من الناصرية إلى البادية الجنوبية.. فلكيّون يطاردون النجوم والنيازك

483

يوسف المحسن/

مثل صياد ماهر، وبصبر حاملي السنارات عند ضفاف الأنهر، يتعقب هواة الفلك حركة النجوم والكواكب والمذنبات وزخات الشهب والنيازك. هواية ليست علمية، لكنها تقدم خدمة للعلماء، المحظوظ فيها من ينجح في رصد والتقاط صورة للمناظر الفلكية وللعناقيد النجمية والسدم والمجرات.
هواية آخر الليل، أو ساعات الظلمة الحالكة، هي التشبيه الأكثر قرباً لوصف العمل الذي يقوم به راصدو النجوم، إذ يبحثون عن الأماكن الخالية مما يسمونه التلوث الضوئي، فهو العائق الأول الذي يمنعهم من رصدٍ دقيقٍ لما يبحثون عنه، إنهم اعضاء (نادي هواة الفلك) الذين حطوا رحالهم في البادية الجنوبية، حاملين معهم معدات الرصد والتلسكوبات والنظارات المُقرِبة والكاميرات.
يقول مرتضى علي، رئيس الفريق المكون من عشرة أشخاص، إن “التجمع هو السابع الذي ننظمه بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة ودائرة الرعاية العلمية فيها.” علي أضاف -في حديث لـ”الشبكة”: “نحن هواة الفلك، دائماً ننظم تجمعات لرصد النجوم والكواكب والأجرام السماوية، نختار مكاناً بعيداً عن التلوث الضوئي، بالأحرى بعيداً عن المدن، فالضوء عدو هواة الفلك لأنه يحجب السماء ويصنع طبقة عازلة لا تسمح برؤية النجوم، واختيار البادية الجنوبية لم يأت من فراغ لأن في فضائها من الصفاء والنقاء ما يمنحنا فرصة الرصد ومتابعة حركة النجوم والكواكب والكويكبات.” يضيف رئيس نادي هواة الفلك، الذي بدا سعيداً بما وجده من عناقيد مضيئة معلقة في السماء “نحن هواة جمعنا الشغف باكتشاف ومتابعة ورصد حركة الأجسام اللامعة في الفضاء.”
مخيّم صحراوي
العين المجردة هي التي استعان بها الإنسان في رصد حركة النجوم والأجرام السماوية في الفضاء، كان ذلك قبل صناعة التلسكوبات والمقارب الفلكية المتطورة، التي باتت اليوم في متناول الهواة، فالراصدون الأوائل تعرفوا على النجوم والأجرام السماوية وقسموها الى مجاميع نجمية، ساعدهم في ذلك السكن في مناطق ريفية مفتوحة بلا ملوثات هواء، في وقت كانوا فيه يستخدمون وسائل الإنارة البسيطة مثل مواقد النار والشموع والمشاعل التي لا تشكل تلوثاً ضوئياً معرقلاً لعمليات الرصد.
تقول عضوة نادي هواة الفلك رحاب السعدي، إن “السماء في البادية الجنوبية صافية وخالية من الغيوم في هذا الوقت من السنة، وهي مكان مثالي لعمليات الرصد.” السعدي، الحاصلة على شهادة الماجستير في هندسة الحاسبات والاتصالات أضافت “الفريق مكوّن من هواة، قدموا من مدن عدة وتحت خيمة فضاء واسع وأجواء صافية، يقومون بعمليات رصد دقيقة للنجوم والكواكب، والشيء الذي يضيف لنا الجودة التي نسعى وراءها هو وجود أساتذة متخصصين يقدمون النصح والتوجيه في ما يرتبط بالخرائط الفلكية والاحداثيات وتوقع مسارات الأجرام.”
العراقيون القدماء وعلم الفلك
“كان البابليون القدماء أوائل من نجحوا في إعطاء وصف رياضي دقيق للظواهر الفلكية، فقد اجترحوا مساراً تجريبياً مطوراً لعلم الفلك من خلال تسجيل فلسفاتهم ومعتقداتهم التي تتعامل مع الطبيعة المثالية وفق النظام التنبؤي الكوكبي، وهو ما يطلق عليه العلماء اليوم (الثورة العلمية الأولى) التي شكلت أساساً ومنطلقاً لعلم الفلك في اليونان القديمة، وما يحسب للجهود السومرية أنها طورت علم التنجيم الذي أثر في الثقافة البابلية، حيث جرى تسجيل مشاهدات يومية للقمر والكواكب، علاوة على تقسيم المجاميع النجمية إلى نجوم الإمبراطورية الأكدية ونجوم الإله أمورّو ونجوم بلاد عيلام، فيما يعود أقدم رقيم طيني احتوى على إشارات لعلم الفلك الى عام 1646ق.م ، وهي حقائق أكدت السبقين السومري والبابلي في هذا الميدان.”
يضيف الراصد محمد طالب، وهو من العاصمة بغداد سبقت له الدراسة في قسم علوم الفلك والفضاء بجامعة بغداد، إن “الدراسة لا غنى عنها بعد التطور الذي شهدته هذه الهواية الموغلة في القدم، التي برع فيها العراقيون عبر التاريخ.” مشيراً الى أهمية أن تحظى النوادي العلمية وفرق الرصد الفلكي بدعم حكومي تقني ومالي من أجل الوصول الى أفضل النتائج ودراسة الخارطة الفلكية في عالمنا اليوم.
الناصرية.. بوابة النجوم
إن اهتمام الراصدين وهواة الفضاء ليس ليلياً فحسب، إنما لهم اهتمامهم بالبقع الشمسية وحالات كسوف الشمس. يقول الراصد علي أحمد، وهو من مدينة الناصرية، إن “الولع بالعناقيد الضوئية في الفضاء رافقني منذ الصغر، إذ أنني تابعت جمال النجوم وروعة بريقها في السماء وبشكل خاص في الليالي الصافية، وما إن قرأت عن نادي هواة الفلك حتى انضممت اليه وشاركت في مخيمات الرصد التي أقامها النادي.” أحمد أضاف لـ “الشبكة”: “شرعنا بالعمل وممارسة هوايتنا وشكلنا فريقاً في مدينة الناصرية أطلقنا عليه (بوابة النجوم)، حيث يوجد اليوم أكثر من عشرين من هواة رصد النجوم والفلك، وكل شاب له كوكب معين يرصده.” يضيف ضاحكاً “أنا أعشق كوكب الزهرة.”
يتفق أعضاء نادي هواة الفلك على مجموعة من الخطوات التي لابد للراصد من أن يستعين بها لتحقيق أفضل النتائج، وأفضل ما يحصلون عليه هو المتعة، إذ يقولون إنها هواية لا تصلح إلا للمتعة، مؤكدين أهمية القراءة لامتلاك برنامج فلكي على الحاسوب، فهو يساعد في فهم الظواهر الفلكية ومتابعة الخرائط والأحداث السماوية بما يعزز خبرة ومعرفة الهاوي بالحيز الفضائي، وكلما تعرف على كويكب أو جرم سماوي جديد، ازدادت الخبرة، ومعها المتعة في المراقبة والرصد والتقاط الصور، كل ذلك يحتاج الى صبر وطول أناة تعادل صبر حاملي السنارات عند ضفاف الأنهر، فليس من السهل أن تطارد نجماً في السماء!