من أين جاءت الخطيئة؟

158

آية البهادلي /

سؤال يحمل الكثير من الأوجه المتنوعة للإجابة عليه، إذ يمكنك أن تجيب عنه وأنت تبتسم ببساطة، وأن تحيله الى كوميديا سوداء. أيضاً يمكنك أن تكون جاداً وتستقبله، فتمنحه بصيرة الحقيقة، فمن أين جاءت الخطيئة فيما لم يحمل نوح في سفينته سوى المؤمنين؟ سؤال طرحته مجلة “الشبكة العراقية.”
اللهاث إلى التوبة
“ليس بمقدورنا ونحن نتحدث عن الخطيئة، إلا أن نمرّ على جملة من الأديان والثقافات التي رسخت هذا المفهوم الخطير في سلوك الناس والمجتمعات، والتعامل مع هذا (التابو) على أنه سلوك آثم مرفوض على وفق نصوص إلهية أدرجتها في أوليات كتبها المقدسة، وهي تدعو الى نبذ هذا السلوك الذي يثلم كثيراً من رصانة المجتمعات التي تتبني دساتيرها التعاليم السماوية المحرضة على تشذيب الخطيئة.” بهذه الصورة يوضح الشاعر والكاتب ضياء الأسدي أن “تلك الظاهرة نجدها تتكرر على نحو مستمر، بل قد تكون الخطيئة ودرؤها من أهم العوامل التي تناولتها أكثر النصوص الدينية وحرمتها، بل وذهبت الى أبعد من ذلك عندما أشكلت على الخطّائين بأنهم يقبعون في الدرك الأسفل من الانحطاط وأن ليس لهم سوى السعار واللهاث الى التوبة.”
ويبين الأسدي أن “الجينات والغول المطمور داخل النفس البشرية هي من تحرك هذا الساكن الذي لا فكاك منه في سلوكياتنا غير المعلنة أحياناً، وهذا ينذر بأن الشروع في ارتكاب الإثم يطفو في بركة نفوسنا ويدور في فلك تصرفاتنا، وقد يظهر او ينفلت في لحظة تجرد لا يمكن أن نسيطر عليها اطلاقاً.”
فطرة انسانية
“لابد من الاعتراف بأن الخطيئة هي فطرة إنسانية ألهمها الخالق في نفوس البشر (الآية: ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها).” انطلاقًا من هذه الحقيقة، يرى الكاتب محمد حياوي ضرورة أن يتأمل الناس تكوينهم النفسي كبشر مجبولين على الحقّ والباطل. “لا أريد هنا أن أقر بصحة الرأي القائل (استعينوا على أنفسكم بشيء من الباطل)، لكن كقاعدة أدرّسها لطلبتي في قسم التصميم دائماً، فإنه لابد من الأسود لنقيس درجة نقاء البياض. ربما الأمر مع النفس البشرية مختلف فيزيائياً عن التصميم، لكنني مؤمن تماماً بأن الخطيئة ولدت مع ولادة البشر، وربما هي أقدم من نوح نفسه.” ألم يقل الجواهري الكبير (أبوكم آدم سن المعاصي وعلمكم مفارقة الجنان؟) وإذا ما أدركنا أن البشر بدأوا حياتهم بخطيئة التفاحة وفضلوا الخروج من الجنّة على الالتزام بالفضيلة، ندرك كم أن الخطيئة حاجة ملحّة للنفس. مرّة كتب حياوي نصاً بمعنى “أن نمنح انفسنا الحق بإساءة التصرف، لأن النفوس تُبلى إذا ما واظبت على نهج مثالي متواصل. ومن وجهة نظره، لا يوجد بشر مثالي يصل إلى درجة الكمال، إنما الأمر نسبي في الواقع، ويتعلق بمدى الوعي والمفاهيم التي يؤمن بها الفرد ونظرته الى الحياة وتربيته ومجتمعه الذي يعيش فيه.” يكمل حديثه قائلاً: “مرّة سألت صديقي المخرج الهولندي بيتر فان هوفن فيما إذا كان مخلصاً لزوجته التي توفيت، بعد أن عاشا معاًعلى مدى أكثر من عشرين عاماً، فنظر لي باستغراب وقال: ماذا تقول أنت؟ لو كنت مخلصاً لمارتينا (زوجته الراحلة) لفاتني التعرف على عشر نساء رائعات ملأن حياتي بالشغف والبهجة وشكلن لدي حافزاً للمضي قدماً في جنون السينما. وطبعاً ليس مطلوباً منا أن ندين بدين بيتر المجنون هذا، لكن الأمر يستحق التأمّل من وجهة نظري.”
كل الشر مردود إليك
من سؤال للنكتة إلى سؤال فكري: من أين جاءت الخطيئة؟
“قبل الخطيئة الأولى، وبعد نوح، عرفت البشرية الخطيئة الأولى للإنسان وكانت في الفردوس.” هكذا يوضح الشاعر صفاء سالم إسكندر، “ومن ثم توالت خطيئة ابن آدم، وهنالك ما يبرر ذلك (كل ابنِ آدم خطَّاءٌ).”
“فكرة السجود هي من خلقت هذا العداء، يرى البعض كفر الشيطان، ويرى القلة غيرة العابد التي أدت به إلى الغضب الإلهي. لكن هذا الزمن الذي منح له جعله سيد الخطيئة (قالَ رَبَّ فأَنْظِرْنِي إلَى يَوْم يُبْعثُونَ) قرآن كريم/ الأعراف. لذا فإن هذا الصراع يبعد عنا فكرة التسليم بالنفس البشرية وتزكيتها”، كما يبين صفاء سالم، ويرى أنها المسؤولة عن جزء كبير من الشر على سطح المعمورة لما لها من مطامع، كما يصف أهل الأخلاق ذلك، والدرجات التي على الإنسان أن يتسلسل فيها ليصل إلى تزكية هذه النفس. وهنالك مفهوم آخر يقيد الإنسان وهو هذا التوافق الحضاري والقوانين التي تصد عن ممارسة الشر أو تحد منه على أقل تقدير، فمهما كانت القوانين قاسية، يضيف بالقول: “لم تستطع الحد من الشر، هذا على اعتبار أنها ملموسة ومرئية، غير ما يحكم من الغيبيات وما توعد به السماء، فكرة أن “نوحاً” حمل أهل الخير فقط، غير كافية لبراءة الإنسان، وسلام الأرض.”
اقتربوا من النور
“الخطيئة مجبولة في مقادير طين الخليقة، فهي ليست منفصلة عن الإنسان، الذي هو جزء من الخير والشر، وفي داخله هذا النقيض، لم يكن آدم كافراً حين شرع بأكل التفاحة الممنوعة، ولم يكن نوح يعرف ما شكل السفينة التي سيعوم فيها بعيداً عن الخطايا وأي نوع من الشجر سيجمع أخشابه، ولو فرضنا أنه أدرك هل سيصعد آدم في تلك السفينة بعد تلك الخطيئة التي جرَّ وراءها سلالات من البشر ليحمّلها أبناءه؟” يتساءل الشاعر حسين المخزومي ويضيف في حديثه لـ “مجلة الشبكة”:
“هنا أقول إنما هي مقادير تكوينه من ظلام ونور مزجا معاً وتشكّلا حتى عُجنا مع صلصال آدم لتكون البشرية من صلبه تحمل هذه النسبة من الخير والشر والاستعداد للخطيئة، فالخطيئة استعداد موجود عند كل البشر، أما الذين صعدوا في الفلك مع نوح إنما هم ابتعدوا قليلاً عن الخطيئة واقتربوا أكثر من النور والخير.”
كلمة واحدة
اما الشاعر شوقي عبد الأمير، ففضل أن يجيب عن تساؤلنا بعبارة واحدة فقط، وهي: “الإيمان والخطيئة وجهان لعملة واحدة، هي الدين.”