة التلاعب بالآجر مكوناً خطوطاً من المثلثات من أعلى إلى أسفل تلف البدن الأسطواني بكامله، وهذه الطريقة ظهرت بشكل واضح في أواخر الفترة العباسية. أما أعلاها فقد توج بست حنايا تنتهي بعقد نصف دائري تهدم بعضه. يبلغ ارتفاع المنارة الكلي (12م)، ويمكن الصعود إلى أعلاها عن طريق سلّم في داخلها من الجهة الجنوبية من قاعدة المنارة. ومن الواضح أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بـ (خان العطشان)، وحصن الأخيضر، وربما بطريق الحج المعروف بـ (طريق الست زبيدة)، أو ربما بناها الصفويون لغرض إرشاد قوافل الحجيج. ومما يلاحظ أن المنطقة المحيطة بالمنارة خالية من أية مظاهر تدل على وجود مبانٍ قريبة منها.”
يختم الطرفي حديثه بالقول إن “مثل هذه المناطق الأثرية، التي عادة ما تكون في الصحراء، بعيداً عن المدن، تكاد تكون زياراتها معدومة من قبل المجموعات السياحية، لكننا في الوقت نفسه على أتم الاستعداد لتقديم كل الخدمات لمن يرغب في زيارة هذه المواقع، التي تدل على عمق الحضارات التي توالت على هذا البلد، كما نتمنى على الحكومة الالتفات إلى هذه الصروح والمعالم الأثرية وصيانتها والحفاظ عليها، كونها تعبر عن تاريخ وأصالة هذا البلد العريق.”