هل أحسنّا اختيارهم؟ موظفو الاستقبال.. واجهة المؤسسة ومرآتها
إياد السعيد /
مشهد مؤثر ومفرح، فهي المرة الأولى التي تقع عيني عليه في أجواء زخم المراجعين للدوائر التي تقدم الخدمة العامة للمواطنين، فقد تابعت مديح وشكر وقبلات أحد المراجعين من كبار السن لموظف الاستقبال في دائرة خدمية.
اقتربت من المراجع وسألته عن سبب هذا الإطراء الكبير، وكأنه أهداك شيئاً ثميناً، فقال ضاحكاً فرحاً: “هذا الشاب خالف القاعدة المشؤومة التي تقول (يطردونك من الاستعلامات)، فقد استقبلني بودّ وبشاشة، وأخذني من يدي ليتابع سير معاملتي بنفسه، وهذا ليس من واجبه، لكنه أثبت أنه موظف وإنسان ومتربي صح.”
الاستعلامات والاستقبالات
قادني هذا المشهد إلى التفكير بعمل تحقيق عن هذا الموضوع، وعن الاختلاف بين موظف وآخر ضمن المساحة المحددة لهذه المهمة، التي هي واجهة كل دائرة حكومية أو خاصة، بدءاً من فارق التسمية بين الاستعلامات والاستقبال.
فأجاب عن تساؤلنا خبير علم الإدارة سعدي القريشي: “إن الفرق ليس واسعاً بينهما، لأن المفردتين تُعنَيان بالتعامل مع الزبون والعميل والمراجع، إلا أن موظف الاستقبال يتميز عن موظف الاستعلامات في أن الأول له القدرة والصلاحية على حل أية مشكلة بين المؤسسة والزبون بكياسة ولياقة، أما الثاني فمهمته هي أن يكون دليلاً للزبون بتوجيهه نحو مراده.” أما مدرب فن التعامل مع العملاء، محمد المحلاوي، فيختصر ميزات موظف الاستقبال بالآتي: “على الرغم من أهمية مهارة التواصل الجيد عبر الهاتف أو الرسائل الإلكترونية، فإن التواصل وجهاً لوجه مع العملاء هو ما يميز موظف الاستقبال عن موظفي خدمة العملاء، فعندما يأتي أحد الزوار، زبوناً كان أو مقدم طلب أو زائراً أو مراجعاً إلى مساحة العمل أو الدائرة، فإن أول شخص سيقابله هو موظف الاستقبال، والانطباع الأول هو ما يدوم لاحقاً، لذلك فإن موظف الاستقبال المتميز لا غنى عنه.”
أفراد غير مؤهلين
يشكو رائد عبد العظيم، موظف استقبال في إحدى الدوائر الحكومية، من تعيين أفراد غير مؤهلين للعمل في الاستعلامات (كما وصفها) ويطالب: “يجب أن يجتاز الموظف في هذا المجال دورات تخصصية، لأن غالبية العاملين هنا معي جاءوا بعقوبة، وكأن الاستعلامات جزيرة للنفي، فتصور الموظف المعاقب وغير المنضبط يجلس هنا لاستقبال المراجعين! للأسف.”
أما زميله سعد، الذي كان يستمع إلى حديثنا فضحك وأكد: “نعم، هذا صحيح، فالأوامر الإدارية –دوماً- تنقل المخالف أو المعاقب إلى هنا، أو الى الآرشيف، وكأنه نفي إلى جزر الواق واق، لكن هذا لا يعني أنني ورائد من المعاقبين “.
بالفعل، كان أغلبنا وما يزال موظفاً، ولاحظنا هذه الظاهرة المتخلفة في إداراتنا، فموظف الاستقبال هو واجهة الدائرة ومرآتها التي تعكس ما في داخلها وأدائها، لذا يجب أن يكون اختيار عناصرها من أقدم موظفي الدائرة، ممن يتحلون بدبلوماسية ومرونة مميزتين، وليس التعامل البوليسي أو الأمني، فالأمن له عناصره.
في دائرة أخرى، دفعني الفضول إلى رجل أربعيني لم أستطع ان أحصل على اسمه لأنه كان متعكر المزاج، سألته عن سبب عصبيته فأجاب بما سأنقله بالدارج لتعذر المرادف بالفصحى: “هذا أبو الاستعلامات جكارته بيده، وذاك الثاني ديتريك ويحجي من ورا خشمه، سألته سؤال فأشر بإيده وكلي روح جوة، ولا عبالك بشر كباله!! يابه وين شمدليني؟ فكلي اذا متعرف وين تراجع لعد روح لبيتكم!! ما أعرف شكو مخليه، يدلينا لو يطرد بينا؟!” من جهتي همست له: “حجي روح اشتكي عليه يم المدير”.
عامر عبد المهدي، مقاول له ارتباطات ومراجعات مستمرة تكاد تكون يومية، وجدتُه خير من سيقارن بين موظفي القطاعين العام والخاص في هذه المساحة الصغيرة من الاحتكاك بين المراجع وموظف الاستعلامات، إذ قال : “الفرق شاسع وعميق التأثير في نفسيتي أنا شخصياً، فموظف القطاع الخاص، مثل الشركات والمصارف الخاصة وغيرها، يختلف جذرياً في التعامل عن زميله في قطاع الدولة، لذا تجد أن سلوك موظف الاستقبال في الأول متحضر ومتعاون ومرن جداً وملتزم، أما في الثاني فإنه الآمر الناهي، وعليك أن تطيعه في كل ما يأمرك به، وأن تجلس أمامه متمسكناً، أو تنافقه، لأجل الدخول مكرّماً، أو أنه يملي عليك شروطاً مع نظرة خازرة، وما عليك إلا أن تبتسم وتتقبلها وتشكره لأنه لم يمنعك من الدخول!! ”
فيما يقول حيدر الياسري: “عند زيارتك لبعض دوائر ومؤسسات الدولة، تواجهك وجوه عابسة، بالكاد يرد أصحابها التحية التي تلقى عليهم، في حين تسنت لي زيارة مؤسسات في دول مجاورة، حيث رأيت كيف يهتمون باختيار موظف الاستقبال الذي يشعرك بمحبته وأسلوبه الجميل في التعاون، وبأناقته ونظافته، أمور تمنحك إحساساً بالراحة وتقدير المؤسسة التي تدخلها، وطبيعي فإن العكس صحيح تماماً.”
نصائح ومقترحات
من جانبه، يوجه أستاذ العلاقات ومدرّب الإتيكيت، على سالم، نصائح لنجاح موظف الاستقبال في عمله منها:
ضرورة ارتداء الزي الرسمي، ما سيضفي عليك الهيبة والاحترام والمقبولية، والهدوء في التعامل، وأن لا يستفزك المراجع بأي شكل من الأشكال.
وأيضاً أن تتمتع باللباقة واختصار الكلام واختيار عبارات دبلوماسية تريح المقابل بتصرف، وكأنك مسعف وليس خصماً للمراجع.
عليك أيضاً أن تحرص على أن لا تجادل، بل حوّل المراجع إلى صديق.
اقترح على رئيسك ما تراه من جديد لتحسين أداء مؤسستك،
واذا مررتَ بظرف مزعج في البيت أو الدائرة فاطلب استراحة.
بعد هذه المواقف والمقترحات، هل يمكن لنا أن نطوّر كفاءة وأداء من يتصدى لمسؤولية الاستقبال ؟ فالفارق الذي وجدناه بين القطاعين العام والخاص يدعو للتساؤل والعجب: لماذا؟