من “الخلدونية” إلى “قراءتي” التلاميذ هم الخاسر الأكبر

609

علي غني /

سألت والدة الطفلة وسن ابنتها عن حروف كلمة (دور)، عرفت الكلمة، لكنها لم تتمكن من تهجي حروفها، صرخت والدتها في وجهها، فأجهشت بالبكاء، فالأطفال، ولاسيما في الأول الابتدائي في مدارسنا، يعرفون الكلمة كمقطع، لكنهم لايميزونها كحروف.
في سبعينيات القرن الفائت، كان بإمكان تلاميذ الصف الثالث الابتدائي قراءة أجزاء عديدة من الصحف دون صعوبة تذكر، لأنهم درسوا الخلدونية فقط، فتمكنوا من القراءة والكتابة الصحيحتين، لكن في السنوات الأخيرة مزج واضعو المنهاج بين الخلدونية والتوليفية (ريم وحسن)، حتى استقر الأمر على (قراءتي )، فاختل التوازن، وفقدوا البوصلة، والنتيجة هي القراءة العرجاء والكتابة مثلها.
العديد من العائلات العراقية تسأل، في كل عام دراسي: لماذا؟ هل العيب في الخلدونية أم في (ريم وحسن) التي ألغيت ، أم في (قراءتي) ؟ ونحن أول من علّم العالم الكتابة والقراءة، ما الأسباب؟ وما المعالجة؟
“الشبكة” التقت عدداً من المختصين لفهم المشكلة وأبعادها.
وسائل الإيضاح
تؤكد المعلمة، يسرى شنشول موسى، معلمة الصف الأول في مدرسة (ابن ماجد الابتدائية) أن التعليم في الصف الأول الابتدائي في العراق، يستوجب الاستعانة بمجموعة من وسائل الإيضاح، واستخدامها في كل حصة دراسية، لأنها أسهل طريق إلى قلوب وعقول الأطفال، إذ أن ابتعاد الأطفال عن الروضة، بسبب الجائحة، أنتج لنا جيلاً ضعيفاً في القراءة والكتابة، ناهيك عن سوء الخط الذي مردّه عدم تفعيل كراسة الخط، وتلك (كارثة)، بحسب ما تقول الست يسرى!
من جهتها، بينت معلمة الصف الأول الابتدائي في مدرسة الابتهال الابتدائية انتظار محمد، وهي معلمة أمضت أكثر من ثلاثين عاماً في عملها، أن القراءة المعتمدة في التعليم في العراق هي(قراءتي)، وهي (صوتية-مقطعية)، وهذه الطريقة تعطي التلميذ المقطع والصوت، إذ نعطيه اسم الحرف ثم لفظه، وهذه القراءة وجد أصحاب الاختصاص أنها الأصلح في التعليم، إذ أن الخلدونية تعلم صوت الحرف، لكنها لاتصلح لكل المستويات، أما (ريم وحسن) فإنها تصلح لكبار السن، أي تلاميذ التعليم المسرَّع، كذلك اليافعين، لأن عقولهم تدرك الكلمة على نحو أوسع.
وتشير الست انتظار إلى أن بعض التلاميذ الذين لا يحسنون القراءة والكتابة، فإن السبب لا يعود إلى نوع القراءة، وإنما إلى عدم وجود متابعة من الأهل، وعدم جديتهم بتحفيظ أبنائهم.
فيما أكدت زميلتها معلمة الصف الأول الابتدائي، جنان، أن الصف الأول يحتاج إلى تعاون البيت والمدرسة، والتناغم في التدريس بين الجانبين، أي أن تكون طريقة التعلم في البيت تشبه تماماً طريقة التعلم في المدرسة، لكي لا يشعر التلميذ الصغير بالصعوبة، كما أن وسائل الإيضاح، كما قالت زميلتي (الست يسرى)، ضرورية، فبدونها تكون طريقة التعليم في الصف الأول الابتدائي عرجاء، وأرى أننا باستخدام الطريقتين: الخلدونية والتوليفية بطريقة إبداعية يمكن أن نتغلب على غالبية صعوبات التعلم في الصف الأول الابتدائي.
الضوابط الصحيحة لاختيار معلم الصف الأول ضمن المعايير العالمية التي وضعت لإعداد معلم الصف الأول الابتدائي.
تضيف: أزيدك معلومة، أن معلم الصف الأول يختلف عن بقية المعلمين ضمن المدرسة الابتدائية في العالم (كله) بطريقة الإعداد، ومن الناحية الاقتصادية (الراتب)، إذ أن راتبه أعلى، وأناقته أجمل، وصوته متميز، كذلك يفضل أن تكون معلمة الصف الأول غير متزوجة، ضمن المواصفات البريطانية، لكي تخصص كل اهتمامها إلى التلاميذ.
نبدأ بالطفل
ولكي نضمن مجتمعاً عراقياً سليماً ( والكلام للدكتورة شيماء)، علينا أن نبدأ بالطفل، ونعد له المعلمين من أصحاب المواصفات العالمية، كذلك يجب أن نهتم بالبيئة المدرسية، فنبدأ من طريقة جلوسهم، فالجلوس الحالي هو نفس جلوس طلبة الجامعات لتلقي المحاضرات، في حين يجب أن يكون جلوس تلاميذ الصف الأول الابتدائي على شكل حلقات، وعلى كراسي ملونة، ويكون انتقاء الكرسي ولونه من قبل الطفل نفسه، لأن اللون سينعكس على شخصيته، وأن يكون الصف الأول مميزاً بألوان زاهية وبشخصيات كارتونية محببة للطفل، وأن لا يتجاوز عدد تلاميذ الصف أكثر من (١٥-٢٠) تلميذاً .
وتابعت : أنا أرى أن القراءة الخلدونية كافية لتعلم الطفل القراءة والكتابة، وممكن أن ندخل لغات أخرى للصف الأول الابتدائي، كما هو حاصل في المدارس الأهلية والحكومية،
كما أن القراءة الخلدونية أظهرت العديد من الكتّاب العباقرة في العراق، حتى وإن لم يتموا المراحل الدراسية اللاحقة، لأن أساسهم في المراحل الأولى من التعليم متقن وفعال.
ولابد من أن أنوّه إلى التأليف المتقن للمناهج الدراسية وإعدادها بما يلائم تطور مناهج الصفوف الأولى في العالم، وفسح المجال لتلاميذ هذا الصف (الاول الابتدائي) للتعبير عن آرائهم وأفكارهم بالاستناد إلى ستراتيجيات متعددة للتعلم، وعلى المعلم أن ينفذها كستراتيجيتي العصف الذهني والتعلم النشط، وغيرها من الستراتيجيات الحديثة التي تؤكد عليها النظريات النفسية والتربوية.

كراسة الخط
وعزا الدكتور سعد علي زاير، أستاذ العلوم التربوية والنفسية في كلية التربية – ابن رشد – جامعة بغداد، رداءة الخط ، ولاسيما لدى تلاميذ الصفوف الابتدائية (الاول،الثاني،الثالث)، إلى إلغاء كراسة الخط المقررة منذ عام (١٩٨٨)، فضلا عن إلغاء حصة (الرسم والخط) التي كانت مرادفة لمادة التربية الفنية، لذا فإن هذا الامر أثر على المعلمين أيضاً، فمعظم المعلمين يتميزون بضعف الخط، إلى جانب خلو برنامج إعداد معلمي اللغة العربية من مادة الخط.
وتابع (زاير): يمكنني أن أضيف أسباباً أخرى، منها ضعف التشجيع على المطالعة الحرة، ووجود الهاتف النقال، والآيباد، والقنوات الفضائية، التي أبعدت طالب الابتدائية عن القراءة، كما أن شبكة الإنترنت أتاحت للجميع الحصول على المعلومة مختصرة من دون أطالة.

تعليم الحروف
ومن خلال الدراسات، بين الدكتور حسين سالم، معاون مدير مركز البحوث والدراسات في وزارة التربية، أن القراءة الخلدونية تركز على التهجي، لكنها تغفل المعنى وقلة فهم التلميذ، وضعف الترابط، لكنها تساعد في إجادة الكتابة، وتعليم الحروف بأصواتها دون الكلام، لكن مساوئها أنها لا تعلم الطلاقة في الكلام، في حين أن الطريقة المقطعية- الصوتية (التوليفية)، تعطي لباقة في الكلام.
كلمة أخيرة
أعتمدت مدارسنا -لسنوات طوال- على القراءة الخلدونية، بعدها اعتمدت قراءة (ريم وحسن)، والآن اعتمدت (قراءتي)، ومازال هنالك من يشكو ضعف القراءة والكتابة لدى التلاميذ في الابتدائية والطلبة في المتوسطة، لذا فإن على الباحثين التوصل إلى حل حقيقي وثابت لهذه المشكلة، مع الأخذ بآراء أصحاب الاختصاص من الذين التقيناهم، بدلاً من التنقل من قراءة إلى أخرى، وبالتأكيد فإن الذكاء العراقي سيحسم المشكلة التي باتت تؤرق الأسر العراقية.