أسهم في صنع جيل مؤمن بالقيم الأخلاقية.. هل حان الوقت لإحياء المسرح المدرسي؟

258

خضير الزيدي/
بات مؤسفاً أن نقول إن غالبية نقاد المسرح والمتابعين لهذا الفن قد ابتعدوا عن التذكير بالمسرح المدرسي بما يقدمه من فعاليات وأنشطة ذهنية تعزز قدرات التلاميذ والطلاب معاً.
ولا نريد الخوض في الأسباب بقدر ما نريد أن نوجه عناية الجميع للالتفات الى أمر مهم تبناه النشاط المدرسي منذ زمن بعيد فيما يخص المسرح المدرسي، الذي يعد الآن غائباً ومفتقداً لحضوره السابق. فهل تأخر الحديث عن هذه الرياضة الذهنية، بعد أن تميز بجوانب عدة تتعلق بالمعرفة والتعليم، فهذا الفن التطبيقي يمتلك من الخصائص الجمالية قدراً موسعاً، فكما هو معروف يستلزم مهارة من نوع خاص يبديها المتدرب ويحتاج الى تمارين رياضية وذهنية تخص الأداء، بالإضافة الى التصويب الدائم في مسألة النطق، إذ بات واضحاً أنه يحتاج الى عناية استثنائية واستيعاب وتمرين في وضوح كل معالم هذا الفن.
صانع المواهب
لطالما شكل المسرح المدرسي الانطلاقة السليمة لجيل من المبدعين الحقيقيين، فهو يكشف الجمال ومعرفة الذائقة الفنية، ناهيك عن الدور النفسي والسلوك الاجتماعي السليم، فمن يتدرب على الفن المسرحي وعوالمه لن تجد في داخله كبتاً وحرماناً وخوفاً، بل تتيح له فرصة التدريب على النص المسرحي معرفة أساسيات القصة المسرحية ليفصح عن خلجاته النفسية، ولا يرتهن لنمط سلوكي معين أقرب الى التوحد والانفعال والانطوائية. فنحن في حاجة الى إحياء هذا الفن في مدارسنا، لما يتضمنه من صحة نفسية واكتساب لقدرة معرفية يتعلمها الطالب، فالمسرحي يعطينا شرعية لوجودنا من خلال معايير كثيرة، أولها الحديث مع الآخر ومخاطبته بوعي ودراية، وثانيها تقويم السلوك استجابة لإرادة الذات مع الآخر وقد تخلق طبيعة الحوار جواً من الود والانسجام، وهنا سيكسب التلميذ عقائد معينة إذا تعرف على المسرح الملحمي والتاريخي ومسرح التشبيه، كل ذلك سيتوقف على معيار اللغة ومعيار الدراما ومعيار الملاءمة، يضاف الى هذه المعايير الجمالية ما هو أكثر أهمية، حيث المعايير الفكرية التي تتمثل بالأخلاقي والتعليمي والسياسي والثوري، كل هذه وغيرها ستضيف قدرة للتلميذ / أو الطالب / وسنجده يقدم استعراضاً لقدراته الذهنية والرياضية، فثراء التنمية في مثل تلك المفاصل يشدد على ضرورة الالتزام وسيكون المسرح المدرسي تجريباً يحد من صعوبة الطالب في المستقبل.
خشبة المسرح عند المتدربين من التلاميذ تستعرض لنا عقلياتهم وسنحكم عليهم برؤية مستقبلية تتحقق فيها لاحقاً الشروط والقواعد السليمة، فالمسرح بالأخير هو فن محاكاة وفن صراع وفن أفكار، ومن هنا ستكون خصائصه ونماذجه وعلاقاته نقطة ضوء تسري في نفسية من يعتلي منصة المسرح.
مخيلة الطالب
يعتقد (إدوارد كوردن كريج) أن التمثيل المسرحي ما هو إلا امتداد للرقص والتمثيل الإيمائي، إضافة الى أمر آخر، وهو مهم لقراءة النص الأولي، إذ سيحفز عالم القراءة مخيلة الطالب ويتدرب على النطق واللغة السليمة، وبالأخير نتوصل الى أن إبداع الطالب المحب للدرس المسرحي.
إن من الأهمية أن نتحدث اليوم عن وضع خطط وستراتيجيات تعيد النظر بأهمية المسرح المدرسي، ليس لأنه مغمور فقط، بل لأجل إحيائه لما يمتلكه من أهمية اجتماعية وتربوية. ويبدو الخوض في استعادة هذا المسرح ليس صعباً طالما يمكن أن نتحكم بوعي التجديد لخطاب المسرح وأهدافه الأساسية ومساراته الأسلوبية وكل ما يحمل من حقائق ليوميات حياتنا ومشكلاتنا. علينا ألا نتجاهل التجارب الأولى التي وفرت لنا الأسس المعرفية لأهمية هذا المسرح وجعله طوق نجاة وأبجديه فكر قائم بيننا، فالفن المدرسي لن يأتي إلا من باب ملكة الإبداع التي هي نقطة الشروع في بدء الانفتاح على عوالم المسرح بكل إيجابياته، ولكن ما الذي يتوجب علينا فعله؟ علينا التأكيد بأن المسرح المدرسي له أهمية في العملية التعلمية وأن نقرر تحديد الأهداف المرجوة من كل ذلك. وأيضاً سيكون لزاماً أن تتاح فسحة من الحرية والمرونة والتلقائية لمن يود التعلم في أكثر من مستوى تعبيري أو لفظي.
ولعل اللافت هنا التركيز على الميول والاهتمامات التي يبتغيها الطفل للتمثيل، وقد يتحقق أكثر من تطور لو تركت له حريته وإرادته بعد اكتساب الدور التعليمي، وهذا ما يعزز مهاراته الجسدية والذهنية.