هورمان.. مدينة الجوز والبساتين

384

ضحى مجيد سعيد /

صارتبط محصول الجوز بمدينة هورمان، المشهورة بإنتاج أجود أنواعه وأغناها على الإطلاق في العراق، وتتميز هورمان بطبيعة خلابة، وفضلاً عن الجوز فهي غنية بزراعة فواكه عديدة منها الرمان والمشمش والتوت.

في فصل الخريف يبدأ الفلاحون عملية جني الجوز خلال الفترة من 15 أيلول وحتى 15 تشرين الأول، ربما يكون هذا هو المشهد الأروع خلال العام، إذ يشكل لوحه فنية ممزوجة بعبق التراث والثقافة.

 يذكر أن هذه المنطقة اندرجت ضمن لائحة التراث العالمي لما تحويه من عمق تاريخي وطراز معماري ونمط الحياة الريفي وامتدادها على طول الحدود العراقية الإيرانية، التي تبعد نحو ١٠٠ كيلو متر عن مدينة السليمانية، وتشمل أجزاءً من كردستان وكرمانشاه الإيرانيتين، اضافة إلى جزء من إقليم كردستان العراق، ويوجد في مدينة حلبجة ما يقرب من 85 ألف شجرة جوز و12 ألف دونم من البساتين المثمرة، غالبيتها في منطقة هورمان.

يقول جلال الدين حسن، البالغ من العمر ٥٧ عاماً، وهو من أهالي مدينة حلبجة إن هذه المنطقة تتميز بخصوبة أراضيها وبساتينها الغنية بالجوز المثمر، فمحصول الجوز الهورامي أحياناً يغطي حاجة محافظات إقليم كردستان الثلاث، فضلاً عن كونه يتميز بألذ أنواع الجوز، لذلك يحرص الأهالي على أن يكون موجوداً على موائدهم دائماً.

 وأضاف أن مهنة جني المحاصيل ورعايتها ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، واهتمامنا بهذه المزارع أصبح واجباً، كونها تعد أحد المعالم التي تشتهر بها مدينة هورمان ويعتز بها سكانها، بالإضافة الى ذلك يعتمد أهالي المدينة على بيع الجوز كمورد رزق.وأوضح أن لوقت جني المحاصيل -ولاسيما الجوز- طقوس خاصة اعتدنا عليها منذ عقود، إذ نتشارك جميعنا، العائلة والأصدقاء، وغالباً ما تتحول هذه الأوقات الى ملتقى للأحبة تتخللها وقفات غنائية وموسيقى ودبكات، ولاسيما أن أهالي هورمان يشتهرون بطريقة غنائهم على اللحن الهادئ البطيء، وهذا بات جزءاً من حياتنا وتكوين ثقافتنا وطريقتنا بالتعبير عن سعادتنا.

 وأشار الى أن هناك آلاف الأشجار من الجوز في حدود محافظة حلبجة، حيث تعود هذه الأشجار مئات السنين، مضيفاً أن منطقة هورمان تحوي العدد الأكبر من أشجار الجوز.

 وفي ما يتعلق بكميات المحصول من مزرعتهم، يشير الى أنه يصل أحياناً إلى ٣٠ ألف جوزة والإنتاج متفاوت بين مزرعة وأخرى، أما ما يتعلق بالأرباح المتعلقة بمحاصيل الجوز فهي حسب تقديراته لا تتعدى  ٢٠٠٠$ سنوياً.

 أما  بالنسبة الى المعوقات التي  تواجه جني محصول الجوز، يقول جلال الدين: في العادة يعتمد الأمر على الطقس المتقلب والتغير المفاجئ في درجات الحرارة والرطوبة بالدرجة الأساس، فكلما كان الجو حاراً ورطباً، كان المحصول جيداً، واستدرك قائلاً: هناك بعض الأشجار في كردستان يصل إنتاجها من ٥٠ الى ٦٠ ألف ثمرة، وهو ما يعادل نصف طن سنوياً، لذلك فإن الاهتمام بها يدر أرباحاً كبيرة. وأضاف: عملية القطف بالنسبة لنا أراها متعبة، لكنها ممتعة بذات الوقت، والأمر يتطلب التسلق بحرفية ولياقة وتوازن، كي لا تتكسر أغصان وأفرع الشجرة، ولا يسقط الشخص الذي يتسلق الشجرة، بالإضافة الى ذلك تجري عملية القطف بعناية، إذ تتم بواسطة عصا طويلة ورطبة تسهم في الوصول الى كل مفاصل الشجرة.

جمع الجوز

أما كجال لطيف محمد، التي تبلغ من العمر ٥٠ عاماً، من سكنة محافظة حلبجة فتقول: في موسم قطف الجوز نتوجه جميعاً في الصباح ونقوم بتنظيف أرضية الشجرة وتحضيرها لتقع أغصان الجوز على الأرض، ثم يُجمع الجوز ونقوم بإزالة القشرة من على الثمر ونضعه في الأكياس ونقوم ببيع قسم منه في الأسواق، ونحتفظ بالقسم الآخر منه، وذلك يكون خلال تجمع العائلة والأصدقاء. الشيء اللافت خلال عملية إزالة القشرة من الجوز هي الصبغة التي تتركها القشرة على أيدينا جميعاً في موسم الحصاد. أردفت قائلة: لون القشرة هذا، كنا نستخدمه قديماً كأحمر شفاه، لما يتميز به من صبغة حمراء جميلة اللون، وأيضاً في تنظيف وتبييض الأسنان، فضلاً عن وضعه مع حناء الشعر ليضفي عليه صبغة حمراء. أضافت: نجني ما يقرب من ١٠ آلاف الى ٣٠ ألف جوزة  تقريباً في العام الواحد من مزرعتنا الخاصة، مشيرة الى أن  كل ألف ثمرة من الجوز تباع بـ٧٠ ألف دينار عراقي، أي حوالي ٥٥ دولاراً تقريباً.

أضافت أن الجوز الهورامي متميز بطعمه وشكله على مستوى البلاد، فضلاً عن اعتماده في الكثير من الأكلات والحلويات وغيرها من الوجبات اليومية كذلك في  الحلويات والمعجنات.

هدية الجبل

جلال عباس عبد الله -يبلغ من العمر ٤٥ عاماً- بائع مكسرات، يقول إن الجوز الهورامي وفير وينافس الجوز المستورد، ويزداد الطلب عليه بشكل خاص من قبل السيّاح، فهم يحملونه معهم كهدية جميلة من الجبل. وأضاف: تلجأ الحكومة أحياناً الى استيراد الجوز الإيراني أو الأوكراني أو التركي لتغطية الحاجة المحلية، لكن الجوز الهورامي يتميز بأنه ثمر طازج، لذلك يفضله الناس كونه يعد من أجود أنواع الجوز في الأسواق، على الرغم من صغر حبته قياساً بالأجنبي، يكمل: نحن نعتمد بيع الجوز بالعدد وليس بالكيلو في الأسواق.

فوائد صحية

يقول د. أحمد عبد الله الشيراوي، اختصاصي التغذية: إن للجوز فوائد كثيرة جداً، كونه غني بالفيتامينات والمعادن العديدة، كما أنه مهم جداً في تقوية الذاكرة، ويُحسن صحة الدماغ، لذلك يكون مفيداً جداً لكبار السن ولاسيما لمن يعاني من ضغط الدم، فضلاً عن مقاومته لأمراض السرطان، ومنها سرطانا الثدي والبروستات، مشيراً الى أن مايحتويه الجوز من أحماض اوميغا ٣ وألياف غذائية تعمل على تخفيض مستوى الكوليسترول في الدم وبالأخص الضار منها، بالإضافة الى ذلك يمنع تكون الحصوات في الكلى والمرارة، فضلاً عن طعمه المميز وغناه بالزيوت المفيدة للجسم التي تعطي طاقة وصحة جسدية.