
نظام المحاولات معلّق بين أمنيات الطلبة وقوانين الوزارة
بغداد / علي غني
كل الذين جاءوا من خارج العراق، ولاسيما من الدول المتقدمة في مجال التربية، كفنلندا أو غيرها، كنت أخوض معهم نقاشات عن طبيعة التعليم، وهل بإمكاننا أن نستفيد من تجاربهم في مجال التربية وتطبيقها على المدرسة العراقية. ولا أخفي عليكم إعجابي بنظام المحاولات الذي تطبقه دولة (فنلندا) داخل المدرسة، لتخلو مدارسهم من الرسوب، فهل سننجح إذا تم تطبيق (نظام التحميل أو المحاولات) في مدارسنا، وهل لدى العراق محاولة بهذه التجربة؟
لماذا المحاولات؟
الذي دفعني لكتابة هذا الموضوع تلك الإحصائية التي أطلعت عليها عن نسب الرسوب في الدراسة الابتدائية من وزارة التخطيط لعام دراسي فقط، زودني بها مدير إعلام هيأة الإحصاء ونظم المعلومات الجغرافية، الإعلامي حسام الأمير، بأن “عدد التلاميذ الراسبين في المدارس الابتدائية (الحكومية، الأهلية، الدينية) قد بلغ (801379) تلميذاً وتلميذة في العام الدراسي (2021 /2022)، نسبة الإناث منهم (40.5 %)، والذكور منهم (59.5 %)، فكيف بالمراحل الدراسية الأخرى؟، لذلك تساءلت مع نفسي “نحن نحتاج إلى افكار لتقليل الرسوب.”
فرصة أخرى
يقول الباحث التربوي الدكتور مهند الشاوي: “في بعض الدول التي تتصف بنظام تعليمي في غاية الاحترام لا يوجد (دور ثان!) بل هناك فرصة أخرى بأن يعيد الطالب الامتحانات بعد اسبوعين من النتائج، وليس بعد شهرين، وفي حالة فشله يعد راسباً في صفه.”
مضيفاً: “ما نحتاجه حقا ليس تكرار المحاولات، بل تكثيف المناهج وجعلها تعليمية وليست ببغاوية، بدل إطالتها وزرع الرعب في نفوس الطلبة.”
وتابع: “أما بالنسبة لنظام عدم الرسوب فيمكن تحقيقه بقوة وضرورة للمرحلة الابتدائية من (الأول لغاية السادس الابتدائي)، وأن تكون هذه المرحلة مرحلة تربية، فضلاً عن الجانب التعليمي، كي نضمن إنشاء أجيال لديها قيم الانتماء والمواطنة والأخلاق.”
نظام التحميل
لكن الدكتورة صبا حامد حسين، التدريسية في كلية التربية ابن رشد في جامعة بغداد، لها رأي آخر، فهي تقول: “من الممكن تطبيق نظام المحاولات على الصفوف المنتهية، وذلك حسبما كان معمولاً به للسنوات الماضية، وهو أن يعيد الطالب الامتحان فقط في المادة التي رسب فيها، وهذا أمر جيد أثبت نجاحه، لأنه من غير المعقول أن يعيد الطالب المواد جميعها إذا رسب بمادة واحدة أو مادتين.”
واستدركت قائلة: “أما بالنسبة للصفوف غير المنتهية، فهو لا يسمى نظام المحاولات، إنما نظام التحميل والعبور، وهذا ما معمول به في الجامعات، فمن الممكن إذا رسب الطالب بمادة او مادتين، أن ينتقل إلى المرحلة التالية ويبقى مطالباً بالمواد التي رسب فيها، لكنه قد يواجه مشكلة في كيفية حضور المواد المحمل بها لزخم الجدول اليومي في المدرسة.”
نهاية العالم!
وذهبت إيمان ياسين خضير، مديرة ثانوية الكرادة الأهلية للبنات، المشرفة التربوية سابقاً، بعيداً إلى التخلص نهائياً من كلمة رسوب في التعليم العراقي، لنواكب التعليم في الدول المتطورة، كون العراق خضع سنين عدة لنظام التعليم البريطاني.
تقول خضير: “أنا أقترح أن يكون نظام المحاولات للصفوف غير المنتهية من أجل ألا يتوقف الطالب في مرحلة واحدة سنتين، ولا ضير أن يحمل معه درساً أو درسين للمرحلة التالية، حتى لا يشعر أولاً بأي إحباط، فمجرد كلمة رسوب بالنسبة للطالب تعد نهاية العالم.”
أما المدرس المتقاعد نصير الشعرباف، فيرى أن نظام المحاولات، الذي نطلق عليه نحن أهل التربية اسم “نظام التحميل أو حتى نظام الكورسات، فهو معمول به في السنين السابقة، لكن لا أعرف لماذا ألغته وزارة التربية وعادت للنظام السنوي القديم.”
وتابع: “لابأس في تطبيق مقترح التحميل في المدرسة العراقية، شريطة أن نطور الضوابط والشروط ودراستها من جديد من قبل وزارة التربية، لضمان تعليم من دون رسوب، إلى جانب تحقيق الرصانة.”
ثورة تربوية
نظام المحاولات، أو ما يعرف بـ(التحميل)، هو نظام أقرته وزارة التربية منذ أكثر من ثلاث سنوات، ويتضمن السماح لطلبة السادس الإعدادي، ممن يرسبون في درس أو درسين، أن يعيدوا العام الدراسي في السنة التالية، لكن دون دوام، أو إعادة الامتحان بجميع المواد الدراسية، بل يتاح لهم الامتحان بمادة أو مادتين، اللتين رسب فيهما الطالب، مع الحفاظ على درجاته للمواد الأخرى التي نجح فيها في السنة الدراسية الماضية، لكن إذا عادت الوزارة وطبقته بنحو صحيح، باتجاه إلغاء الرسوب في المراحل الدراسية كافة (المنتهية وغير المنتهية) ربما سيؤدي هذا الإجراء إلى ثورة تربوية في جميع المحفظات العراق.