آدم وحواء و(ساعة السودة)

1٬003

أ. د. حسين علي هارف /

حين حبلت حواء.. احتج آدم بعد أن شهد حرب الجنينين قبل خروجهما من بطن أمهما.. فأراد إيقاف سلسلة الخطيئة!! خطيئة الحروب المتوالية والمتوالدة. فلِمَ يولد إذن هذا الطفل؟!
أراد إيقاف عملية الولادة.. الحياة التي تلد موتاً، فسعى الى إجهاض الجنين لإيقاف متوالية الحرب. (ساعة السودة) عرض محتدم لمخرج محتدم مكتنز بأشياء وطروحات مزدحمة. تقافز المخرج (سنان العزاوي) وشريكه المؤلف (مثال غازي) بين الخطوط الحمر والبيض.. والخضر.. والسود!! من خلال محاولة إعادة ترتيب حكاية الخطيئة بأبطالها الثلاثة: آدم وحواء والشيطان، بعد مناقشتها وفحصها ومحاكمتها وخلق فرضيات جديدة لبدايات وتحولات ونهايات جديدة. عمل النص على مزج ماهو أسطوري بما هو واقعي، وماهو فلسفي بما هو يومي (حياتي) لتتداخل المستويات الفكرية ولتثير لدى المتلقي المزيد من الأسئلة المعلّقة حول الحياة والموت والخطيئة الأزلية. انطوى هذا العرض على الفحص للتأسيسات الأسطورية والدينية فالنقد فالاحتجاج على المؤسسات المتحكمة بأقدارنا وحياتنا ومماتنا. وقد وردت في سياق العرض مفردات صارخة ومباشرة لم تنسجم مع الخطاب الفلسفي المعمق والجمالي العالي للعرض رغم وجود إشارات (مشفّرة) تنتقد الخطابات الدينية والسياسية والاجتماعية بطريقة تنطوي على ماهو مباشر تارة وماهو فني تارة أخرى. وقد استخدم العرض لغة ثنائية زاوج فيهما بين اللغة الفصحى واللغة المحكية الدارجة ليفرز من خلالها مستويين من المواقف والأفعال والأفكار، أحدهما يرتبط بما هو فلسفي أسطوري وآخر بما هو يومي معاش في الواقع الاجتماعي. فهل نجحت هذه الموازنة؟ أظنها عتبة تجريبية أولى في رفع الترفع عن ماهو محكي ويومي ومحاولة مغادرة التصلب اللغوي لمفردات ماعاد لها وقع على أسماعنا وقلوبنا، فللمسرح لغته الجمالية، اِغرف منها ما شئت من مفردات المتداول شريطة أن يكون لها وقع درامي وجمالي في سياق العرض . استحدث المخرج شخصية غائبة – حاضرة على خشبة المسرح عبر الكتابات التي تبث على السايك الخلفي تعليقات تحاور الشخصيتين في لغة مستلّة من التداول الاجتماعي اليومي، وربما كان الأمر يحتاج الى معالجة إخراجية للفت نظرنا إليها من خلال عنصر صوتي او ضوئي او حركي. وتمثل هذه الشخصية الافتراضية في حقيقتها الضلع الثالث المكمل لثالوث الحكاية الأولى (آدم و حواء والشيطان). فهل تخلّى الشيطان عن آدم وحواء وتنازل عن رهانه؟! بل هل تخلّى آدم وحواء عنه وعن وساوسه؟ أم صاروا خليفة له على الأرض.. لا خليفة الله عليها. الشيطان يستمر في غواية آدم وحواء لأنه وصي على خطاياهما منذ (ساعة السودة) الأولى. وفي لوحة التفاح استمعنا الى نشيد الخطيئة بأداء كوريكرافي – غير متقن- كشف لنا عن متوالية الخطيئة التي توارثناها. (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك قال إني أعلم مالاتعلمون).
سينوغرافيا العرض كانت مرسومة بدقّة لا تفوت على مخرج كانت وماتزال السينوغرافيا لعبته المفضلة. مساقط ضوئية وبقع محددة تؤسس جمالياً لجغرافية المسرح التي استثمرها بتوازن جمالي وإجادة. ورغم زحمة قطع الأكسسوار والأزياء التي أرهقت كاهل الممثلين إلا أن المخرج قد استعان بمفردة منظرية واحدة تم توظيفها إخراجياً بشكل بارع فبدأت سريراً لتتحول الى غرفة فدولاب فباب فسبورة، ومرة صارت ضريحاً و شبّاكَ وليّ أو إمام وأخرى تحولت سيارة مفخخة، وفي جوهرها كانت بمثابة مسرح داخلي صغير تمّ تأثيثه بقطع الأزياء والأكسسوارات المكشوفة (ما الحياة؟ إن هي إلا مسرح كبير! إن هي إلا الساعة التي يقضيها الممثل على ملعبه متخبطاً تعباً)، هكذا قال شكسبير على لسان بطله هملت، لكنه قطعاً لم يشِر الى ساعة السودة (اللي حكمنه بيهه فلان!! وساعة السودة اللي تزوجنه بيهه! وساعة السودة اللي شفتك بيهه!! وساعة السودة اللي اجينه بيهه للدنيا!! وساعة السودة اللي أكلنا بيهه التفاحة!!). ولقد استعمل المخرج مؤثر الدخان بطريقة تقنية بارعة ومحسوبة.