7 ملايين سيارة يكلف وقودها 9 ترليونات دينار سنوياً

334

بشير الأعرجي /

 شوارع العراق تكاد تختنق بالسيارات، تأثيراتها السلبية ليس لها حدود، فهي تبدأ بالزحام اليومي ولا تنتهي بما تخلفه من غازات تلوث البيئة، فضلاً عما تستهلكه من وقود لتشغيلها تصل قيمته الى 8،687 ترليون دينار سنوياً، وعندما نضع السيارات في العراق تحت التشريح، سنجد أرقاماً مرعبة..

فهناك أكثر من سبعة ملايين مركبة في البلاد، والمعدلات تزداد كل عام بنسبة 2%.. السيارات تأكل سنوياً تريليونات الدنانير، وبدأت شيئاً فشيئاً بتضييق المساحات على العراقيين، بانتظار حلٍ ما.

خسارة موجعة..

توجهنا الى شركة توزيع المنتجات النفطية، والتقينا المدير العام حسين طالب الذي تحدث لـ”الشبكة العراقية” عن الأرقام المهولة لقيمة استهلاك وقود السيارات.

سألناه: هل سعر الوقود مدعوم من الدولة، وما كمية استهلاكه يومياً؟، فأجاب: “أسعار وقود السيارات مدعومة، ويشكل بيعها بهذه الأسعار خسارة مالية كبيرة على الدولة، منتوج البنزين المحلي تخلط معه ما نسبته 70% من البنزين المستورد، ونجهز يومياً 26 مليون لتر بنزين بنوعيه المحسن وعالي الأوكتاين، و27 مليون لتر من زيت الغاز (كاز)”. وأضاف: “الكلفة الحقيقية للبنزين المحسن الذي يباع بـ450 ديناراً هي 580 ديناراً، اما كلفة البنزين عالي الأوكتاين الحقيقية الذي يباع للمواطنين بسعر 650 ديناراً فهي 950 ديناراً”.

وبحساب بسيط للأرقام التي ذكرها المدير العام، فإن معدل استهلاك البنزين والكاز سنوياً 19 ملياراً و345 مليون لتر، والخسارة المالية للتر الواحد من البنزين العادي 130 ديناراً وللعالي الأوكتاين 300 دينار، واذا ما تم احتساب معدل الخسارة للنوعين بمقدار نسب استهلاكهما يومياً، فإن خسارة اللتر الواحد 200 دينار.. نخسر يومياً جراء بيع البنزين فقط دون احتساب الكاز 5 مليارات و200 مليون دينار، وسنويا يرتفع الرقم ليكون تريليوناً و898 مليار دينار تقريباً، وهي خسارة كبيرة للبلد الذي يسعى لتعظيم موارده المالية بدل

فقدانها.

مساحة محافظتين..

ولزيادة عديد السيارات في العراق أسباب عديدة، بيّنها المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، وقال في تصريح لـ”الشبكة العراقية”: “من أسباب زيادة أعداد السيارات، تحسّن الوضع الاقتصادي في العراق، إضافة الى منافسة الشركات العالمية فيما بينها لإيجاد أسواق لتصدير سياراتها، وكان العراق من بين الوجهات المفضلة لتلك الشركات، إلا أن هذه الزيادة كانت لها مساوئ كبيرة على الإنسان والبيئة والاقتصاد في البلاد.”

سألناه: كيف؟، فأجاب “تجاوز عدد السيارات في العراق 7 ملايين سيارة، وكل 118 سيارة تشغل مساحة كيلو متر مربع واحد، أي بعملية حسابية فإنه لو رصّت تلك السيارات بعضها مع بعض، فإنها ستشغل مساحة أكبر من مساحة محافظتي بغداد (5169 كم مربع)، ونينوى (37323 كم مربع)، والأعداد في زيادة بنسبة نمو سنوية تبلغ 2%، وإذا تحدثنا عن بعض الآثار الاقتصادية، فإن مليارات الدولارات تغادر البلاد نحو استيراد السيارات، ومبالغ ضخمة جداً يتم إنفاقها على الوقود.”

سيارات نسائية

جزء من تلك الأموال التي تغادر العراق على شكل مبالغ لاستيراد السيارات مخصصة لتلبية احتياجات السوق العراقية، والحديث هنا عن المركبات التي تقودها النساء.

لا توجد إحصائية دقيقة عن نسبة السائقات مقابل السائقين، لكن بالإمكان معرفة عدد النساء من خلال إلقاء نظرة على شوارع المدن لنرى مدى ازدياد أعدادهن.

سيف العبيدي، وهو صاحب معرض للسيارات في بغداد، تحدث لـ”الشبكة العراقية” عن ارتفاع أعداد النساء اللواتي يقمن بشراء السيارات في معرضه وغيره من معارض السيارات الأخرى، يقول: “ليس هذا فقط، إنما يحضرن بأنفسهن دون رفقة رجل لشراء السيارة، وأصبح التعامل معهن صعباً بسبب خبرتهن في المركبات، ولاسيما في السيارات صغيرة الحجم التي اتجهت غالبية الشركات الصينية والكورية الى توريدها للعراق بأحجام وألوان تواكب حاجات سوق السيارات النسائية.”

وتابع بالقول: “يكلف شراء بعض السيارات رباعية الدفع التي ترغب بها النساء أكثر من 15 ألف دولار، والنوعيات الأخرى بمبالغ تترواح بين 5 الى 10 آلاف دولار، وكل هذه المبالغ تذهب الى الخارج لعمليات الاستيراد، هناك مركبات بأسعار تصل الى 40 ألف دولار.”

تكاليف إضافية

وليس ببعيد عن موضوع الاستيراد، لكن هذه المرة عن التكاليف الإضافية لأسعار الوقود، مدير عام شركة توزيع المنتجات النفطية تحدث عن أرقام أخرى تثقل كاهل شركته، وقال: “هناك علاوات سعرية على وقود السيارات من نقل بحري ونقل بري الى مواقع الخلط، إضافة الى مطالبتنا من وزارة المالية بدفع ضريبة 15%، كما أننا نستورد البنزين بسعر دولار يبلغ 1450 ديناراً، فيما كان سابقا بـ1190 ديناراً للدولار الواحد مع بقاء سعر البيع اليوم ثابتاً، وهذا يكبدنا خسارة إضافية بنسبة 20% من إجمالي البيع.. لا يمكن للوضع أن يبقى هكذا في استهلاك الوقود الذي يدفع برأس مال الشركة الى التآكل.”

سألناه: ما الحل؟ فأجاب: “ما دام سعر الوقود مدعوماً، فإن المستهلك لا يقدر قيمته، ويدفعه نحو استخدام السيارة لأمور غير ضرورية.. الدعم يجب أن يكون لأصحاب المهن التي يدخل الوقود كجزء من دخلهم اليومي، وأقصد هنا سائقي سيارات الأجرة او مركبات الحمل وغيرها، كما يجب التوجه نحو استخدام وقود الغاز الأرخص سعراً والأكثر نظافة وصديقاً للبيئة، وقمنا بفتح منافذ لتجهيز السيارات التي تعمل بالغاز ونصب المنظومات في تلك السيارات، ونأمل أن تأخذ هذه التجربة حيزاً أكبر.”

حلول مستقبلية

وضع الشوارع اليوم من كثرة الزحامات، إضافة الى المبالغ الضخمة التي

يخسرها العراق سنوياً من جراء استهلاك الوقود، يجب أن ينتهي، ولابد من حلول آنية ومستقبلية. المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي تحدث من جديد وقال: “شوارع المدن لا تكفي لهذه الأعداد من السيارات، إذ لابد من توسيعها أولاً لاستيعاب المركبات، إضافة الى ضرورة تقنين عملية الاستيراد لتتماشى مع حاجة السوق والتفكير بجدية في النقل العام وتشجيعه شريطة توفير مسارات للباصات الكبيرة والحديثة بتوقيتات مغادرة ووصول محددين.” وأضاف “هذا سيختصر أعداد السيارات في الشوارع ويحد من التلوث واستهلاك الوقود، كما يجب أن لا ننسى ضرورة وضع معايير مشددة عند منح رخصة السياقة وتسجيل المركبات ومحاسبة المخالفين، وبعكس ذلك فإننا سنبقى نعاني من كثرة

السيارات والخسارة المالية لسنين طوال تأكل معها الاخضر واليابس في البلاد.