من الأكثر فقراً إلى الأولى في الاستثمار المثنى… رحلة الإصلاحات المنتجة

161

المثنى – يوسف المحسن/
على امتداد تاريخها الطويل، ومنذ الألف السابع ق. م احتفظت البقعة الرحبة بسجل الانبعاثات والولادات الأولى للأشياء: اختراع العجلة، وكتابة الحرف المسماري الأول، وتصميم نظم الري الأولى، وفرز الألوان في أوروك القديمة، حتى وصولها الى الحراك السياسي والمجتمعي والشرارة الأولى لثورة العشرين، التي أرست عوامل تأسيس الدولة العراقية الحديثة.
السماوة، حيث التقاء النهر بالبادية، وخلطة التحضّر والبداوة، مدينة اعتادت الجمع بين النقائض واختراع هويتها الخاصة. بعد العام ألفين وثلاثة كانت الأولى في التحول السياسي، والمبكِرة بإجراء أولى التجارب الانتخابية، لكنها لم تحصل على ما تتمناه، فصارت الأولى في معدلات الفقر، مثلما تشير الأرقام الصادرة عن وزارة التخطيط.
الجفاف والإدارة وغياب التخصيصات
وعلى الرغم من الطفرات الاقتصادية الهائلة التي قطعتها المدن العراقية بعد العام 2003 وما تبعها من انتقال سريع للانفتاح الاقتصادي والنمو المتسارع، إلا أن المثنى كانت من بين المحافظات الأكثر تأثراً بنقص الإطلاقات المائية، والبيروقراطية في تنفيذ خطط التنمية الحكومية، وغياب التخصيصات المالية الكافية، وهو الثالوث الذي أحدث ضرراً في القطاع الزراعي، وإعاقة المشاريع الحكومية، وزيادة في معدلات البطالة. إذ يشير الخبير الاقتصادي (مقدام الشيباني) الى تلك الأسباب الثلاثة كعوامل أساسية في تصدر المثنى المحافظات الأكثر فقراً، حين يقول إن “المثنى هي المحافظة الأقل عدداً للسكان، والثانية من حيث المساحة بعد الأنبار، وأن الموازنة تعد بحسب النسب السكانية، فيما المساحات الشاسعة تحتاج الى تخصيصات طرق ومشاريع إروائية وشبكات كهرباء مضافة.” الشيباني أضاف “خلال العامين الماضيين تنبهت الحكومة الاتحادية ودفعت بتخصيصات لمعالجة هذا البون الاقتصادي والخدمي الكبير.”
خطة الإنعاش الاقتصادي
في مواجهة الخدمات المتعثرة، ووجود واحد وعشرين ألف وحدة سكنية في مناطق عشوائية، ونقص في فرص العمل، وتوقف للمشاريع الزراعية بسبب شحة المياه، كان لابد من خطة إنعاش عاجلة. يقول مدير التخطيط في المثنى المهندس (قابل حمود) إن “البرنامج ابتدأ بتشكيل فريق الجهد الخدمي الحكومي، الذي باشر العمل في أربعة أحياء من بين الأكثر احتياجاً للخدمات، فيما جرت عمليات تسريع مشاريع الخطة الاستثمارية للحكومة المحلية، وتشكيل لجان من الحكومة الاتحادية لتحريك ملف المشاريع المتلكئة، خطوات رافقها تحسن وانتظام في توزيع السلة الغذائية، وتلك الإضافية المخصصة للمشمولين ببرنامج الرعاية الاجتماعية.” حمود أضاف في حديثه لـ (الشبكة) إن “تنشيط القطاع الخاص وإشراكه في خطط التنمية، ومنح القروض للعاطلين، وزيادة التعيينات الحكومية، مع تحقيق نتائج ملموسة في ملف مكافحة الفساد، شكل حجر الزاوية لتعديل نسب الفقر، إذ شهد العام الماضي تحسناً في النشاط الاقتصادي أسفر عن توفير الآلاف من فرص العمل للخريجين والعاطلين، كما أن التحسن في القطاعات الخدمية والإنتاجية الزراعية والصناعية والاستثمارية، سينعكس على نتائج هذا المسح، إذ نتوقع انخفاض معدلات الفقر في محافظة المثنى.”
الاستثمار كان الحل
المثنى بما تمتلكه من طبيعة ملائمة واستقرار أمني واجتماعي، ووجود مخزونات كبيرة من المواد الخام والمياه الجوفية وأراض شاسعة، تحولت في أعوام قليلة الى بيئة جاذبة للاستثمارات. يقول مدير الاستثمار المهندس (عادل الياسري) إن “الخطة سعت لتحويل المحافظة الى بيئة استثمارية صناعية وزراعية في ذات الوقت، إذ جرى العمل وفقاً لنظام النافذة الواحدة الذي شجع المستثمرين على بناء المشاريع العملاقة والكبيرة في صناعة السمنت والصناعات التحويلية والغذائية والبلاستيكية.” الياسري أضاف في حديث لـ (الشبكة) إن “120مشروعاً صناعياً دخلت حيز العمل والإنتاج الفعلي، من بينها ستة معامل للسمنت تنتج عشرين ألف طن يومياً، وهو ما يجعل المثنى عاصمة صناعة السمنت العراقية، فيما يتواصل العمل في أربعين مجمعاً سكنياً وبواقع عشرين ألف وحدة سكنية، كما أن التسهيلات الممنوحة من قبل الحكومتين الاتحادية والمحلية سرّعت كثيراً في خطوات الإنجاز ليصل مجموع المشاريع الى 400 مشروع استثماري، برأس مال تجاوز الـ 13 مليار دولار.”
البادية الجنوبية ومشاريع الاستدامة
يتمثّل تنشيط النشاط الزراعي، الذي تلكأ بسبب الشحة المائية، بالإجراء الحكومي الخاص بإعادة منح إجازات حفر الآبار في البادية الجنوبية، بشرط الاعتماد على طرق الري الحديثة عبر المرشّات أو شبكات التنقيط. الخطوة وصفها مدير الاستثمار المهندس عادل الياسري بالحيوية التي عبرَت بملف الاستثمار الزراعي ومشاريع تربية الحيوانات والدواجن الى مرحلة متقدمة، ناهيك عن أهمية المياه للمشاريع الصناعية. متوقعاً أن تأخذ هذه المشاريع مداها في إيقاف التصحر وتحسين البيئة وتلبية احتياجات الأمن الغذائي وتشغيل العاطلين. الياسري أكد أن ثمانين ألف فرصة عمل، مباشرة وغير مباشرة، توفرت ضمن المشاريع الاستثمارية.
أرقام وواقع خدمات وبنى تحتية بدأت بالتعافي، نقلت المثنى من المحافظة الأكثر فقراً الى الأولى في مجال الاستثمار، كما وصفها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني. فيما الجميع بانتظار نتائج المسح الذي تجريه وزارة التخطيط، لكنها نتائج لن تقول الجديد في ظل المشاهدات العينية لحركة القطاعات الاقتصادية في المثنى، في ظل إرادة شعبية تريد لها أن تكون ضمن ركب صدارة المدن المتحضرة.