ورشة التمّار.. إبداع في عمل الشبابيك والأبواب للأضرحة الشريفة

949

عامر جليل إبراهيم- تصوير: حسين طالب/

بهمّة وتفانٍ عاليين، تؤطرهما نيّة صادقة، تواصل ورشة التمّار لصناعة شبابيك الأضرحة وأبواب المراقد الشريفة، سد احتياجات المزارات الشريفة في أرض الأديان والأئمة الأطهار. الكوادر العاملة في الورشة أثبتت بعملها الدؤوب أن هناك طاقات وكفاءات عراقية قادرة على الإبداع والعطاء إذا توفرت لها الإمكانات.
ومن هنا أنجزت ورشة التمّار أعمالاً مميزة لكثير من الشبابيك والأبواب للأضرحة والمزارات والمقامات الشريفة للأئمة المعصومين (عليهم السلام) والأولياء والصالحين رضوان الله عليهم.
عن فكرة إنشاء مشروع ورشة التمّار التقت “مجلة الشبكة” السيد (كريم جليل عابدين) مسؤول الورشة الذي تحدث قائلاً: بعد التوكل على الله وبهمّة المخلصين في الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة والأمانة الخاصة لمزار الصحابي الجليل ميثم التمّار (رض)، وبتوجيه من سماحة الشيخ (خليفة الجوهر) الذي كان يشغل منصب الأمين الخاص للمزار بضرورة إنشاء معمل، أو ورشة تهتم بصناعة شبابيك الأضرحة المقدسة وأبواب المراقد الشريفة، تبلورت الفكرة وحظيت بالدعم والاهتمام الكاملين من سماحته، فأُسست الورشة في عام 2016، وتكلل ذلك بالموافقة من الأمانة العامة للمزارات بتأثيث الورشة ببعض المستلزمات الخاصة بعمل النجارين والحدادين والنقاشين، وبعد اكتمال أعمال تشييد الهيكل الرئيس وتأثيثه بالمعدات والأدوات والآلات اللازمة للعمل افتتحت الورشة رسمياً بحضور كبار الشخصيات الرسمية والدينية والحوزوية ووكلاء مراجع الدين العظام.
أبواب مُذهّبة ونقوش مزخرفة
عن أهم أعمال الورشة وإنجازاتها قال عابدين: كُلفت الورشة بإنجاز أول الأعمال لإنشاء شباك (ضرار الحاج يوسف) في محافظة ديالى بأبعاد 2م×2م وبارتفاع 2.8م بدعم مباشر من الأمانة العامة للمزارات، أنجز العمل بعد خمسة أشهر بأيدي أمهر النقاشين والنجارين والحرفيين العراقيين، فظهر في أفضل حلّة وأجمل منظر. مضيفاً أن هذا العمل جرى بالطَرق باليد فقط وبدون استعمال القوالب الجاهزة، ويعدّ من أقدم الأساليب وأفضلها، وحظي هذا الإنجاز بالاهتمام الكامل والتقدير، وأقيم احتفال لافتتاح أول إنجاز لهذه الورشة إذ كانت الفرحة بادية على وجوه جميع الحاضرين الذين عبّروا عن فرحتهم بأجمل العبارات والمديح، ولاسيما أن هذا العمل تم بأيدٍ عراقية خالصة وخبرات محلية.
يكمل مسؤول الورشة حديثه بالقول: بعد هذا الإنجاز توالت الأعمال على معملنا عن طريق الأمانة العامة للمزارات، إذ باشرت الورشة بعد ذلك بعمل شباك للسيد أحمد بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في محافظة بابل بنفس الأسلوب السابق من النقش النباتي على النحاس الأحمر النقي الذي زُيّن بطلائه بالذهب عيار 24 حبة والفضة عيار 9،999 ومن أجود أنواع الأخشاب مثل الصاج البورمي والجنار والبلوط والزان والجاوي والجوز وغيرها. بعدها اضطلعنا بعمل شباك مزار السيد صالح بن الإمام الهادي (عليه السلام) في محافظة البصرة مزيّناً بنقوش نباتية مطلية بالذهب والفضة والمينا الزرقاء الفسيفسائية والخضراء الأرجوانية والحمراء والبيضاء. كذلك أنشأنا شباك مزار السفير الأول عثمان بن سعيد العمري في بغداد، الذي عُدّ تحفة فنية من حيث التصميم والعمل والإخراج وطليَ بالذهب والفضة مثل بقية المزارات. كذلك أنجزنا شباكاً لضريح السيد علي بن الحمزة في كربلاء بالأسلوب نفسه وطريقة العمل ذاتها. بعدها عملنا شباك السيد أبي الفتح الأخرس في محافظة كربلاء قضاء طويريج، وشباك مزار السيد عبد الله المحض في محافظة بابل، وشباك مزار إخوة السيد عبد الله المحض في المكان نفسه. كذلك أنجزنا شباك مزار السيد إبراهيم بن السيد عبد الله المحض في قضاء المسيب سدة الهندية، ثم شباك السيدين الظاهر والمظهر (ع) في بابل، وإن شاء الله في القريب العاجل سيُنجز شباكان أحدهما للسيد عبد الله بن الحسن المثنى في بغداد اليوسفية والآخر للسيد سعد بن عقيل في محافظة الموصل.
طموح أكبر
عن طموحات الورشة وعلاقاتها مع الجهات ذات العلاقة بالاختصاص والعمل يؤكد عابدين: في هذا الجانب لابد من الإشارة إلى أن الورشة تحاول أن تقيم أفضل العلاقات وتسعى إلى تعزيز أواصر التواصل مع كل الجهات ذات العلاقة والعمل مع جميع الأوقاف في العراق. فطموحنا أكبر من مستوانا الحالي ونسعى إلى توسيع المعمل بمساحات أوسع وإضافة معدات ومكائن إليه، كما نسعى إلى مواكبة السوق العالمية ونُراعي الحداثة في الإنتاج.
أيدٍ عراقيةٍ خالصة
يجيب مسؤول الورشة عن سؤالنا إن كانت هناك أيد وخبرات غير عراقية تعمل في الورشة فيقول: العمل بجميع مفاصله ينجز بأيد عراقية خالصة، العاملون فيها هم من أمهر الحرفيين على صعيد المحافظة، إذ تعلموا مهنتهم بتوارث الخبرات عن آبائهم وأجدادهم، ولنا محاولات لصقل هذه الخبرات والمواهب بجذب مجموعة من الحرفيين الإيرانيين لكي يكون هناك امتزاج وتعاون وصقل للمواهب بين الطرفين، وبالفعل تحقق ذلك وعددناها دورة أولى للعاملين لدينا، لكن صدقاً أقول إن مهارات وخبرات حرفيينا فاقت في كثير من الأحيان خبرات المدربين. ونضيف معلومة أن الشباك كان يصنع في أصفهان بإيران بكلفة 85 مليون دينار عراقي أو اكثر، لكن في هذه الورشة وبالمواصفات نفسها، أو أكثر دقة، واصبحت تكلفته 36 مليون دينار تقريباً، وهذا إنجار بحد ذاته.
إلهام وإبداع
وعن سؤالنا عن السبب وراء اختيار مكان الورشة بالقرب من مزار ميثم التمّار، يقول عابدين: اختير المكان، الذي يقع إلى الجهة الشرقية من المزار الشريف على بعد 200م من السور المحيط به، ليكون المزار إشعاعاً يستلهم منه العاملون في الورشة طاقاتهم وإبداعاتهم، مضيفاً: إن الأرض المشيّدة عليها الورشة تابعة لديوان الوقف الشيعي وإن الورشة تحظى بالدعم المستمر من الديوان الموقر والأمانة العامة للمزارات الشيعية.
زخارف ونقوش
أما عن طرق نقش وزخرفة الأبواب والشبابيك فيقول السيد (حسن علاء الدين زكي) مسؤول وحدة النقش: في البداية نرسم التصاميم والزخارف على الورق ثم يأتي بعد ذلك النقش على النحاس، وأصعب مرحلة هي التطبيع على النحاس لأن عملنا يدوي ولا نعمل بالآلات والمكائن، ولدينا كادر عراقي متخصص في هذه الأمور، كما أن لدينا متخصصاً في الرسم فقط وآخر في النقش وشخصاً ثالثاً في التفصيل، أما صب (القير) فهناك شخص متخصص فيه.
زخارف إسلامية
بدوره، يقول (إبراهيم سعيد عبد الحسن)، مسؤول شعبة النجارة: عملنا هنا هو صناعة الشبابيك فنحن نعمل الهيكل الخشبي من خشب (جاوي ماليزي) والذي يعد من أرقى أنواع الخشب، بعدها ينجز النقاش عمل النقش وتطبيع النحاس على الخشب، وبعد أن ينهي النقاش عمله نبدأ نحن بطريقة التفصيخ والتجميع، ثم يبدأ العمل الداخلي وهو حفر زخرفة إسلامية. ويؤكد عبد الحسن أن أقوى الأخشاب المستخدمة في عمل هياكل الشبابيك والأبواب هو الصاج البورمي ثم الجاوي وبعده السنديان.
التهذيب والطلاء
مسؤول شعبة الطلاء السيد (رياض صادق الصائغ) حدثنا عن أبرز مراحل التذهيب والطلاء بالقول: قسم الطلاء يقوم بطلاء القطع الذهبية والفضية، وبداية عملنا تبدأ بمادة النحاس، إذ تأتي قطع النحاس إلينا فننزلها في أحواض خاصة تحتوي على مواد نستخدمها في الطلاء ثم نسخنها ونضيف إليها مواد مثل سيانيد البوتاسيوم أو هيدروليك الصوديوم، بعد ذلك نقوم بتذهيبها وطلائها وتلميعها بدرجة حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية أو أكثر بقليل.
ختامها مسك
في نهاية جولتنا حدثنا السيد (مقداد فاضل عبد الله)، مسؤول وحدة الحدادة والخراطة، عن طبيعة عملهم وأبرز مراحله قائلاً: واجبنا هو صناعة السراقي والأقفال والنرمادات، وعملنا متداخل مع وحدة النجارة في الأرضيات، إذ نثبت قواطع الحديد التي نصنعها بالحجم الثقيل 3ملم و 4ملم من أجل القوة والمتانة.
في نهاية حديث السيد مقداد قفلنا عائدين إلى بغدادنا وفي فكرنا صورة رائعة لعمل لا يمكن أن يغادر المخيلة لجماله الأخاذ وحرفة صانعيه.