هكذا جرت مراسم تتويج فيصل الأول ملكاً على العراق

461

طارق حرب /

بعد تحديد يوم 23/٨/1921 السادسة صباحاً موعداً لحفل تتويج الملك فيصل الأول في قشلة بغداد، جرى توجيه الدعوات لحضور الحفل إلى كبار الشخصيات وفي مقدمتهم وزراء أول حكومة عراقية، وبينهم: ساسون حسقيل، ومصطفى الالوسي، وعبد اللطيف المنديل، ومهدي بحر العلوم، وعزت باشا الكركوكي، ومحمد علي فاضل، وجعفر العسكري.
كذلك وجهت الدعوة للوزراء بدون وزاره (وزراء دولة)، فضلاً عن الشيوخ: ضاري السعدون، وعبد الجبار الخياط، وعبد الغني كبة، وعبد المجيد الشاوي، وعبد الرحمن الحيدري، ومحمد الصيهود، والشيخ عجيل السمرمد، وأحمد الصانع، والشيخ سالم الخيون، والحاج نجم البلداوي، وداود اليوسفاني.
احتفال القشلة
وجاء اختيار مكان الاحتفال بتتويج الملك في القشلة الحالية لكونها مقراً للحكومة ووزارتها وتحيط بها الدوائر الحكومية، بما فيها سراي الحكومة، وتعتبر القشلة أهم بناء حكومي في بغداد في ذلك الوقت، إذ يعود بناؤها إلى سنة ١٨٥١ م من قبَل والي بغداد العثماني (نامق باشا)، الذي بناها بطبقة واحدة، وتولى والي بغداد العثماني (مدحت باشا) سنة ١٨٦٩م إكمال البناء بطبقتين.
ولكون القشلة بناية مفتوحة باتجاه نهر دجلة، ولكونها أوسع الأبنية الحكومية، فقد كانت تشهد المناسبات العظيمة في بغداد، منها قراءة فرمانات تعيين الولاة العثمانيين، حيث يدعى الناس لسماع ذلك.
شخصيات وشيوخ عشائر
وحرص منظمو الحفل على دعوة جميع الشخصيات البارزة، ولاسيما شيوخ العشائر، فقد وجهت الدعوات إلى: علي جودت الأيوبي، ونوري السعيد، وصبيح نشأت، وعبد المحسن شلاش، وأحمد الفخري، وصالح باش أعيان، وأمين باش أعيان، ويوسف غنيمة، وعبد الرحمن النعمة، وعبود الملاك، وياسين العامر، واباشي السعد، وسليمان غزالة، وداود الحيدري، وحبيب الطائي، وإسحق افرايم، ومرزه فرج، وفتاح بي محمد، وعزت عثمان باشا، وسعيد قادر، وتوفيق بي أحمد، والشيخ علي سليمان، والشيخ مطهر الحاج صب، ومحمد شمدين آغا، وأمجد العمري، والشيخ عجيل الياور، وفتح الله سرسم، ويحيى سماكة، والشيخ شواي الفهد، والشيخ محمد العريبي، وسلمان الحميد، والشيخ فالح الصيهود، والشيخ شبيب المزبان، وعبد الرحمن باشا الحيدري، وغيرهم.
رسالة..
وحدد يوم الثلاثاء الموافق 23/٨/1921 الذي صادف في التقويم الهجري يوم عيد الغدير ١٨ من شهر ذي الحجه عام ١٣٣٩ هـ باعتباره يوم عيد عند المكوِّن الشيعي في بغداد في رسالة للمكوِّن الأكبر أن الملك فيصل الأول ينحدر من ذرية الإمام علي بن أبي طالب (ع) وأن الاحتفال به يكون في نفس يوم الغدير بالنسبة للإمام علي، حتى أن إجراءات التتويج اكتملت من الناحيتين القانونية والإدارية، لكن الملك أجلها لحين موعد يوم الغدير.
استعدادات كبيرة
وجرت استعدادات كبيرة لهذا الحدث التاريخي، فقد تمت تهيئة منصة خشبية بارتفاع قرابة ٧٠ سم فرشت بالسجاد، كما جرت تهيئة كرسي العرش للملك ورصفت كراسي عدة للشخصيات العسكرية والمدنية ولمرافقي الملك، وخصص مكان للجمهور الذي سيحضر حفل التنصيب على شكل كراسي رصَّت على أرضية فرشت بالسجاد والبُسُط العراقية وزينت جدران القشلة بالأعلام العراقية وأقيم الاحتفال في فناء القشلة، أي في الحديقة الواسعة قرب برج ساعة القشلة.
المس بيل
كما حضر الضباط الإنكليز الحفل ببزاتهم العسكرية وخوذهم مع عائلاتهم، وكانت السكرتيرة الشرقية والشخصية الثانية في الإدارة الإنليزية ببغداد (المس بيل) حاضرة مع وفود قدمت من مدن العراق وإلى جانبها رؤساء الدوائر الحكومية والمستشارون الإنكليز، واصطف جمهور على شرفات مبنى القشلة لمشاهدة الحفل وجرى توزيع منشور على الحضور يتضمن برنامج الحفل، كما كانت هنالك مجاميع تردد الهتافات والشعارات الخاصة بالتتويج، فيما كانت هناك بيارق وأعلام رؤساء الوفود التي جاءت من العمارة والناصرية والموصل والسماوة وغيرها من المحافظات، كذلك بيارق رؤساء العشائر ورجال الدين منهم ال باش أعيان، وال السعدون، وال الياور، والسادة نور الياسري، وهادي الموطر، إذ أن هذه الوفود حضرت إلى بغداد قبل أيام، كما حضر عدد من المصورين والصحفيين لتغطية وقائع التتويج.
وتضمن بروتوكول الاحتفال اصطفاف مئتي جندي بريطاني على جانبي الطريق الذي سيسلكه الملك وهم يرتدون الزي العسكري، وكان اكثرهم من فرقة (بيركشاير) الملكية وجرت تهيئة جوق موسيقي لعزف نشيد (ليحم الله الملك).
تضارب أخبار
وقد حُددت الساعة السادسة صباحاً كموعد لبدء الحفل، وقيل إن سبب ذلك حرارة الجو، لكن مصادر أخرى أشارت إلى ذهاب الملك بعد إكمال الاحتفال لزيارة الإمام الكاظم لأداء صلاة الظهر، وحيث أن مسكن الملك كان على نهر دجله، أو ما يسمى دار المشيرية، قبل أن يجرفه النهر، فقد خرج الملك من مسكنه في السادسة بالضبط، كما أعلنت ساعة القشلة، يرافقه (السير بيرسي كوكس) المندوب السامي البريطاني وأعلى شخصية في الإدارة البريطانية ببغداد، ويرافقه أيضاً قائد الجيش البريطاني في العراق (الجنرال هالون)، يتبعهما السيد حسين أفنان، سكرتير مجلس الوزراء، واثنان من مرافقي الملك هما تحسين قدري وأمين الكسباني.
اتجه الموكب نحو المنصة على الأقدام في طريق فُرش بالسجاد. وكان الملك في يوم الاحتفال يرتدي بدلة عسكرية صيفية خاكية اللون مع الخوذة العسكرية الصيفية التي كان يرتديها الجيش حتى ١٩٥٨ ويحيط بالخوذة عقال مذهَّب وعلى صدره وسامان. وعند وصوله، جلس الملك على عرشه فيما جلس كوكس عن يمينه وهو يرتدي البدلة العسكرية الإنكليزيه البيضاء المغلقة عند الرقبة ووشاحاً يتجه من كتفه الأيمن إلى الخصر الأيسر معلقاً أوسمته على صدره. وجلس إلى شمال الملك الجنرال هالدين الذي ارتدى بدلة عسكرية خاكية وقميصاً وربطة عنق بيضاء و (چزمة) وقبعة عسكرية وفي يده عصا القيادة، والتف سير جلدي من كتفه باتجاه الخصر مع محفظة مسدس. وإلى شمال هذا الجنرال جلس السيد محمود النقيب نجل رئيس الوزراء ونقيب بغداد الذي لم يحضر بسبب حالته الصحية كما قيل.
وقد وصفت المس بيل الملك بعد جلوسه على العرش فقالت : كان الملك وقوراً، لكنه كان متوتراً جداً، وعندما كان ينظر في الصف الأول من الجلوس ووصل نظره إلي، رددت عليه بتحية صغيره لشد أزره وتشجيعه. وبعد جلوس الملك وجلوس الحاضرين بدأ الحفل، وقد تولى السير برسي كوكس، الشخصية الأولى في الإدارة الإنكليزية ببغداد تسليم حسين أفنان، سكرتير مجلس الوزراء، بياناً ليقرأه على الحضور فتولى القراءة بعد ذكر صفة كوكس وأوسمته قائلاً: لقد قرر مجلس الوزراء باتفاق الآراء وبناء على اقتراح سمو رئيس الوزراء المناداة بسمو الأمير فيصل ملكاً على العراق في جلسته المنعقدة في ٤ ذي القعدة ١٣٣٩ هـ الموافق 11/٧/1921 على أن تكون حكومة سموِّه حكومة دستوريه نيابية ديمقراطية مقيدة بالقانون. وبصفتي مندوباً سامياً لجلالة ملك بريطانيا رأيت أن أقف على رضا الشعب العراقي البات قبل موافقتي على ذلك القرار فأجري التصويت العام بموافقة مني، وأسفرت نتيجة التصويت عن أكثريه كلية ممثله لستة وتسعين بالمئة من مجموع المنتخبين المثقفين على المناداة بسمو الأمير فيصل ملكاً على العراق. وعليه أعلن أن سمو الأمير فيصل نجل جلالة الملك حسين قد انتخب ملكاً على العراق، وأن حكومة جلالة ملك بريطانيا قد اعترفت بجلالة الملك فيصل ملكاً على العراق. وختم بيرسي كوكس كلمته بعبارة: فليحيا الملك.
النشيد البريطاني
بعدها قام السيد محمود النقيب بقراءة الدعاء الخاص بالتتويج نيابة عن والده نقيب أشراف بغداد ورئيس الوزراء قائلاً: “بسم الله الرحمن الرحيم قل اللهم مالك الملك تؤتِ الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.. نحمدك اللهم حمداً يوافي نعمك.. اللهم نسألك بتوفيقاتك عبدك وابن عبدك.. واخترته ملكاً على الخطة العراقية.. وإذ بوَّأته سرير المملكة العراقية.. حضرة جلالة الملك فيصل الأول.” ثم رفع العلم العراقي على ركن من أركان العرش وعزف النشيد البريطاني لعدم وجود نشيد عراقي
خطاب الملك
بعدها وقف الملك فيصل متحدثاً بلغة عربية فصيحة وألقى خطاباً جاء فيه: “أتقدم إلى الشعب العراقي بالشكر الخالص على مبايعتي.” وبعد ذلك شكر بريطانيا على مشاركتها في الحرب العالمية الأولى وطلب التضامن للنهوض بالبلاد، وتعهد بإجراء الانتخابات وجمع المجلس التأسيسي، وأكد على حرية الأديان. واختتم كلمته بالتأكيد على الاتحاد والتعاضد. وبعد أن أنهى الملك فيصل الأول خطابه، أُطلقت المدافع بالاحتفال السعيد، ويلاحظ أن التتويج لم يستغرق طويلاً.