أدباء عراقيون لمجلة “الشبكة”: لم ننسَ اليمن التي احتضنتنا بالحب

469

صدام الزيدي/

في دردشات سريعة، مع “الشبكة”، يتذكر أدباء عراقيون، يومياتهم في اليمن، التي احتضنتهم بكثير من المحبة، في تسعينيات القرن المنصرم وأوائل الألفية الجديدة، والسنوات التي سبقت اندلاع الحرب الدائرة هناك.
حاتم الصكر: لحظتان يمنيتان
هما لحظتان يمنيتان في مسيرتي، أولاهما حين ذهبت إلى عدن مدرساً في أوائل عشرينياتي وكانت تعيش صِبا حريتها من الاحتلال البريطاني الطويل، وأُخراهما بصنعاء على مشارف الخمسين مدرساً في جامعتها، إذ أطلتْ صنعاء لحظة لقائها من الطائرة تلهو بأرجوحة تصنعها الجبال التي تسورها، حيث يتدفق النور من القمريات التي توشح نوافذ ليلها، وتعززت جمالية اليمن بمرائي مدنها المدهشة: حضرموت وإب وتعز والحديدة وأخواتهن..الناس لا يشعرونك بأنك غريب. حياة يوجزها مقيلها المسائي، حيث الجميع بلا رتب أو مقامات.
أكثر ما كتبت هناك أثراً في نفسي “مرايا نرسيس”، ولليمن أصدرت كتابيّ اللذين أردتهما شغباً لتعضيد التحديث؛ “انفجار الصمت” كأول كتاب درس الكتابة النسوية في اليمن، و”قصيدة النثر في اليمن، أجيال وأصوات”.
الآن، وأنا في منتبذي القصيّ، لا يهمني إلا أن تتعافى اليمن. وتلك مكافأتي عن محبتها وتسعة عشر عاماً من الإقامة والسفر.
علي جعفر العلاق: بين زمنين
كان وصولي صنعاء لحظة بالغة الجمال، وكأنها تقع خارج حسابات الزمان كله. كان ذلك بعد حرب الخليج مباشرة، عام 1991، وصلت وكأنني آخر الناجين من المذبحة، فأخذتني صنعاء من حزني، مثلما الأمّ تماماً.
غادرتها في 1997 إلى جامعة الإمارات، وما زلت أذكر تلك اللحظة الفريدة: قرأت، وأنا في الطائرة، قصيدةً مهداةً لي نشرها إبراهيم أبو طالب في إحدى صحف ذلك اليوم بعنوان: “لا ترحل”. كان أحد طلبتي اللامعين، قبل أن يصبح أستاذاً مرموقاً.
اليمنيّون من معدنٍ ذي بساطةٍ مركبة، دهاةٌ وفي منتهى الطيبة، أبناء الحياة المرّة، لكنهم صنّاع الجمال والحكمة والبشاشة. في صنعاء، كنت أجد نفسي على تماسّ مع قلق القصيدة واحتمالاتها الصعبة، وفيها كتبت كثيراً ونشرت كثيراً أيضاً.
لو قدّر لصنعاء أن تخرج من زمنها الكارثيّ هذا، لكنت أول العائدين، معها، إليها.
وجدان الصائغ: مدينة الثقافة
لم يكن القرار سهلاً عام 2009 أن تترك وطناً ألفته وأحببت كل ما فيه. كانت إقامتي في مدينة ذمار الفاتنة المتربعة على عرش القلب، مدينة صغيرة بكل ما تعنيه الكلمة، ولكنك تفاجأ بكمّ الحراك الثقافي الذي يضج تحت أضلاعها، فتجد الغربي عمران ومحمد عبد السلام منصور وعباس الديلمي وعبده الحودي يوفرون مكتبات وحوارات ثقافية، ومثل ذلك يقال عن أحفاد رواد الثقافة اليمنية: الحضراني والموشكي والبردوني، ولا تفتأ تسمع وأنت في شوارعها ما كانت تردده غزالة المقدشية: “سوا سوا يا عباد الله متساوية”.
تجربتي النقدية كانت تعكس جرأة ارتياد آفاق مدهشة على صعيد القصة والرواية والشعر، فنشرت كتباً عدة خصصت بها الإبداع اليمني، ولي أمنية: أن أعود إلى ذمار المدينة الأحبّ إلى قلبي، وأزور جبل صبر، وإب المدينة الأنيقة، ومدينة دمت الملفعة بالعيون المعدنية.
صبري مسلم حمادي: إبداع خصب
وصلت اليمن أواخر عام 1999، وفوجئت بالمشهد الشعري والسردي اليمني، وبدأت أقرأ نتاجهم الإبداعي بشغف ورغبة في التعرف على هذه الأرض الخصبة بالإبداع، وحين التحقت بجامعة ذمار مع الدكتورة وجدان الصائغ أستاذاً ثم عميداً لكلية الآداب ثم رئيساً لقسم اللغة العربية، شجعت طلبتي على أن يسجلوا في بحوث التخرج وبحوث الماجستير والدكتوراه عن أدباء يمنيين، بعدها وبمساعدة زوجتي دكتورة وجدان سجلنا موضوعات ماجستير عن عبد العزيز المقالح ومحمد الشرفي ومحمد عبد السلام منصور ومحمد حسين هيثم وحسن الشرفي وسواهم.
وقد أصدرت كتابين عن الأدب اليمني هما: “متون يمانية” و”الجذور والآفاق، دراسات في الأدب اليمني المعاصر” وقد ودعتنا اليمن بالزهور وبعواطف جياشة مطلع عام 2009، ولو قدر لي العودة إليها فسأعود، فلدي مجموعة رائعة من الأصدقاء والأحبة متشوق لرؤيتهم والحديث معهم، اليمن هي حبي الثاني بعد العراق.
عبد الرزاق الربيعي: مدينة الجمال
وصلت اليمن يوم 7 كانون الأول 1994، وكان في استقبالي بمطار صنعاء صديقي الشاعر فضل خلف جبر، وغادرتها يوم 11 آب 1998، وحالت زخة أمطار غزيرة دون دخولي المطار إلا بعد توقفها، وكأنّ اليمن لا تريد أن أغادرها!
في اليمن، لمست بساطة الحياة والناس، وعبق التاريخ يضوع من تلك الأمكنة، صادقت أدباءها، وفقراءها، ووزراءها، ومجانينها، وما تزال علاقتي مستمرة بكثيرين منهم، وأعد ولادتي الشعرية والمسرحية الثانية تمّت في اليمن، فقد توفر لي المناخ المناسب للقراءة، والكتابة، والاحتكاك بأصحاب التجارب الشعرية العالية في مجلس المقالح الأدبي.
زيارة اليمن فرض عين، كونها مثل بيت الجدّ الذي نشمّ به عبق الماضي، وفي الأحوال كلها، مسقط شقيقة صنعاء، وبغداد في التاريخ، والشعر، والجمال.