وكالات التدريب والتأهيل الإعلامي… كيف نميز بين المحترف منها والعبثي؟

163

إياد السعيد- تصوير: حسين طالب /

قد تبدو عبارة (الإعلام مهنة لمن لا مهنة له) ممجوجة تماماً لكثرة تكرارها والتركيز عليها مع بزوغ فجر الفيسبوك ووسائل التواصل الأخرى. لكن ثمة من استثمر، أو استغل الفرصة للمنفعة المادية، وربما لتدريب الشباب على حرفة تخدم مستقبلهم ليكونوا إعلاميين فعلا. إذ لا يمكن الحكم على ظاهرة تعدد وتزايد تأسيس مراكز ومنظمات التأهيل الإعلامي بدون إحصائية شاملة لها ومعرفة مرجعياتها المهنية والنقابية ومؤسسيها وتكييفها القانوني.
لذا ارتأينا أن نستلّ بعض النماذج من هذه المؤسسات لكي نقف على حقيقتها وأهدافها ومواردها وماذا تقدم للشباب المنخرط في دوراتها.
استغفال
ح. ع. شاب رفض أن ينشر اسمه الصريح لشعوره بالاستغفال يقول: “كنت متحمساً جداً للعمل الإعلامي، ولي من الميزات ما أتفوق بها على أقراني: لغة عربية صحيحة، ولغة ثانية، وموهبة إلقاء. وكنت بحاجة إلى شهادة فقط مع بعض التدريب على كتابة الخبر، قرأت إعلانا لإحدى المؤسسات التي تعمل كل هذا مقابل مبلغ 150 ألف دينار، وفعلاً التحقت في دورة مع شباب آخرين، لكننا لم نكن نتلقى فيها سوى كلام عن الإعلام وميزات (الباج) الذي سيصدر بأسمائنا مع بعض المعلومات المنقولة حرفياً من الإنترنت اكتشفناها لاحقاً. أكملنا الدورة وحصلنا على (الباجات) مقابل مبلغ إضافي طبعاً. فرحت وبحثت عن عمل في قنوات كثيرة، وكانت المفاجأة أن لا أحد يعترف بهذا (الباج) وهذه الشهادة، بل أحياناً أكون مدعاة للضحك من قبل بعض مسؤولي القنوات الفضائية، وبهذا عرفت أن هذه الدورات ليست سوى استغلال مادي واحتيال واستغفال !!”
طالبة الثانوية (قمر الموسوي) تحب العمل الإعلامي بشغف، وتتطلع لاحترافه، تسرد قصتها: “دخلت دورتين خدعوني في واحدة منها، إذ جمع أحد المشاركين منا مبالغ مالية ومستمسكات وقال إنه يعمل في (العراقية)، اسمه ع .ع. بعدها أغلق هاتفه ولم نستطع الوصول إليه، سألنا عنه فظهر أنه كاذب وليست له علاقة بالعراقية، بعدها عملت في محطة إذاعة بتقديم البرامج لمدة ثلاثة أشهر ولم أحصل منهم على أية أجور بحجة التدريب!!”
البحث عن منحة الصحفيين
أما عامر حسن (26عاماً) فيقول ضاحكاً: “وقعت في فخ من هذا النوع، لكني اكتشفته منذ أول يوم لي في الدورة التي كانت عبارة عن حضور وتفاهة حديث لا أكثر، على أمل الحصول على (باج) بصلاحيات، مثل شمولنا بمنحة الصحفيين وتسهيل مروري في السيطرات.. الخ، لكني منذ اليوم الأول اكتشفت زيف العملية، فسحبت المبلغ بهدوء عملا بمبدأ (القانون لا يحمي المغفلين).”
للأمانة الصحافية، حاولت الاتصال بعدد من مسؤولي هذه المؤسسات للتعرف على تكييفها القانوني وصلاحياتها في منح الباجات والهويات، لكن للأسف لم يجب أي منهم ولو بكلمة!! ماذا يعني هذا؟ طرحت السؤال على أحد المنتسبين الى اتحاد الصحفيين العراقيين، القريب من رئاسة الاتحاد، الصحفي حسام الشحماني الذي أوضح في حديثه للمجلة : “بالنسبة للاتحاد فإنه لا يعطي صلاحية لأية جهة إعلامية أو صحفية تعتمد لديه بمنح الباجات لغير منتسبي الوكالة أو الصحيفة، لكن مع الأسف الشديد البعض من الزملاء من أصحاب الوكالات، حتى ممن ينتهي اعتماده يستمر بمنح الهويات، وجرى إبلاغهم من قبل الاتحاد، الا أنهم لم يمتنعوا.”

ضوابط وشروط
د. ناظم الربيعي، المستشار القانوني في نقابة الصحفيين العراقيين، أجملَ هذه الظاهرة بما يلي: “هذه الوكالات تكون لها علاقة مباشرة بالنقابة إذا ما كانت معتمدة بشكل رسمي في نقابة الصحفيين، ولاعتمادها في النقابة يجب أن تخضع لضوابط وشروط على الوكالة الالتزام بها من حيث عدد ملاكها ومقرها ووجود عقد الإيجار لها أو سند الملكية، وهناك لجنة خاصة بالكشف عليها عند اعتمادها في النقابة او تجديد اعتمادها، سواء في بغداد أو بقية المحافظات، وأن يكون لها موقع رسمي على الويب سات تبث من خلاله الأخبار، إضافة الى ذلك هناك تعهد خطي يوقعه مدير الوكالة بعدم انتسابه الى القوات الأمنية أو العسكرية أو قوات الشرطة الاتحادية، وعدم منحه هوية الوكالة إلا للذين يعملون معه في الوكالة وأن أسماءهم ضمن الملاك المقرر المثبت في سجلات النقابة، وبعكسه يتحمل المسؤولية القانونية والمهنية. إما إذا لم تكن الوكالة معتمدة في النقابة، فإنها تعد ضمن الوكالات الوهمية، وتكون محاسبتها من قبل الأجهزة الأمنية، كالأمن الوطني وجهاز المخابرات، فربما تكون بعض هذه المنظمات أو الوكالات تعمل لصالح دولة أجنبية، وبإمكان المتضررين منها اللجوء الى القضاء لتقديم شكوى قضائية ضدها كونها غير شرعية وتعمل من أجل غايات خاصة لا تمت الى مهنة الصحافة والإعلام بشيء.”
إذن.. وبعد هذا التصريح الواضح لنقابة الصحفيين، يجب أن تكون للمخدوعين والمستغفلين كلمة في تقديم شكوى الى الجهات المسؤولة عن هذه المعاهد الوهمية، وتقع على عاتق النقابات والاتحادات الرسمية مهمة إصدار قائمة سنوية بأسماء الوكالات ومخوليها وصلاحياتها، والتحذير من الوكالات والمراكز والمعاهد غير المعتمدة للحد من هذه الخدعة المستمرة والحفاظ على سمعة المهنة.