الثقافة تبدأ بالمظهر الجميل

256

سلامة الصالحي /

تقول إحدى الكاتبات الأميركيات إن “السعادة تتلخص في الحب والصلاة وإناء صغير.” عندما نراقب ونرصد صور شعوب العالم، تجذب انتباهي رشاقة أجسادهم ولياقتهم الرياضية. ولا يقتصر الأمر على النساء، بل الرجال أيضاً، وهذا يعكس أن نظاماً غذائياً وحياتياً صحياً قد اتبعته هؤلاء الشعوب، إذ قد تصل العقوبة إلى السجن أو الغرامة المالية في اليابان إن زاد وزن أحدهم على المعتاد.
إن ما يهمني في هذا الأمر هو مانحن فيه من محن كثيرة تبدأ بالفساد وارتفاع الدولار، ولا تنتهي بأنظمة خاطئة في التغذية وممارسة الأنشطة اليومية، فإذا ما سرت في الشارع، أو السوق، أو دخلت أي مكان، سواء المقاهي، أو صالونات الحلاقة، أو المطاعم، أو دوائر الدولة، ومن ضمنها المؤسسات الصحية من مرضى وموظفين، فإنك سترى كتلاً بشرية تتحرك بعنفوان لا يوحي بأي مظهر من مظاهر الصحة أو الجمال.
فالنساء والرجال، وحتى الأطفال، يحرصون على تجميع كتل زائدة في أجسامهم، كأن الحياة هي الطعام فقط، وربما كانت ثقافتنا الغذائية التي تغلب عليها كمية كبيرة من الدهون والسكريات، التي امتدت إلى أجيالنا، بعد ان كانت تستهلك في العمل والحركة المتواصلة، إلى هذه الأجيال التي تقضي معظم أوقاتها خلف الكيبورد لساعات طوال، ما يجعل الأجساد تنوء بأثقال زائدة عن الحدين الطبيعي والصحي.
وقد لجأ -في الفترة الأخيرة- كثير من الرجال والنساء إلى الجراحة بعمليات قص المعدة أو تغيير مسارها، دون أن يفكروا في تغيير مسار عاداتهم الغذائية والرياضية. ولا يخفى ما لهذه العمليات من مخاطر صحية على المديين البعيد والقريب، إذ تحدث العملية إخفاء زغابات امتصاص الحديد الذي يؤثر في المستقبل على الصحة العامة للجسد، ما يؤدي إلى فقر دم شديد قد يهدد الحياة أو يجعل المريض تحت رحمة الأدوية والإضافات الغذائية.
تضاف إلى هذه الاوزان الأزياء التي يحاول البدين بواسطتها إخفاء هذه الزيادات، لكنها تبرز وبشكل مثير للاشمئزاز والقرف. وهنا تقع مسؤولية كبيرة على الأهل في متابعة غذاء أطفالهم والسيطرة على النهم غير الطبيعي في التهام الطعام وتوسيع حجم المعدة منذ الطفولة، لأن أكثر الآباء والأمهات يفرحهم منظر أطفالهم وهم يلتهمون كميات كبيرة من الرز أو الخبز، ما يؤدي إلى انتفاخ أجسادهم دون أن يجري حرق هذا الغذاء بفعاليات حيوية ورياضية أمام الخمول والركود اللذين يؤديان إلى تزايد الشحوم وتكتلها إلى حد قد يؤدي إلى اضطراب الأيض والتأثير السيئ على هرمونات الجسم دون أن نغفل العوامل الوراثية والصحية التي تؤدي إلى السمنة وتحتاج إلى تدخل الطبيب.
أصبحت الرشاقة والجسد اللائق من مقومات التحضر والتطور والحركة الانسيابية والجمالية للأفراد والمجتمعات، وربما نحن من أكثر الشعوب استهلاكاً للخبز والمشروبات الغازية، اللذين كلاهما ضار في صحة ومستقبل الجسد، فأمام صحن البيتزا الكبير لابد من قنينة كولا كبيرة يحتسيها فرد أو عائلة، ولا يعلمون خطورة وأضرار هذه المشروبات التي تكثر العوائل منها، فلا نغفل تأثيرها على صحة الجهاز الهضمي والعظام والأعصاب أمام تأثيرها الوقتي المنعش. نحن في حاجة إلى إعادة التفكير جيداً بنظامنا الغذائي الذي يفتتح بـ “ثريد” الباقلاء ويختتم بـ “الباجة”. نعم، من الممكن تناول ما يشتهي الناس، ولكن بكميات قليلة لا تتعب الجهاز الهضمي، ولا صحة القلب، ولا تحمل العمود الفقري مالا يطيق، كذلك لا ننسى الثقل على الأقدام والركب، الذي يؤدي إلى تلفها وتراجع قوتها.
السمنة مرض العصر، الذي يجر إلى أمراض كثيرة كالضغط والسكر ومتاعب القلب والمفاصل والعمود الفقري. شعوب العالم استطاعت أن تسيطر على هذا الجانب بالثقافة والوعي والإرادة وممارسة الرياضة والسيطرة على الجسد بالإرادة القوية والحركة المستمرة. ناهيك عما تسببه السمنة من كآبة ومتاعب نفسية ومركبات نقص، تجعل الفرد دائم الغضب من نفسه، ولا يشعر بالرضا والسعادة. لذا يجب التوعية وتناول هذا الأمر بجدية ووعي، وتقنين ما نتناول من طعام غير صحي يشمل المخبوزات والمعجنات، والاعتماد على وجبات صحية مركزة ومتباعدة، واذا لم يستطع الفرد تهذيب شهيته فإن بإمكانه مراجعة أطباء التغذية للخروج بقرار ونتيجة في اتباع نظام غذائي صحي. كما أن الوزن الزائد يجب أن يختفي، فالكثير من شاباتنا ونسائنا قد فقدن جمالهن بسبب الوزن الزائد، ولا أستثني الرجال أيضاً، الذين لا يمارسون الرياضة ويكثرون من تناول الأكل غير الصحي والمشروبات كذلك.
كذلك فإن السمنة باتت داء لا يمكن السكوت عليه، فهو يجر إلى كل أمراض العصر النفسية والجسدية، التي تؤدي إلى تقليل معدل عمر الإنسان، ناهيك عن عقد نفسية قد تتشكل لديه، لأنه لا يستطيع أن يرتدي الملابس التي تظهره بالشكل اللائق والمقبول.