يدفع المواطن ضرائبها ويتحمل سوء الخدمة.. شركات الاتصالات بين يدي القضاء

606

#خليك_بالبيت

ريا عاصي /

تكدست أكوام هرمية من صناديق الكولا وكل أنواع المشروبات الغازية على أرصفة الطريق في بغداد ذات مساء من أواخر نيسان عام 2003، وبالقرب منها أنواع عدة وأحجام مختلفة من صحون الستلايت التي ظلت ممنوعة عقوداً طويلة في عهد الديكتاتور.
وعلى مقربة وقف شخص يعلِّق ساعة مؤقت كالتي يستخدمها مدربو الرياضة، ويحمل بيده هاتف الثريا الذي كانت كلفة دقيقته حينها أربعين ألف دينار للمتصل، إذ دمرت خطوط الهواتف الأرضية التي كانت في منازلنا إبان الحرب. منعنا الديكتاتور حينها من مشاهدة الفضائيات واستخدام الهاتف الخليوي والإنترنت، وبسبب الحصار لم نحظَ بعلبة مشروب غازي دون اقتسامه، لأن سعر العلبة كان يعادل راتب شهر لأي موظف عراقي حينها.

تعددت اللجان والرفض واحد
بتأييد ٩٢ نائباً… يدخل (رئيس مجلس النواب بصفته الوظيفية شخصاً ثالثاً مع المدعي محمد شياع السوداني لوجود المصلحة والتضامن معه) للمطالبة بإلغاء قرار تجديد عقود التراخيص وبعدم منح المدة التعويضية، وقد وجه القاضي بتحديد يوم المرافعة 17/9/2020.
القضاء العراقي هو الفيصل العدل..
هكذا نشر النائب محمد شياع السوداني تغريدته في موقع تويتر مساء يوم الثاني من أيلول الجاري مرفقاً معه قائمة بأسماء النواب الموقعين على رفع الدعوة ومحضر الدعوة وصورة من قرار المحكمة. وكان السوداني (عضو لجنة متابعة تنفيذ البرنامج الحكومي والتخطيط الستراتيجي) قد أقام دعوى قضائية لمنع تجديد عقود شركات الاتصالات والهواتف المحمولة في محكمة بداءة الكرخ على الجهات المسؤولة ومديري شركات الهاتف النقال المشمولة بالتجديد.
بدوره، أوصى مجلس النواب العراقي بضرورة إيقاف قرار مجلس الوزراء الصادر في أوائل تموز 2020 بتجديد عقود تراخيص الهاتف النقال لمدة خمس سنوات، وكذلك منح الشركات مدة (3) سنوات إضافية تعويضاً عن مدة أحداث داعش ليكون المجموع (8) سنوات، فضلاً عن منح الشركات تراخيص للجيل الرابع ضمن هذا القرار.
وكانت لجنة الاتصـالات والإعـلام النيابية قد طالبت يوم الأربعاء، الأول من تموز 2020، باستيفاء ديون شركات الهاتف المحمول، مؤكدة عدم تسليم الشركات مبالغ ضريبة المبيعات التي فرضت على كارتات تعبئة الهاتف النقال منذ 2015 حتى الآن.
في تصريح صحفي، قال عضو اللجنة النيابية والمالية جمال كوجر: “هذه الشركات تمنحنا الجيل الثاني باسم الجيل الثالث، والعالم يتكلم اليوم عن الجيل الخامس، وأغلب دول المنطقة اتجهت نحو الجيل الرابع، كذلك فإن هذه الشركات مدينة للدولة ولم تدفع ديونها، وبالتالي وفق ماذا يتم التجديد لها؟! إذ أن جميع حكومات العالم تأخذ الرسوم من شركات الهواتف النقالة مسبقاً، أما نحن في العراق فلا نعمل ذلك.”
وتوعدت لجنة النزاهة النيابية، في خطاب رسمي لمكتب رئيس الوزراء، باللجوء إلى القضاء في حال عدم إدراج التعديلات ضمن شروط العقد، وتتضمن تلك التعديلات رفع نسبة المشاركة في الأرباح لصالح وزارة المالية إلى 75%، وإشراك ديوان الرقابة المالية في احتساب الأرباح.
وأكدت اللجنة ضرورة استحصال جميع الديون السابقة من شركات الهاتف والكشف عن مالكي الأسهم لشركات آسيا سيل، وزين العراق، وكورك تيليكوم، سواء من العراقيين أو غيرهم، ونسبة كل واحد منهم منذ دخول الشركات للعمل في العراق.
في خطابها دعت اللجنة إلى إشراك جهاز الأمن الوطني في إيجاد حل للمشكلة المترتبة إثر منح شرائح الخطوط الهاتفية دون تثبيت بيانات مستخدميها وإلغاء جميع الخطوط التي لا توثق بياناتها في غضون شهر واحد فقط .كما طالبت بإضافة بند يتيح لوزارة الاتصالات سحب الرخص أو تغريم شركات الهاتف النقال في حال سوء الخدمة، بما في ذلك خدمة الـ 4G. وفي نهاية خطابها أكدت لجنة النزاهة أنها اذ تضع هذه الشروط والتعديلات من أجل الصالح العام والحفاظ على أهم مورد مالي للدولة بعد النفط وهو قطاع الاتصال الخليوي. وبحسب ادعاء عضو لجنة متابعة تنفيذ البرنامج الحكومي والتخطيط الستراتيجي محمد السوداني لم تلتزم شركات الهاتف النقال بتسديد ما عليها من ديون متراكمة بلغت (ترليون دينار).
أما وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي، فقال: “يجب استيفاء الديون من شركات الهاتف النقال ولا يجوز إيقاف رخصتها وهدف التعامل مع شركات الهاتف النقال في العراق تقليل الكلفة على المواطن.”
جاء رد رئيس مجلس الوزراء عبر المتحدث الرسمي أحمد الملا طلال، في المؤتمر الصحفي الأسبوعي المنعقد حينها، بالآتي: “مجلس الوزراء ناقش تجديد الرخصة لشركات الاتصال خمس سنوات شريطة دفع الديون وتقديم خدمات الجيل الرابع، ولن تجدد أية رخصة قبل دفع 50٪ من الديون. “وأضاف “أن وزير الاتصالات تعهد بتقديم الاستقالة من الحكومة في حال عدم تشغيل خدمة الـ4G بداية العام المقبل.”
السعر عالٍ لثماني سنوات فقط
لم تكترث شركات الهاتف النقال بالرد أو بالظهور في الإعلام للحديث وتوضيح ما جرى ويجري، باستثناء شركة زين التي تكرر ظهور رئيسها التنفيذي في العراق، علي الزاهد، في أكثر من محطة فضائية عراقية، كما نشرت بياناً صحفياً في موقعها الإلكتروني بشأن تجديد العقد.
يقول الزاهد في حديثه لإحدى الفضائيات العراقية: “لقد تم تسديد 7 ملايين دولار من قبل شركة زين للحكومة العراقية عن ديون مستحقة بالإضافة إلى مبلغ 233 مليون دولار قيمة عقد التجديد.”
وأضاف “بالتعاون مع الدولة سيكون متاحاً للمستخدم العراقي استلام خدمة الـ 4G في الأول من شهر كانون الثاني لعام 2021، وأن شركة زين مستعدة لإطلاق هذه الخدمة.”
وفي لقاء تلفزيوني سابق سُئلَ عن ضريبة الـ 20% التي تم تحميلها على كاهل المواطن فأجاب: “بأن الشركة تستحصلها من المستهلك لتعيدها للدولة، وجشع الباعة جعلها تزيد خمسمائة دينار.”
في بيان شركة زين، المنشور على صفحتها الإلكترونية، قارنت الشركة قيمة العقد المبرم نسبة إلى باقي دول العالم والمدة المخصصة له بقولها “إن الفترة الممنوحة لتمديد الرخصة لـ8 سنوات اضافية مقابل نشر خدمات الجيل الرابع ستكون فترة قصيرة وستشكل تحدياً كبيراً في تأمين نسب العائدات على الاستثمارات خلال الفترة المحددة، إذ أنه على المستوى العالمي، أصدرت جميع الدول تقريباً رخص الجيل الرابع لمدة 15 عاماً على الأقل ووصل بعضها حتى 25 عاماً.”
بين حانة ومانة ضاعت لِحانا
توجهت إلى مجموعة من الشباب والشابات لمعرفة رأيهم بما يحصل، كونهم الشريحة الأكبر من مستخدمي شبكات الاتصال والهواتف النقالة فكانت هذه الحصيلة:
محسن، 28 عاماً، مهندس اتصالات في إحدى شركات تنصيب الأبراج، قال: “تعلمنا، نحن العراقيين، أن نقرأ ما بين السطور، لا يوجد أحد نثق فيه بعد. في عملي مع الشركات الأجنبية، ازددت خبرة ومعرفة بالتقنيات في الأعوام الأربعة التي مضت، وتعلمت كيف أن كل مخطط وخطة تضعها الشركة في كوريا يجب أن أضيف إليها ستة اشهر للعراقيل والمتغيرات، بين أحداث كبيرة كداعش، وبين معرقلات صغيرة كرشاوى بين دائرة لأخرى، وزارة الاتصالات لها هيئات عديدة وجميعها حديثة عهد، وأغلبها تفتقد للسيطرة المركزية، ناهيك عن الخلافات بين المحافظات والمركز.”
ويضيف: “في الجهة الأخرى انظري أين كنا قبل ثلاثة أعوام وأين نحن الآن، مهما يكن فإن التنافس بدأ يشتد بالعروض والدقائق والخدمات التي تحاول الشركات أن تقدمها بالرغم من تلكؤها.”
نورة محمد، طالبة جامعية، قالت: “في كل المنازل اليوم أكثر من شركة نقال، لأننا تعودنا أن الشبكات تضعفُ في أمكنة وتتحسن خدمتها في أمكنة أخرى، وأغلبنا يستعمل اليوم اتصالات مجانية بسبب الإنترنت، لكن تبقى كارتات الشحن غاليه مقارنة بدول الجوار، بحكم مرض والدتي نسافر كل صيف إلى عمان، هناك أحس الهواتف (تركض ركض) والعشر دولارات بركة بالاتصالات على عكس تلفوناتنا في بغداد.”
رسل سلمان، ثلاثينية، تعمل في مجال التسويق في إحدى شركات صناعة الأثاث، تقول: “لم أعد أصدق شركات الهاتف النقال، شركة زين في الكويت تختلف بمليار على عشرة في الخدمات والسُّرَع والسِّعات، أما المواطن ففقد ثقته بالنواب والأحزاب لأن أغلبهم تطاردهم قضايا نزاهة وما زالوا في السلطة، لذلك اعتقد أن الزوبعة التي أثيرت أخيراً هي إما تضارب مصالح أو أن الرشاوى لم تصلهم.”
ياسر الأسدي، طالب هندسة اتصالات: “الخدمة غالية وغير جيدة، بسبب كورونا اضطررنا إلى أن ندرس ونمتحن عبر الإنترنت وهي خطوط ضعيفة، كما أننا لا نتمكن من الاتصال المباشر عبر النقال لأن أسعار الوحدات غالية جداً.”
ويضيف: “يحدثني والدي عن الهواتف الأرضية وكيف كانت كلفتها لا تعني شيئاً وأنهم كانوا يقضون ساعاتٍ طوالاً في الحديث عبر الهواتف الأرضية لأن الأسعار كانت يسيرة.”
الحاجة راجحة، متقاعدة، في نهاية الستينات من العمر تقول: “عملت سنوات عدة مهندسة في وزارة النقل هيئة الاتصالات، وكانت خطوط الهاتف الأرضي من الروعة بحيث أنك تصل إلى أقصى الأقضية والنواحي العراقية، دليل الهاتف كان أحد مصادر التعداد السكاني، بالرغم من أن ليس كل المنازل فيها هاتف أرضي، لكن أغلب منازل بغداد كانت كذلك، ابنتي خُطِبت بعد أن قرأ أهل الشاب الذي كان ينوي خطبتها اسم والدها على باب بيتنا وأخرجوا رقم هاتفنا من الدليل واتصلوا وحددوا موعداً لتعارف العائلتين، الصدق يعمِّر والكذب يخرِّب، ولا ندري مَن الكذاب: الشركات، أم الحكومة، أم النواب؟”
خمسة وثلاثون عاماً قضيناها تحت سلطة الديكتاتور التي عزلتنا عن العالم من حولنا: لا هواتف خليوية، لا فضائيات، لا صناديق بريد، لا إنترنت، والحكومات المتعاقبة من بعده بددت أحلامنا بالتقدم جرّاء الفساد المستشري.
وصرنا بين حانة ومانة.. ضاعت لِحانا