يعود تاريخ إنشائه إلى 400 عام “الداكير”.. أقدم أسواق البصرة لبيع مستلزمات الصيد

189

البصرة / صبا سامي/
تعد هواية صيد السمك في محافظة البصرة من الهوايات القديمة التي مارسها أبناء البصرة، بمن فيهم الأطفال، ولاسيما أن غالبيتهم يسارعون لاقتناء السنارة والشباك (عدة الصيد) على الشاطئ متلذذين برحلة صيد السمك برفقة آبائهم وأشقائهم.
ما ساعد على انتعاش تلك الهواية واستمرارها كثرة الأنهار في البصرة، كشط العرب ونهر العشار وشط البصرة، التي أسهمت بانتعاش ثقافة صيد السمك ومهاراته، التي تطورت صناعة حبال شباكها من (السوتلي والكومبار والفراوند)، كما تطورت مستلزمات الصيد الأخرى، فتشكلت أسواق خاصة بها، لعل أبرزها سوق (الداكير) في البصرة.

يقول الحاج (عامر محمد جواد الجزائري)، وهو من أقدم صيادي البصرة، ممن يتقنون فن صناعة حبال الصيد والشباك في سوق بيع أدوات صيد السمك في سوق الداكير في العشار: “يعد هذا السوق (سوق بيع وصناعة أدوات صيد السمك، حيث حبال السوتلي والكومبار وحبل النايلون وصناعة الفراوند والشباك.. الخ من أدوات الصيد) من أقدم أسواق محافظة البصرة، فهو سوق قديم جداً، بل وتاريخي، علماً بأن هذا السوق، وتحديدا في فترتي الستينيات الى السبعينيات كان اليهود هم من سيطروا عليه، قبل مغادرتهم البصرة، وعند بنائه آنذاك كانت تقع الى جانبه كنيسة وجامع يعود تاريخهما إلى أكثر من 375 سنة تقريباً، وقبل أن ينتقل السوق الى هنا، أي في الداكير، كان مقره الأصلي قرب المحكمة القديمة في البصرة القديمة حيث كان يسمى بسوق الفضوة، أو سوق الخوص، أو سوق المكانيس، ثم انتقل إلى هنا في الداكير حيث عرف وقتها بسوق (بخيت باشا).”
أضاف الجزائري: “كان هذا السوق في الأصل مكاناً لليهود لتصريف الدولار والعملات، حيث كانت هناك شركات مشهورة وقتها منها شركة جمهوري، وشركة غازي، وهي شركات اشتهرت ببيع وتجارة السجائر، كذلك كان هذا السوق في فترات ماضية سوقاً لبيع (اللنجات) والأبلام العشارية، حيث كانت تصطف هنا في منطقة (الشريعة). وفي السبعينيات كان (أحمد حسن الرديني) و(إياد الرديني) من أصحاب معامل صناعة الحبال إذ إن الرديني هو أول من أسس معملاً في البصرة لصناعة الحبال، ثم قام بتأسيس معمل لصناعة شباك الصيد. قديماً في هذا السوق كان الهنود يأتون بالحبال (الكومبار) ليستخدموها للمضايف والشباك أيضاً، كما كانت السلاسل وحبل السوتلي أيضا نصنعها هنا في البصرة وكنت أنا شخصيا أستورد (المرادي) من الهند لأصنع منها مستلزمات الصيد.”
حبل الكومبار
وعن سؤالنا فيما إذا كانت هذه الصناعة لاتزال مستمرة أم أنها انقرضت قال الحاج عامر: “صناعة الحبال، وبالأخص حبل الكومبار، انقرضت، وحلت محلها حبال النايلون التي طغت على أكثر الصناعات، إذ تراجعت صناعة أغلب أنواع الحبال بعد أن حلت محلها حبال النايلون. ومنذ القدم والى الآن لاتزال البصرة مشهورة بصناعة حبال (الفراوند) التي يصعد الفلاح بواسطتها النخيل، ونتيجة لازدهار هذه الصناعة في البصرة نقوم بإرسال الفراوند إلى محافظات العراق كافة.”
وأوضح أنه “بعد سقوط النظام السابق، لم تكن هناك ثقافة صيد واضحة رغم انتعاش صناعة أدوات الصيد، مع ذلك بدأت ثقافة الصيد تنتعش وترى النور مرة أخرى، حين بدأت (كروبات) كثيرة تخرج الى البحر، برغم قلة المياه وجفاف الأهوار، كما أن كميات الأسماك أيضاً بدأت بالتضاؤل، وأصبح الإقبال على صيد السمك جراء تلك الظروف لايتعدى الـ 50 % تقريباً، لكن بمرور الوقت عادت هذه المهنة وانتعشت، والآن هي أفضل بكثير جداً من السابق، إذ نرى الآن لدى كل بائع حاويات من السنارات.”
أيقونة بصرية
أما الصياد والمعلم المتقاعد الحاج (أحمد علي) فقال إن “هذا السوق يعد من أقدم وأكبر الأسواق المتنوعة ببضاعتها، المختص بصناعة الحبال في البصرة، ولاسيما أننا مقبلون على فصل الصيف الذي تزدهر فيه هواية صيد السمك، أقوم بصيد السمك بالشص والشبكة التي تقطع النهر، كذلك الصيد بواسطة (السلية) في شط العرب، أيقونة البصرة التجارية والسياحية والجمالية، لكن للأسف نتيجة اللسان الملحي وملوحة المياه الشديدة في أكثر الأحيان فقد تضاءل وجود الأسماك في المياه، ولاسيما سمك (الصبور)، إذ كنا سابقاً نصطاد مايقارب 300 أو 400 زوج من الصبور، في حين أننا في هذا الوقت نصيد ثلاثة أو أربعة أزواج فقط، وهذا أمر مؤلم بالتأكيد، لكن رغم ذلك لايزال هذا السوق منتعشاً يزدهر ببيع أدوات صيد السمك، تلك الهواية التي تتطور وتزداد يوماً تلو الآخر، ومما ساعد في انتعاش هذا السوق والى الآن هو وجود (مقهى التجار) المكان المكان الذي تجري فيه عمليات المضاربات والاستيراد والتصدير وحساب الأسعار بشكل يومي، وهو من أقدم وأشهر المقاهي في البصرة.”