نحو 65 مليار دينار معدل الإنفاق عليها الطلبة يستبدلون الكتب المدرسية بالملازم

160

بغداد / علي غني/
غالبية الطلبة، إن لم يكن جميعهم، يمتلكون ملازم مدرسية لأحد أساتذة التدريس الخصوصي، التي تبنت طباعتها المكاتب المعروفة بطباعة الملازم بأحدث المكائن الحديثة، وجرى تصميمها وتبويبها بألوان زاهية تكاد تتغلب في بعض الأحايين على طباعة الكتب المنهجية، وسوق السراي شاهد على ترويج هذه الملازم التي تطبع الملايين منها في العاصمة بغداد والمحافظات، من دون أن يكلف مسؤول تربوي نفسه أن يطلع عليها ويكشف أسباب هذا الإقبال الواسع عليها من قبل الطلبة، ويحل لغزعدم محاسبة المدرسين الذين تولوا إعداد هذه الملازم، ولاسيما المستمرين بالخدمة منهم.
طباعة انيقة
تقول الست ميسون بدوي، مدرسة مادة الأحياء في مدرسة متميزات الكرخ الثانية: “يعود إقبال الطالبات والطلاب على هذه الملازم لأنها تمتاز بطباعتها الأنيقة، وتؤكد على المعلومات المهمة في الكتاب، فضلاً عن أن الرسوم فيها واضحة، فقد اضطررنا -كمدرسين- أن نوضحها للطالبات عن طريق ملازم المدرسين المشهورين بالتدريس الخصوصي.”
تابعت (الست ميسون): “لكن لا ينبغي لهذه الملازم أن تكون بديلاً عن الكتاب المدرسي، لأنه المرجع الأساسي للطالب، سواء أكان الطالب او الطالبة في مدرسة متميزين أم مدرسة عادية، لأننا شخصنا في الملازم الموجودة بالأسواق حالياً العديد من الأخطاء العلمية.” فيما بينت مديرة متميزات الكرخ الثانية الست آمنة قاسم، أن “بعض الطلبة يفضلون الأجوبة الجاهزة بسبب أن بعض المدرسين -وهذه حقيقة قد تغيب عن الكثير – لا يعطي للمادة حقها في الصف، وهذا الأمر لمسته من خلال أبناء وبنات زميلاتي المدرسات، وكيف تتعامل المدرسة مع المادة العلمية.”
وأضافت أن “الملازم المدرسية إضافة الى وضوح الطباعة والألوان البراقة وطريقة الإخراج فيها، فهي تحتوي على عبارات تحفيزية وأسئلة اثرائية مع حلولها. لكن مع وجود كل هذه المغريات فانأ أفضل الكتاب المدرسي، ولاسيما للمراحل المنتهية، لأن واضع الأسئلة الوزارية يستند الى المنهج المقرر.”
ما الحل إذن؟ تجيب مديرة متميزات الكرخ الثانية: “يجب إعطاء مساحة أكبر للمدرسين في المدارس للتعامل مع طلبتهم بشأن طبع الملخصات المفيدة التي تدعم معلومات الكتاب بنحو منظم وجذاب.”
جوانب نفسية
فيما فسرت المرشدة التربوية الست نشوان أكرم (لديها خدمة 34 سنة في مجال الإرشاد) جوانب نفسية تدفع الطالب الى اقتناء هذه الملازم، منها “الاطمئنان النفسي بوجود الجواب المطلوب، وبهذه الطريقة فهو يختصر الوقت، لكن لو يفهم الطالب أن هذه الملازم ستشكل عبئاً نفسياً ومادياً على العائلة، لأنه يجبرها على شراء أكثر من ملزمة لمدرسين مختلفين.”
وتابعت أن “الاتكالية التي يعيشها بعض الطلبة تدفعهم الى الاعتماد على الملزمة أكثر من الكتاب، ولاسيما أن هناك اسماء من المدرسين المشهورين بالتدريس الخصوصي، فيشعر بالرضا عن نفسه بوجود هذه الملازم لأنه يعتقد أنه سيحصل على درجة عالية.”
نجاح ضعيف
من جانبه، رفض المدرس مرتضى عبد الهادي جبار (مدرس الكيمياء في متوسطة زين العابدين) اعتماد الطلبة على الملازم، او حتى تشجيع الآخرين على اقتنائها، لأن العديد منهم قد حصل على درجات نجاح ضعيفة، بل إن بعضهم رسبوا في المادة التي قرأوها بوساطة الملزمة، لأن الأسئلة الوزارية تأتي حصراً من الكتاب المقرر.
يقول مدير (ثانوية الألق للمتفوقين) الأستاذ سلام محمود السوداني إن “صعوبة الكتب المنهجية المقررة تدفع الطالب الى اقتناء الملازم، فضلا عن أناقة الطبع التي تمتاز بألوانها البراقة.” أضاف السوداني: “ربما يكون السبب الحقيقي هو ضعف التدريس في المدارس الحكومية وكثرة عدد الطلبة في الصفوف، ما يدفعهم الى استخدام الملازم لوجود الشرح المختصر والمفيد للمادة.”
مليارات الدنانير
دخلت الى سوق السراي، لأجد العشرات من بائعي الملازم المدرسية وهم يعرضون بضاعتهم للطلبة وأولياء أمورهم، بطباعة أنيقة وأسماء لامعة من المدرسين الذين يمارسون التدريس الخصوصي، فسألت أحدهم (الذي رفض ذكر اسمه) “كم ملزمة تبيعون يومياً؟” فلم يفصح عن العدد الحقيقي، لكن المؤكد أن المبيعات عالية، واكثرها رواجاً تلك التي تخص الصفوف المنتهية السادس العلمي والأدبي، والثالث المتوسط، ثم المراحل الأخرى وبأسعار تبدأ من خمسة آلاف دينار فصاعداً.
استعنت بوزارة التخطيط لاطلع على اعداد الطلبة والتلاميذ بالعراق ،فما كان من الاستاذ حسام الامير الاعلامي في الجهاز المركزي للاحصاء الذي زودني باحصائية عدد الطلبة لعام واحد هو(20/21)،فتبين ان عدد الطلبة في التعليم المهني (108155)،وعدد الطلبة في التعليم الثانوي (3612281)، وعدد التلاميذ في التعليم الابتدائي (6454872)،،ولو افترضنا ان كل طالب يقتني ملزمة واحدة ،فان عدد الملازم التي تباع في سوق السراي والمدن العراقية الاخرى عشرة ملايين ملزمة وفقاً لوكيل وزارة التربية الدكتور فلاح القيسي، بأن أعداد الطلبة لهذا العام (2022-2023)، الذي بلغ (13) مليون طالب، فإن أعداد الملازم التي يقتنيها الطلبة ستزداد، وقد تصل الى (13) مليون ملزمة، مضروبة بمعدل ملزمة واحدة لكل طالب، ومبلغها خمسة آلاف دينار، ما يساوي (65) مليار دينار عراقي.
الاحتماء بالملازم
وعزا الأستاذ المساعد وسام عبد الخضر الربيعي، مسؤول التفتيش في الكرخ الثانية، ظاهرة انتشار الملازم المدرسية إلى كونها وسيلة مهمة من وسائل الإيضاح، لأنها تحتفظ لنفسها بدور تلخيص المادة وتشذيبها من الزوائد.
وقال إن “العديد من الطلبة لا يكلفون أنفسهم بمتابعة المحاضرات والدروس اليومية، وعند ذلك يكونون مضطرين أن يلجأوا الى الاحتماء بالملازم الدراسية على حساب الكتاب المدرسي، على الرغم من أن هذه الملازم تشتمل على بعض الإيجابيات، منها تلخيص المادة وتجاوز صعوبة المنهج، إلا أنها تعاني أيضاً من وجود الأخطاء الإملائية والمطبعية واحتواء بعضها على أسئلة غير مطلوبة في المنهج، ما يؤدي إلى تشتيت أفكارهم.”
وتابع (الربيعي): “في السابق كان المدرس يحاول تلبية كل ما يحتاجه الطالب عبر التدريس الوافي والشامل للمادة والمنهج الدراسي المتكامل، أما الآن فالأمور تغيرت تماماً.”