أنوار المتنبي تضيء ليل بغداد

557

استطلاع / علي الشيخ داغر-تصوير/ صباح الامارة 

ما إن تقطع شارع الرشيد ليلا هذه الأيام، متوجهاً من ساحة الميدان صوب تمثال الرصافي، سترى أضواء ساطعة مصدرها شارع المتنبي، وحركة غير مسبوقة للشباب والعائلات العراقية داخله، حركة اعتدنا عليها نهاراً، لكن غرابتها تكمن في أنها أصبحت طقساً ليلياً من طقوس البغداديين بعد إعمار الشارع وتوجه بعض أصحاب المكتبات والمقاهي لافتتاح مكتباتهم ومقاهيهم فيه حتى ساعات متأخرة من الليل.
وبالرغم من حشود الزائرين في شارع الثقافة ليلاً، إلا أن الشارع يحتاج إلى مقومات تسهم في ديمومة هذا الزخم بما يخدم الثقافة وسوق الكتاب في العراق.
ومن أجل تسليط الضوء على الشارع وما يحتاجه، استطلعنا آراء بعض أصحاب المكتبات هناك للحديث عن انطباعاتهم، وسبل النهوض بواقع المتنبي، وعن حجم المبيعات ليلاً فيه، وعدم تفاعل الكثير من أصحاب المكتبات وامتناعهم عن افتتاح مكتباتهم ليلاً.
استعادة الالق
الكُتبي ياسر عدنان، صاحب (مكتبة ودار عدنان للطباعة والنشر) يقول: “كل شيء في شارع المتنبي اليوم بات جميلاً، فقد تحول بعد إعماره إلى مكان في غاية الروعة، الشارع وترتيبه والإضاءة، لكن كما تعرف فإن هذا الشارع لم يشهد -منذ تأسيسه- سوى أن يبقى حتى الساعة الرابعة عصراً، لكن اليوم نجد أنه مفتوح لرواده حتى منتصف الليل، وهو شيء جديد على العائلات البغدادية، التي لم تعتد زيارته ليلاً”. وعدّ الكُتبي ناجي عبد الزهرة، الذي يدير منشورات (نابو) في المتنبي إعادة ترميم وتطوير شارع المتنبي بالخطوة المهمة لإعادة مكانة هذا الشارع الحقيقية، بالرغم من بعض السلبيات والملاحظات، واصفاً إياه بأنه اليوم يظهر بحلّة جميلة تليق بتاريخه وأهميته الثقافية. أما بشأن افتتاحه ليلاً، قال عبد الزهرة: “بالتأكيد كان حدثاً مفرحاَ لكل رواد المتنبي وأصحاب المكتبات ودور النشر، إلا أن مثل هذه الخطوة تحتاج إلى إدامتها، لتطوير ما يحيط بشارع المتنبي، وبالتحديد شارع الرشيد المظلم ليلاً والمهمل للأسف،” مشيراً إلى أهمية توفير الأمن للأماكن المحيطة بالشارع، وافتتاح المقاهي والمطاعم، وتوفير وسائل الراحة لزواره ورواده.
قبلة الثقافة
في حين تحدث الكُتبي موسى محمد، أحد كوادر منشورات (درابين) في شارع المتنبي عن أهمية الشارع واستعادة ألقه من جديد، معبراً عن سعادته بعد ترميمه، متمنياً أن يتحول الشارع إلى قبلة لعشاق الثقافة والفن وكل من يهتم بهما وأن لا تتوقف هذه الحملة بعد حين.
زوارٌ مختلفون
حشود الزائرين ليلاً دفعتنا لتوجيه سؤال إلى من استطلعنا آراءهم عن مبيعاتهم للكتب، وهل نجحوا باجتذاب الزائرين لمكتباتهم وتسويق منشوراتهم؟
عن هذه الموضوعة قال ياسر عدنان: “أغلب العائلات التي تأتي إلـى المتنبي ليلاً، تختلف عن التي اعتدنا زيارتها في النهار، ففي الوقت الذي تقضيه العائلات التي تزور الشارع نهاراً بتصفح الكتب وشراء بعضها، نجد أن زوار الليل يهتمون بالتجمع والتقاط الصور وزيارة الشارع كمعلم سياحي،” مشيراً إلى أن مبيعات الكتب لم تشهد قفزة بعد افتتاحه ليلاً. في حين قال ناجي عبد الزهرة: “لا توجد مبيعات ليلاً، وهذا من وجهة نظري، من خلال مشاهدتي وبقائي مرات عديدة في المكتبة ليلاً، وإن وجدت فهي قليلة جداً، لهذا فهي لا تغري أصحاب المكتبات للمغامرة والبقاء ليلاً، بسبب الأجور الإضافية التي يجب أن تدفع للموظفين والعاملين في (الشفت) المسائي،” مضيفاً أن زوار الشارع ليلاً يأتون للتنزه والترفيه والاستمتاع بالمكان وجماله، وليس لشراء الكتب، مبيّناً أن هذا أحد أسباب عدم تفاعل أصحاب المكتبات وفتحها ليلاً. ولم ينكر موسى محمد الزخم الكبير لزوار الشارع ليلاً، لكنه قال: “لكن حدثني عن المبيعات، فالمكان تحول -للأسف- إلى موقع للتصوير ولقاء الأصدقاء والعائلات، وبمعنى أدق، فإن نسبة المهتمين بالكتاب من زوار الليل لا تتعدى العشرة بالمئة، لهذا لا توجد مبيعات يعتد بها في الليل”.
توفيرُ الامن
وفي الحديث عن عدم تفاعل أصحاب المكتبات مع حركة الليل في الشارع، فقد اتفق الجميع على أن أسبابها عائدة إلى حاجة الشارع إلى الاهتمام بمقتربات الشارع وتوفير وسائل الراحة، كافتتاح المطاعم والمقاهي وإنارة شارع الرشيد المظلم ليلاً.
فيما اقترح ياسر عدنان وضع منهاج ثقافي في الليل من أجل تنشيط حركة سوق الكتب، مثل إقامة حفلات توقيع الكتب والأماسي الثقافية والفنية والحفلات الموسيقية، وأن لا نركن ونقف عند ترميم الشارع فقط.
وهو ما أشار إليه ناجي عبد الزهرة في حديثه، مشدداً على أهمية أن يكون المتنبي وما يحيط به آمناً وحيوياً لديمومة نشاطه.
أما موسى محمد، فقد تحدث بمرارة عن عدم تفاعل افتتاح المكتبات ليلاً، عازياً ذلك إلى جمهور الشارع ليلاً، متمنياً أن يتم استثمار الشارع ثقافياً من أجل تنشيط حركة سوق الكتب فيه، التي قال عنها
إنها معدومة في الليل.