“ناي”.. مقهىً عراقيّ يقدم التراث و”الجاي المهيّل” على طبق من البهجة

1٬179

إيفان حكمت /

في شارع (استقلال) المتفرع من ساحة (تقسيم) وسط مدينة إسطنبول العريقة.. يفوح عطر عراقي يكاد يلامس أرواح المارّة من على بعد أمتار، إنه (ناي)، المقهى البغدادي الذي أسسه الفنان بلال الكبيسي، ليمزج بين حضارتين وحاضرتين، تشاء الأقدار ألا تفترقا..
علامة فارقة
مقهى ناي، بات على مقربة من تحوله إلى إحدى العلامات الفارقة في الشارع العريق، حيث لا يكاد عراقي أو عربي يمر من هذا الشارع، إلا وقد خصص لنفسه ولعائلته دقائق في هذا المقهى، ليحتسي الشاي “المهيّل”، أو ليأكل “لفّة فلافل” بغدادية بالصمون الحجري، وهي أبرز العوامل الغائبة عن مدينة إسطنبول، المعروفة بشايها الغامق ذي المذاق الذي يقترب من المرارة.
الشاي أو الفلافل، ليسا الحكاية الوحيدة أو الأهم في مقهى ناي، فصوت بلال وهو يصدح بالتراث العراقي في المقهى، هو الحكاية الأهم.
ما يميز شارع استقلال هو العازفين المتجولين من مختلف دول العالم والثقافات، إذ لا تكاد تمشي خمسين متراً في الشارع الذي يمتد على طول ألف وأربعمئة متر تقريباً، حتى تسمع بين جنبيه عازفين ومغنين وفرقاً، باتت تجد على أرائك مقهى ناي مستراحاً لها على المستويين الجسدي والذوقي، فما أن يصل عازف إلى المقهى، حتى تصيبه لوثة بلال الكبيسي وهو يغني (فوك النخل) أو (الليلة حلوة) ليخرج آلته الموسيقية من حقيبتها، ويغدو مرافقاً لصوت بلال، وسط دهشة ومتعة الجالسين والمارة.
بلال الكبيسي يقول في حديثه لمجلة “الشبكة” إن “مراحل افتتاح مقهى الشاي العراقي والنارجيلة في شارع استقلال لم تكن بالمهمة السهلة لعدة أسباب، منها وفرة المعروض وجودته وأسعاره المناسبة تلك التي تقدمها المقاهي التركية العريقة، إضافة إلى الأجواء التركية التي جمعت التراث بالمدنية، لذلك كنت أبحث عن التفرّد وجودة ما يتم تقديمه فكانت فكرة افتتاح مقهى (ناي) ليكون مقصداً للعرب والعراقيين على وجه الخصوص للتوقف قليلاٌ ورشف (استكان الجاي) العراقي المهيّل مع لفّة فلافل او كاسة اللبلبي على أنغام التراث العراقي بعد ساعات التسوق التي يقضيها السائح في المدينة.”
يبتسم بلال (أبو نوّارة) وهو يتحدث عن مقهاه الذي استغرق شهرين من العمل اليومي وبمعدل ١٢ ساعة يومياً ليكون محطة استراحة صباحية او مسائية للسائحين، فكان الافتتاح ليلة رأس السنة الميلادية للعام الفائت ٢٠١٨، “وخلال فترة بسيطة تمكنّا من كسب زبائن عديدين أصبحوا يترددون على المقهى متعطشين لـ(الجاي) والدارسين والنومي بصرة المستوردة من العراق حصراً ، إضافة للنغم الأصيل.”
القدود الحلبية
أحد عازفي العود الجوالين في شارع إستقلال مهند الأسعد، والذي حدثناه بعد أن فرغ مع بلال من بعض التواشيح والقدود الحلبية يقول، في حديثه “للشبكة”، إن “بلال صوت مثقف ومهم جداً، وعفويته الممزوجة بإحساس وخبرة عاليتين، تدفعني في كل مرة الى المجيء الى المقهى ومرافقته على آلتي الموسيقية في الغناء”..
ويضيف الأسعد أن “ناي يسمح للحضور ولنا كعازفين، أن نتمتع بالموسيقى بشكل مستمر وبدون مداخلات وتوقفات، إذ نشتعرض في الشارع أحياناً الى بعض المضايقات، او التدافع نتيجة الزحام الكبير، وهو ما يعني قطع ما نعزفه، بالإضافة الى الضجيج الكبير، كما أن المار في الشارع لا يستطيع التوقف لربع ساعة مثلاً وهو يسمع إحدى الأغاني التراثية، لذلك تجده يمضي قدماً ولكن في داخله رغبة بسماع المزيد، اما في ناي، فالوضع مختلف، الأجواء حميمية، وقد تمر الساعات على الجميع دون أن ندرك الوقت”..
الصحفي العراقي رامي محمد يلفت، في حديثه “للشبكة”، أن “مقهى ناي تجربة جميلة وفريدة في تركيا تحديداً، فالقدوم الى مقهى ناي لا يحتاج إلى أي تكلف، وبلال شخصية تمتاز بترحابها وكرمها العراقي المعروف، والمقهى يتحول شيئاً فشيئاً الى ملتقى للإعلاميين والفنانين والمثقفين العرب المتواجدين في إسطنبول، إضافة إلى المارة الذين يزيدون من بهجة المكان ألقاً وحباً.”
ملتقى عربي
وتوضح السائحة العراقية آمال المحسن “للشبكة” أن “التواجد في مقهى ناي تجربة لطيفة تهوّن من أزمة اللغة والأماكن، إذ من المعروف أن السائحين عادة ما يتعرضون للنصب في بعض البضائع التي يتسوقونها، ولكن حين التقيت بمجموعة من العرب والعراقيين على وجه الخصوص المقيمين في تركيا داخل المقهى، نصحوني ببعض المحال والأسواق وحتى المناطق السياحية التي عليّ زيارتها، وبالفعل وفّروا علي الكثير من الجهد والمال، بالإضافة الى ان المقهى أقرب ما يكون الى ملتقى، حيث نطلع بها على تجارب وثقافات الآخرين من مختلف الجنسيات، وأعتقد ان هذا هو المغزى الحقيقي من السياحة.”