أزهر جرجيس لـ(مجلة الشبكة): لكلٍّ منا حكايةٌ تستحق التدوين
علي السومري /
قاص وروائي عراقي ولد عام ١٩٧٣، امتاز بكتاباته الساخرة، نشر العديد من المقالات والقصص في الصحف والدوريّات المحلية والعربية. أصدر كتباً عدّة كان أولها (الإرهاب.. الجحيم الدنيوي) عام 2005. غادر العراق بعدها إلى منافٍ عدة، بينها سوريا والمغرب، ليستقر أخيراً في مملكة النرويج. واصل إصدار كتبه، التي حققت رواجاً جيداً لدى القراء، بينها (فوق بلاد السَّواد)..
مجموعة قصصية صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت العام ٢٠١٥، و(صانع الحلوى).. مجموعة قصصية صدرت عن منشورات المتوسط/ إيطاليا العام ٢٠١٧، و (النوم في حقل الكرز).. رواية صدرت عن دار الرافدين/ بيروت العام ٢٠١٩. يعمل حالياً محرّراً ثقافياً في صحيفة (تليمارك)، ومترجماً فورياً بين العربية والنرويجية، إنه القاص والروائي أزهر جرجيس، الذي كان لنا معه هذا الحوار، حوار ابتدأناه بسؤال:
* عرفك الكثير من القرّاء من خلال مدوّنتك على الفيسبوك، التي حظيت بمتابعة كبيرة. هل كانت هذه المدونات القصيرة تخفي شخصية أزهر جرجيس كأديب وقاص وروائي؟ أم أنها هي التي فتحت قريحتك للكتابة في مشاريع أوسع وأعمق؟
ـ قبل ولادة الفيسبوك بنسخته النهائية وتحديداً في العام ٢٠٠٥، كنت قد نشرت كتاباً ضمّ مجموعة من القصص والمقالات الساخرة، لكنّه للأسف لم يأخذ حقه في الانتشار، كان عنوانه (الإرهاب.. الجحيم الدنيوي)، وقد سبب لي مشاكل كبيرة آنذاك. كذلك كتبت العديد من القصص لصالح المواقع والدوريات العربية، ولعلّ بعضها ما زال مؤرشفاً هناك، لكن دخول الفيسبوك بفضائه الواسع، وإن جاء متأخراً، واستخدامه كمنصّة جاهزة للنشر كان مغرياً بحق، ليس لي فحسب، بل لكل كاتب لديه ما يقوله، ولاسيما أولئك الذين اضطُرّوا للابتعاد عن مجتمعاتهم وباتوا لا يملكون وسيلة للنشر والتواصل سوى الإنترنت. لقد اختصرت مواقع التواصل الاجتماعي المسافات وجعلت الوصول إلى القارئ في متناول اليد، ولعل هذا من نافل القول، في النهاية لا أظنّ أنّ أحداً، مهما بلغت مكانته وقيمة منجزه الثقافي، يستطيع إنكار فضل فيسبوك عليه، ومن يفعل ذلك مكابرٌ بلا شك.
* من خلال قصصك في (صانع الحلوى) تحديداً هناك انفتاح على تجربة عراقيي المهجر، وتدوين جانب من تجاربهم. هناك من النقّاد والقرّاء من يعتقد أن جزءاً مهماً من التجربة العراقية موجود في المهاجر، وما زالت النصوص قليلة لتدوين هذه التجربة، ما هو رأيك؟
ـ أتفق مع هذا الرأي تماماً، فلكل مهاجر حكاية تستحق التدوين، ولاسيما أنّ الهجرة بالنسبة للعراقي لم تكن ترفاً ذات يوم، لقد أجبرته الحروب والطغيان والجوع والتشرّد على الهرب والبحث عن وطن آمن، في رحلات قاسية لم يُدوّن منها إلا النزر اليسير. لكنْ، الغريب في الأمر أنّ الكثير من هؤلاء النقّاد اعتادوا على حمل عصا التصنيف والتلويح بها بوجه من يفعل ذلك، فاصطلاحات كأدب المهجر ورواية المغتربين وغيرها، جعلوا منها سُبّة لكل نص يروي حكاية مواطن يعيش خارج أسوار الوطن، وكأنّ القصّ حكرٌ على فئة بعينها، ولعل هذا واحد من أسباب شحّة هذه النصوص. شخصياً لا أجد سبباً علمياً وراء هذه التصنيفات، ولا مبرّراً يشرّع مقايسة النصّ على محل إقامة صاحبه، فالقصّ فعل جمالي ينبغي ألا يُخضع للتصنيف المكاني.
* كتبت قصصاً وأصدرت كتابين بهذا اللون الكتابي، وكانت كتباً ناجحة، لماذا الاتجاه الى الرواية؟ هل هي حلم مؤجل، أم نوع من التنويع في التجربة الكتابية؟
ـ المسافة بين القصة والرواية ليست شاسعة إلى هذا الحد، والقواسم المشتركة بين هذين النوعين السرديين كثيرة. من بين تلك القواسم، بل أهمها ـ برأيي ـ هي الحكاية، ففي كلا النوعين هناك ما يُحكى للقارئ، غير أن الحكاية هذه، وبالنظر إلى موضوعتها وظرفها الزمكاني وكثافة الأحداث فيها، قد تحدد نوع النص وتفرضه على الكاتب. ولعل هذا ما حصل معي في (النوم في حقل الكرز)، فحكاية (سعيد ينسين) فيها من الأحداث ما لا تستطيع القصة القصيرة استيفاءه، فضلًا عن موضوعة (الفقد)، التي عاشها في كل مراحل حياته، والتي تحتاج إلى حريّة أكبر في السرد ومساحة أوسع للتفصيل. لقد وجدت في الرواية فضاءً رحباً للحكي بالمقارنة مع القصة، كذلك لا يخفى أنّ للرواية مغرياتها الكثيرة ولاسيما بعد أن باتت الفن الأوسع انتشاراً، لكنّ علاقتي مع القصة لم تصل إلى الطلاق بعد.
* اليوم أصبح السرد العراقي منتشراً في العالم، بعد أن عُرف عن العراق بأنه بلد الشعر فقط، ماذا تقول أنت؟
ـ الفنون الإبداعية بشكل عام متساوية في التعبير والمكانة، وسطوع نجم بعضها لا يُعد دليلاً على تفوّق وأفضلية. كان الشعر ذات يوم صلاةً يُهتدى بها، وكانت قصائد هوميروس تُنشد وتُغنّى قبل أن يظهر أثر فنّي للوجود، لكن الحال تبدّل وصار السرد قبلة لقرّاء الأدب وعشّاقه. لقد طغى الشعر في زمن الفطرة والأساطير، على حدّ قول نجيب محفوظ، أما الزمن الحالي؛ زمن العلم والحقائق، فالسرد هو الفن المناسب لمن يتعاطى الأدب قراءة وكتابة. أرى أيضاً أنّ للحرب دوراً في انتشار فنون السرد، ففي المدن التي تتعرض للحرب يكون من الطبيعي جداً أن يقوم الناس بتدوين قصصهم وحكاياتهم معها، غير أنّ شيوع السرد بات لا يقتصر على مدن الحرب فحسب، بل تحوّل إلى ظاهرة عالمية لا ينكرها كثيرون. إن استسهال قول ما يشبه الشعر، والتعكّز على الحداثة، بالإضافة إلى كثرة المدّعين، أسباب ساعدت في خفوت ضوء الشعر ورجحان كفّة السرد لدى القارئ بشكل عام.
* أقمت أكثر من حفل توقيع لكتبك داخل العراق وخارجه، كيف تقيّم فعاليات كهذه؟ وهل تسهم في انتشار الكاتب؟
ـ حفلات التوقيع مناسبة طيبة للقاء القرّاء والاستماع إلى آرائهم والاستئناس بها، كذلك هي مقياس جيد لمعرفة الجدوى من ممارسة فعل الكتابة، فنحن نكتب للقارئ ومن يدّعي أنه يكتب لنفسه لا يكذب فحسب، بل إنه كافر بشكل مفزع حتى من وجهة نظر علمانية، كما يقول أمبرتو إيكو. لقد حضرت عدة معارض كتب، عراقيّة وعربيّة، ولبّيت دعوات ثقافية داخل العراق وخارجه، وأقمت أكثر من حفل توقيع وكنت في كل ذلك سعيداً. هذه الفعاليات مفيدة للجميع؛ القارئ، الكاتب والناشر، ولا أجد مبرّراً للعزوف عنها. يسعدني لقاء القرّاء وأرى أنّ تحاشي الاحتكاك بالقارئ حالة متأخرة من داء التعالي.
* ما جديدك؟
ـ بدأت بكتابة رواية جديدة قد تستغرق عاماً آخر.