الإعلامي والأديب إبراهيم الجبين لـ “الشبكة”: الإعلام سلطة رابعة ولايمكن تجاهله أبداً

1٬198

خضير الزيدي  /

إبراهیم الجبین كاتب وإعلامي سوري یقیم في ألمانیا. عمل في حقول الصحافة والإعلام وأنجز العديد من البرامج الوثائقية منها “أسامة بن لادن في سوریا” إخراج نبیل المالح ـ 2002 “مطموراً تحت غبار الآخرین” ـ إخراج علي سفر2008 ” “الأمیر عبد القادر الجزائري في دمشق”ـ إنتاج الیورومید” 2009 أهل الرأي”ـ قناة الرأي 2007 “علامة فارقة” ـ الفضائیة السوریة ” 2008 باسم الشعب” ـ قناة أورینت” 2011 الطریق إلى دمشق”ـ قناة أورینت” 2012 أبو القعقاع السوري” ـ قناة الجزیرة ـ مشاركة.

*عن منجزه في حقل الإعلام كان لنا معه هذا الحوار الذي لا يخلو من مصداقية المثقف الذي نعرفه ولا عن هواجسنا في الإعلام المسيس الذي تعيشه اغلب الفضائيات:

-من يتابعك عن كثب يجدك متنوعاً في حقول الإبداع الإنساني (الشعر..الرواية ..الدراسة ..بالإضافة الى العمل التلفزيوني)، بودي أن أتساءل أي الحقول أقرب إليك بعد هذا الجهد الثقافي؟ -أقرب الحقول دون تردد هو الشعر، لكن العالم اليوم أصبح غير ذلك، العالم الذي قدم الفنون والآداب وفق التصنيف والأجناس الأدبية، وصرتَ تشعر أنك في الرواية تدخل فجأة في غلالة من الشعر، أو في الفيلم الوثائقي تستمع بالقص، أو في الدراسات تقدم لغة أدب لا لغة بحث وحسب، في الحوار على الشاشة أيضاً هناك أسرار في العلاقة مع المشاهدين لا تقل إثارة عن لحظات إلقاء القصيدة، دون افتعال ودون تكلف، تجد نفسك محمّلاً بكل سلال المعرفة والأذواق وأنت تعمل. المهم أن تعمل باستمتاع، ولكن غالبية الأشياء من حولك تحاول حرمانك من تلك المتعة.

*كيف بدت لك ساحة الإعلام والعمل التلفزيوني؟ وهل وجدت ما كنت تطمح إليه؟

-الإعلام عالم واسع مليء بالتشويق والإثارة، زاخر بالمعارف والأدوات، محفوف بحقول الألغام والمياه المسمومة، وهو فوق ذلك كله مجال تنافس كبير علـي مستوى العالم، تكنولوجياً ولغوياً وبصرياً. في العالم العربي ما زلنا في مرحلة اكتشاف الترفيه الإعلامي، ليست هذه هي الوظيفة الوحيدة للشاشات والإذاعات، هناك مهمة إيصال الوعي والتدخل في صناعته، وهذه مهمة مرفوضة كلياً من قبل الأنظمة العربية. بعيداً عن السياسة، هناك فهم خاص بهذه الأنظمة لدور الإعلام، فهم يعتقدون أنه مجرد مرآة تعكس أدوار بقيات مؤسسة المجتمع، لكن الإعلام مؤسسة قائمة بحد ذاتها أو لنقل حزمة مؤسسات لها أخطر الأدوار وأكثرها فعالية في هذه اللحظة، وجدت نعم بعض ما أبحث عنه، وحققت فيها نجاحاً كبيراً وفق ما تقوله الإحصاءات ومعدلات المشاهدة، فلم يعد هذا اليوم مجالاً للادعاء والتفاخر، هو أمر تحصيه الأجهزة التقنية وتنظر فيه شركات الإعلان وتهتم به، وعلى سبيل المثال لم يكن عادياً على الشاشة الرسمية السورية أن تقبل شركات كبرى مثل كوكاكولا وسوني وغيرها وضع إعلاناتها في برنامجي الحواري “علامة فارقة”، بحيث كانت نسبة الإعلانات تفوق الـ ١٠ دقائق من أصل ٥٠ دقيقة زمن كل حلقة، هذا يعتبر إنجازاً، في المقابل ماذا فعلت الإدارات الرسمية؟ أوقفوا البرنامج ومنعوني من الظهور على الشاشة السورية، هل رأيت؟ هذا يعكس لك أنهم لا يدركون معنى المهمة الإعلامية ولا جدواها.

* هل هذا الوضع مشابه لبعض القنوات العربية التي عملت معها؟

– نعم بالتأكيد، لا استثناءات عربية إلا ما ندر، غير أن ما يدفع للأمل وجود إدارات هنا وهناك تحاول أن تخرق القاعدة وتتجه نحو إعلام ذكي ومتطور. من عملت معهم خارج الإعلام الرسمي يملكون محطات خاصة، ويريدون لمؤسساتهم أن تنجح، قد يجتهدون ويصيبون أو يخطئون، لكنهم لا يعكسون تماماً الوعي السائد لدى الإعلام الرسمي، أنظر إلى العراق أو لبنان اليوم، أو حتى مصر، انفجار إعلامي وعشرات المحطات التلفزيونية، لكن هل هناك جديد حقاً؟ موجود ولكنه شحيح جداً، وأنا أشعر بالامتنان الكبير لكل من عملت معهم، حتى أولئك الذين ينتمون إلى الذهنية المضادة للتطور والحرية، أنت تتعلم الكثير من كل تلك المختبرات.

*ألا تجد أن الخطاب الإعلامي العربي مسيّس وبالنتيجة تخضع برامجه لمعايير السلطة ورقابتها وهذا ما يحد من أية جرأة تقدم كإعداد تلفزيوني؟

-نعم مسيّس، لكن حتى السياسة تستثمر في الإعلام، أسألك بالله؟ من هو العدو الأول للأنظمة العربية؟ أليس إعلامها الذي يظهرها بأغبى صورة؟ يفهمون الجرأة في الحديث عن الجنس والشذوذ وجرائم المجتمع، لكن الجرأة هي ليست فقط في هذا المجال، بل في تغيير الوعي كما قلنا، وفتح الحوارات واستفزاز السلطات بمعانيها العديدة، البيروقراطية والدينية والتربوية والعشائرية وغير ذلك، لكن هذا قدر الإعلام، ألم تر كيف واجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب صحفي السي أن أن جيم أكوستا بطريقة وقحة، ومنعه من توجيه الأسئلة ومنعه من دخول البيت الأبيض، ثم كيف حكمت محكمة أميركية بإجبار الرئيس والبيت الأبيض على تجديد ترخيص أكوستا من جديد؟ هذه تجربة تقول لنا إن الإعلام بالفعل سلطة رابعة، ولا يمكن تجاهله في أي مكان على الكوكب.

* هل تتوقع أن الدول العربية ستلتحق بركب هذه الأنظمة وقوانينها لتنتصر لإرادة السلطة الرابعة؟

– التطور في الإعلام مثل التطور في الحياة العامة، حتمي ولابد أن يحدث، بالطبع هناك مقاومة وممانعة شرستان، لكن هذا لن ينفع، فالقادم قادم، لكن علينا أن ننتظر، وربما نعمل وننتظر ولا نقف جانباً.

*ساهمت في إحياء برامج متنوعة لكن يبدو أن الوثائقيات تستهويك، هل هذا نابع من جذرك الثقافي ومرجعيتك الأدبية؟

– نعم معك حق، الثقافة بوابة، وهي قادرة وحدها على جعلك تفتح كل السجالات في كافة الحقول، وأنا مازلت أفهم وجودي في الإعلام كقادم من الأدب وليس من استوديو الأخبار ولا من صفحات السياسة.

*تعيش في الغرب منذ زمن فكيف تبدو صورة العربي في الإعلام الغربي هل وفرت الأجواء لك فرصة أن تعكس شخصيتك؟

-حقيقة هناك فرص كثيرة، والتنافس هنا في أوروبا ليس بذيئاً مثل تنافس الساحات في عالمنا العربي، لكن أنا شخصياً لم أجد نفسي متحمساً في هذه الفترة للعمل على الشاشة، حتى إن اعتذرت عن الظهور كضيف في مرات عديدة، السبب أن هناك فوضى كبيرة تضرب التلقي والبث عندنا في الوقت ذاته، هكذا أنت تصبح مثلك مثل كثيرين يخرجون للتهريج أو لإيصال رسائل طائفية أو عنصرية أو غيرها، وأنا لا أرغب بلعب هذا الدور. في الوقت ذاته، لم أتقبل فكرة أن تتاح لي فرصة العمل في الإعلام الغربي من باب التعاطف معي كقادم من الشرق الأوسط المحترق، لذلك فضلت أن أبقى في طابق الأدب والكتابة الصحفية في هذه المرحلة.

* عملت في أكثر من فضائية وأعددت برامج وقدمتها، أي من تلك البرامج بقيت في ذاكرتك ووجدانك؟

– لم أشتغل على مشروع من تلك المشاريع من دون شهية عالية، وحماس كبير، لذلك أجد أنها كلها قريبة مني، ليس هذا فقط بل أجد أن كل تجربة منها أشبه برحلة حقيقية، فيها بداية ونهاية وتضاريس ومشاق هائلة ومتع وإنجازات، وحتى حين لا تكون كذلك كنت أحرص على جعلها بهذا الشكل عبر رفع عيار المواجهة مع المحظورات، لتكون هناك ردود فعل من هنا وهناك، فتنشأ القصص، وهذا هو الإعلام من وجهة نظري المتواضعة، إن شئت “علامة فارقة” كان برنامجاً مميزاً على الشاشة السورية، وقد حصد شهادات تقدير من مهرجانات عربية مثل مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، (الطريق إلى دمشق والربيع العربي والثورات والروح التي انتشرت بين الناس). “مطموراً تحت غبار الآخرين” فيلم بسيط عن شاعر قصيدة نثر عجوز رائد ومجدد، لكنه بات مغموراً منسياً في بلدة قديمة، أظهرناه وقدمناه من جديد. “أسامة بن لادن في سوريا” فيلم منعُه قدم له الكثير، يتعامل معه الناس كما لو أنه عرض حقاً، لكن الغالبية لم تره بسبب منعه ومصادرته من قبل أجهزة الأمن، قدم حقائق اشتغلت عليها مراكز أبحاث لاحقاً، حول هوية والدة بن لادن السورية وزوجته الأولى وحياته للعشرين عاماً الأولى من عمره هناك وتأثير ذلك على وعيه. فيلم “أبو القعقاع السوري” مغامرة حقيقية، وصلتني بعدها مئات التهديدات من الإسلاميين الذين اعتبروني أزوّر علاقتهم مع المخابرات العربية والدولية، والحقيقة أني وثقت ما عشته وما شهدته، خاصة في دور تلك الأجهزة في صناعة الإرهاب في العراق وبناء مشروع ما عرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام مبكراً. مع ذلك أجد أني لم أفعل شيئاً بعد، وأتمنى أن تأتي الفرصة لنقدم ما نشعر بالرضا عنها ولكنها قد لا تأتي أبداً من يدري!.