آليات التخييل في المتوالية القصصية (انتقام شفاف) للقاصّة أمل رفعت

994

د. حنان الشرنوبي  /

يُعدّ مصطلح السرد عملية تَوَاصُل تتضمن قَصّاً بوصفه رسالة مُرسلة من مُرسِل إلى متلقّ باستعمال الألفاظ الشعرية لنقل الرسالة. وفي (انتقام شفاف) أنماط متعددة من العلاقات المتوالدة بين نسيج جمالي بلاغي موصول بما هو شعري.
ولعل أول ما يلفت القارئ أمران؛ الأول: العنوان وله تفسير. الثاني: التصنيف – قصص قصيرة- وله تعديل. أولاً.. (انتقام شفاف) كيف يكون للانتقام لونٌ مخالف للون الكراهية السوداء.. ربما يكون متلوناً كأوجه البشر وأقنعتهم، فإما أن يكون (رائقاً؛ صافياً؛ شفافاً) ففي هذا ما يدعو للحيرة ؟! ١- وإما أن يكون الانتقام عديم اللون عاكساً لشفافية الواقع وردَّ فعل طبيعياً له؛ كما في قصتي (تفاحة آدم) و(صولجان)، ففي كلتيهما ردّ فعل طبيعي لحياة البطلة الواقعية ص١٥. حيث اعتقدتْ أن الانتقامَ علامةٌ للقوةِ والنجاح. (أنا لست بشريرة، أنا قوية. لا، لا، لست قوية! أنا مُدّعِية! لكن يجب أن أتظاهر بالقوة. منذ كنت في الخامسة وأنا أتحمل مسؤولية أُخْتَيَّ التوأم، تَيَتَّمَتَا عندما رأيتُ أبي يضرب أمي بصولجان قديم- يمتلكه – على رأسها؛ فيُرْدِيها قتيلة. ليس بالرجل الشرير، إنه قوي). وعبر المقطع السابق تتضح قوة البطلة في تصريحها (أنا مُدّعِية).. ففي اعترافها قوة.. كذلك نفت عن نفسها صفة اليُتْم ونسبته لشقيقتيها قائلة (تَيَتَّمَتَا) وهذا يعني أنها ليست بحاجة لأحد لأن الاحتياج ضعف فهي لا تُنتسب لليُتم أو لأم ضعيفة.. ٢-وقد تكون الشفافية معنوية غير مرئية؛ مثل:المرض؛ كما في قصة (اسْكان) التي أوهم البطل فيها الساردة بالمرض لينتقم منها لرفضها إياه وليُشعرها بعجز زوجِها عن علاجها ولو لمدة قصيرة. ٣- وأحياناً يكون الانتقام عبر الورق كما جاء في قصة (المقصلة)؛ إذ انتقم السارد ممن أراد به شرًّا في قصص تَشَفَّى منهم فيها. وفي بعض الأحوال نجد أنّ المنتقم لا يشعر بالخلاص والسعادة إلا بالتشفي من الظالم كما صرحت الكاتبة في إهدائها. والانتقام دافعٌ إذا ألحَّ على صاحبِه واشتَّد به دفَعَه إلى ارتكاب الجريمة؛ وهذا ما نجده في أغلب النصوص، ما يرشحها لأدب الجريمة، ولكن لسنا بصدد الحديث عن هذا اللون الأدبي. ثانياً: النصوص تنتمي في رأيي إلى المتوالية القصصية (البسيطة) إذ تضم مجموعة من القصص المرتبطة برباط من أول قصة حتى آخر قصة، تحمل كل قصة عنواناً معيّناً، وغالباً ما يكون عنوان المتوالية الرئيس؛ هو عنوان واحدة من قصصها؛ وهذا النوع الأغلب في المتواليات التي ما إن نقرأ قصصها ونتمعن فيها حتى نكتشف الترابط القائم بينها؛ فالترابط هو الذي يجعلها عملاً واحداً مترابطًاً وقصصها مشدودة بوثاق أو ثيمة معينة؛ لكنّ ثمة شَبَهاً في البناء الشكلي- فقط- بينها وبين المجموعة القصصية. وفي (انتقام شفاف) نجد ثيمة التشفي هي الرابط الأساس في المتوالية أو بالأحرى الثيمة الرئيسة التي جمعت بين نصوصِها وشخوصِها؛ بصوت الراوي العليم بخفايا صدور أبطالها. أما القصص القصيرة فهي سرد موجز لأحداث وأشخاص في مكان وزمان محدّديْن، فتتناول حالة شعورية واحدة أو موضوع واحد أو زاوية من موضوع معين؛ أي أن القصة تشبه الصورة الفوتوغرافية.. وهكذا كل قصة تختلف عن نظيرتها. ولقد استعملت الكاتبة أدوات ومسميات – إذا ذُكِرَتْ تمّ استدعاء العنف والدماء – فجعلتها عناوين لبعض القصص مثل (المقصلة، الصولجان، مسرور، من أرشيف المحاكم، زينهم). ثم تبدأ في سرد أنواع الانتقام عبر القصص فكان هناك انتقامٌ ممن لا ذنب لهم كما في قصة (المهرج الذي أحبني) إذ انتقم الزوج من زوجته التي لا ذنب لها في كوْنِه مهانًا في عمله؛ فيسقط إهاناتِه ومعاناته على زوجته؛ وهذا يدل على أنّ الانتقام ليس من الظالم بالضرورة. وفي قصة (شقا عمري ضاع)؛ إذ عاشت البطلة تدفع ثمن عجزها عن الإنجاب بأن تَبَنَّتْ ثمرةَ خيانة زوجِها. ثم تُشكّل لنا الكاتبة انتقاماً من لونٍ آخر في قصة (اللص والنعال) حينما تلوّن الشيطان بأقنعته المختلفة ليسقط بني آدم في الملذات بعد سرقة نعالهم من المسجد. وفي (هرم برقوقة) نجد برقوقة تلك المرأة التي كانت تتخلص من كلّ زوجٍ تراه عبئاً عليها.. حتى تجد ابنة أختِها تحيا مع زوج لا يفارق (الجوزة المحشوة بالحشيش) فكان عليها أن تعلّمها كيفية الخلاص من عبئها هي الأخرى؛ ليرتفع بذلك هرم برقوقة بلا نهاية. حتى تأتي قصة (مسرور) لتستوقفنا لحظات فنكتشف فيها المفارقة؛ إذ اعتدنا في مسرور ملازمتِه لشهريار وطاعته له. فكان يقتل في كل ليلة فتاة، ولكن العكس هو ماحدث؛ عندما سخّرت شهرزاد النصِّ (سناء) مسروراً لقتل (كلِّ) شهريارٍ خائن؛ فكان مسرور سيفَها البتّار الذي أطاحت به كلَّ مشكلات صديقاتِها في يسر ونعومة. ولم تستطع فعل ذلك إلا بعد أن تخلصت أولًا من شهريارها؛ فاستطاعت إنقاذ (بنات شلّتها). ولقد استعملت الكاتبةُ اللغةَ الشاعريةَ الناعمة في التعبيرِ عن مرامِيها؛ وكأن اللغة في بلاغتها وشاعريتها؛ أفعى تباغت القارئ بالمصير المؤلم غير المتوقع.. فاستعملتها الكاتبة وسيلة للتعبير عن واقعنا المعاش، وهو خير أسلوب- في رأيي- للتعبير عن ثيمة الانتقام.