الروائي المصري أشرف العشماوي: الكتابة لعبة ممتعة أمارسها كطفل كبير
محمود طناني /
هو واحد من الروائيين العرب المهمين في الألفية الجديدة، الذين يطورون من الكتابة ويعملون على مشروعهم الأدبي بجدية بالغة. بدأ الكتابة منذ سنوات طوال، لكنه لم ينشر سوى منذ عشر سنوات فقط، وبعد عامين في 2012 صار نجماً من نجوم الأدب العربي، بعد وصول روايته الثانية (تــويا) لجائزة البوكر العالمية كواحدة من أفضل الروايات في الوطن العربي،ثم توالت الجوائز في روايات (المرشد والبارمان وكلاب الراعي)، وحققت رواياته مبيعات هائلة، حتى صار واحداً من الروائيين الأكثر مبيعاً في مصر والوطن العربي بآلاف النسخ كل عام. لم يتعامل العشماوي مع الشهرة مثل غيره ممن سبقوه إليها، بل بدا وكأنه يتهرب منها، جلس في الصفوف الأخيرة متفرجاً، كما يقول، ليرى أفضل. في حواره معنا بدا كعادته متواضعاً مبتسماً ابتسامة واسعة كالتي تظهر في معظم صوره الفوتوغرافية، لكن الأغرب قوله بثقة إنه لا يرى نفسه كاتباً متميزاً، فكان هذا الحوار عن الحياة والكتابة وأشياء أخرى:
لابد من مهنة أخرى لتكتب
*بدأت الكتابة متأخراً ربما عمرك تجاوز الثلاثين بعامين أو ثلاثة، فهل أنت نادم على ذلك؟ وهل تندم في حياتك على محطات كان يتعين عليك التوقف فيها؟
-أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي على الإطلاق، أنا عادة لا أندم على شيء في حياتي، لأنني وقت اختياره فكرت واخترت، وببساطة تحملت المسؤولية وتعلمت من أخطائي واستفدت من مغامرتي وتجربتي، لا أحب كثيراً مقولة لوعاد بي الزمن لفعلت كذا وكذا لأنها غير منطقية، فلو عاد بي الزمن لن يعود وأنا في سني الحالية بل سيعود إلى ما كنت عليه وقتها بثقافتي وخبراتي وتجاربي وتفكيري وقتها، وسأختار نفس الاختيار بالتأكيد. هذه مقولة تدفع لليأس وللنظر للوراء وأنا لا أجيد ذلك والحمد لله.
•هل تعتبر الكتابة عملاً احترافياً وأنت الآن الأكثر مبيعاً في الوطن العربي، وأحد الذين يحققون دخلاً كبيراً من الكتابة الروائية؟
-لا على الإطلاق، أنا ما زلت أرى الكتابة لعبة ممتعة أمارسها بانتظام كطفل كبير ولا شيء آخر. أنا أحب الحكي المسرود على ورق وأستمتع بما أفعله، ولا أفكر في أي شيء آخر، وتزداد متعتي عندما يعجب الناس بما كتبت، مثلما يبني طفل منزلاً من قطع الليجو – اللعبة الشهيرة – فيصفق له من حوله. أما الدخل من الكتابة فأنا لا أتعامل مع الموضوع بهذه الحسابات، صحيح لا أحد يكره المال، لكنني استمتع بإنفاقه أيضاً، وطبيعي أن المبيعات الكثيرة تحقق دخلاً أكبر لكنه ليس بهذه الصورة التي تسمح بالاعتماد على الكتابة كمصدر وحيد للدخل، وربما هي مشكلتنا هنا، ففي الغرب يعيش الكاتب مما يكتبه، أما هنا فلابد من مهنة أخرى لكي يستطيع الكتابة وهو مطمئن بأنه سيجد ما يعيش به، الأمر مختلف تماماً عما قد يظنه الناس بشأن الدخل من الكتابة في مصر .
العزلة أفضل
•معروف عنك أنك لا تحب تقديم النصح للكتّاب الجدد، ومقلّ جداً في حضور ندوات ثقافية لزملائك، فهل ترتبط هذه العزلة بفكرة أنك لست الأفضل، أم أنها أنانية المبدعين؟
-لا، ليست أنانية المبدع إطلاقاً، النصيحة صعبة، فأنا لا أعرف ظروف الناس بالكامل لكي أقول لهم ما يجب أن يفعلوه، لكني أقول رأيي في كتابات الآخرين إذا ما طلبوا مني ذلك قبل النشر، لا أتأخر عن الغالبية وفقاً للوقت ولاسيما أني مريض بالتهاب مزمن في عيني اليسري لا يسمح لي بالقراءة لفترات طوال، أيضاً عملي عائق كبير في إتاحة وقت لندوات او حفلات توقيع، مع ذلك أحاول قدر الممكن المجاملة، وما لا أدركه أكتب عنه إذا ما أعجبني، ثم أن النصيحة وفقاً لما رأيته في الوسط الثقافي لا تلقى قبولاً وترحيباً، في مرات عديدة قلت رأيي ونصيحتي لآخرين فيما كتبوه فقاطعوني وابتعدوا عني وغضبوا من كلامي، مع أنه كان بيني وبينهم وتحت إلحاح منهم، زمان كانت الناس ترغب في التعلم وتبحث عمن يعلِّمها، الآن الكل صار معلماً من أول سطر ولا يريد سوى الصبيان لتصفق له، الدنيا تبدلت كثيراً والعزلة أفضل في حالات كثيرة وتفيد الكتابة والكاتب أكثر من الانتشار والفلسفة الفارغة على وسائل التواصل الاجتماعي. أما ورش الكتابة فأنا غير مؤهل لها مع كل تقديري لمن يقوم بها، تلك ملَكة وموهبة ليست عندي، وكما قلت أنا لا أرى أن الورشة تصنع كاتباً إنما تساعده كي يكون أفضل فقط، فلابد أن يتقدم لها ويقبل القائمون عليها من تتوافر لديه الموهبة لا من يقدر على دفع الرسوم فقط.
لا توجد مشكلة قانونية
•هل توجد مشكلة في مجتمعاتنا العربية بالتعامل مع القاضي الذي يكتب الرواية؟
-لا توجد مشكلة قانونية مع عملي على الإطلاق، فقانون السلطة القضائية يسمح لي بممارسة هوايتي، وعملي قدم فنانين قبلي روائيين ورسامين ومؤلفي موسيقى، هذا أمر مطلوب لأن الفن مرآة المجتمع وعمل إنساني بحت يتقاطع مع القضاء ويفيده ويؤثر عليه بالإيجاب، ثم إنني لا آخذ قضايا منظورة أمامي لأضعها في روايات ولا أنظر في قضايا لأناس أعرفهم، وبالطبع قيود مهنتي كقاض تحتم على الالتزام فيما أكتبه أو أقوله بالندوات، كما أني لا أكتب مقالاً سياسياً لأنه محظور عليّ إبداء آراء سياسية، وأنا احترم ذلك جداً، ولا أدخل في معارك كلامية مع آخرين ولا أرد حتى على من يهاجمني، ولدي وكيل أدبي يتولى عني مشكوراً تعاقدات الروايات المحولة لأعمال درامية او الترجمة ويختار لي ندواتي في الوطن العربي، الأمر محكوم والتقاليد والأعراف أراعيها بالطبع لكن أحيانا توجد هذه المشكلة لدى البعض ربما بسبب الجهل وربما بسبب حب الظهور بمهاجمتي.
النقد في مصر ضعيف
•وإذا ما خُيرت بين القضاء والكتابة فأيهما ستختار؟
-كلنا يختار أن يعمل ما يحب، ويعيش ليستمتع بما يفعله وأنا مثل كل الناس في هذا الأمر .
•لديك غضب مكتوم دائماً من النقاد بالرغم من عشرات المقالات التي كتبت عنك، وغالبيتها أشاد بموهبتك فلماذا؟
-لا يوجد لدي أي غضب معلن أو مكتوم من النقاد، وأنا بطبعي شخص غير كتوم وأقول ما أشعر به بغض النظر عن النتائج، المهم أو المعيار عندي أن يكون ما أقوله له جدوى، أرى أن النقد الحقيقي في مصر ضعيف والنقاد الحقيقيون عددهم لا يتجاوز أصابع اليدين على أحسن تقدير، والباقي ليسوا نقاداً إنما يقولون انطباعات شخصية فقط لا غير، وهذا ليس نقداً أدبياً، من أشاد بكتاباتي أسعدني ومن انتقدها بموضوعية أفادني ومن شتمني تجاهلته، الحياة بسيطة وقصيرة لا تحتمل أن أدفع فاتورة حرق أعصابي لحساب آخرين لا يبالون .
أتمنى الموت بلا ألم!
•ما أكثر شيء يجذبك في الحياة؟
-مستحيل الإجابة بشيء واحد خاص وإلا كانت إجابتي عامة، أن أعيشها بمتعة. الحياة بالرغم من قصرها ممتعة في بساطتها بغير تعقيد أو وقوف على تفاصيل لا جدوى منها مثلها مثل الحشو في الرواية تصبح رتيبة مملة، لكن يمكنني القول بأن البحر والسفر والاقتراب من الأصدقاء الحقيقيين والجلوس مع أولادي وعائلتي من متع الحياة، أيضا الكتابة الروائية واحدة من أحلى المتع، عملية خلق عوالم وبعث شخصيات من لحم ودم تتحرك أمامك على ورق شيء ممتع جداً، هناك قبل ذلك كله الحرية وتحقيق الحلم والطموح والأمل، كلها معاني في الحياة لا تستقيم بدونها ولا طعم لها من غيرها، لكني لا أحب عادة اختيار شيء واحد لأن الحياة نفسها اختيار من مجموعة بدائل وليست مقصورة على أمر وحيد كما في السؤال.
•ما هو الشيء الذي يخيفك؟
-المرض ولا شيء آخر، أتمنى أن أموت بلا ألم وأن يظل عقلي سليماً، لكني أسير في الاتجاه المعاكس صحياً، فأنا لا أتبع نظاماً غذائياً جيداً وما زلت أتناول أطعمة غير صحية ووجبات غير منتظمة وأعمل لأكثر من 12 ساعة يومياً وقليل الحركة جداً ومدخن شرِه وأحب الكثير من القهوة للأسف الشديد.
•لا يمكن أن يمر حوار معك دون السؤال التقليدي عن العمل الجديد الذي ستقدمه للقراء ومتى؟
-في علم الغيب، ربما في نهاية العام الحالي، فأنا ما زلت أكتب وأنقّح وأراجع منذ أكثر من 18 شهراً بصورة شبه يومية وإن توقفت مؤخراً رغماً عني لضغوط العمل، لكني لا أحب الحديث عن تفاصيل عمل لم يظهر، وكل ما يمكنني قوله إنه سيكون مختلفاً تماماً عن الروايات السبع السابقة، مثلما كان كل منها في وقته، وأتمنى أن تلقى الرواية الجديدة قبولاً لدى نسبة كبيرة من القراء.