الروائي جابرخليفة جابر: العنف الأسري ضد النساء يوجع قلبي

284

فكرة يحيى /

أصدر القاص والروائي البصري جابر خليفة جابر، على مدى عمره الكتابي -الذي تجاوز الأربعين عاماً- العديد من المجاميع القصصية والروائية ، وكان حاضراً ومشاركاً فاعلا في التجمعات الثقافية البصرية التي وقفت بالضد من السياسات الثقافية للنظام السابق التي أدت الى قمع الأصوات الإبداعية الحرة وتهميشها في تلك المرحلة المظلمة.
لكن جذوة الإبداع لم تنطفئ، وإنما بقيت متقدة في نفوس هؤلاء الكتّاب، لتجد مساحتها الواسعة في الانطلاق بعد سقوط النظام الذي سقطت معه الرقابة على الإبداع بمختلف صنوفها، ليعيش الكاتب مناخ الحرية.
*في البدء.. ما أبرز ملامح الاختلاف في كتاباتك قبل السقوط وبعده ؟
– التمايز بين نصوصي في التسعينيات، ممثلة بثلاثة كتب قصصية هي (الرجل الغريق/ أصوات أجنحة جيم/ طريدون)، ونصوصي بعد 2003، هو الفرق بين الغموض والوضوح الفنيين: إن الأديب أو الفنان العراقي والمبدع عموماً يدرك جيداً – وبشعور هو مزيج من الخوف والرغبة بالتحدي- أن ثمة عيناً تراقب ما يبدع أو يكتب، ويد متحفزة لتعتقله، وأخرى تتربص به وهكذا. وتحت شعور كهذا كنت ألجأ إلى مزيد من التكثيف للإشارات ومزيد من التخفي تحت سطح الكتابة ومزيد من الغموض، وهذا -كما أرى- لم يعد ملائماً بعد التغيير والاحتلال والنظام الجديد، فاتجهت إلى الوضوح وتوسيع مساحات الاتصال مع شرائح وطبقات أكثر من القراء. وغير هذا الفرق هناك التجربة والنضج وتيسر منابر النشر وتغير الأولويات والاهتمامات، فتغيرت الأشكال والمضامين وإشارات الكتابة.
* هل كانت تلك التجارب إطلاقاً لخطاب معارض لخطاب السلطة؟
– أستطيع أن أقول نعم، وبثقة، أعد تجربتي وخطابي الأدبي خطابين يندرجان خارج نطاق السلطة وثقافتها وخطابها الملفق والمزوق لآليات القهر والكاتم للأصوات، وأعتقد – بمعنى الجزم وليس الظن – أن الزملاء الذين واكبوا خطاب السلطة و(تنعموا) بامتيازاتها شاركوا -وغالباً من دون قصد- بحرمان طيف واسع من الأدباء العراقيين من حقوق مهمة، وهناك العشرات من الأدباء الذين وئدت مواهبهم وقتلوا أدبياً ومعنوياً، ومنهم من تمت تصفيته جسدياً، وكثيرون لم تتح لهم فرص النشر حتى، وهذا بشكل وآخر بتأثير من أدباء السلطة ومؤسساتها.
*اتجهت بعد إسقاط النظام الى استثمار التاريخ في رواياتك وقصصك بشكل مكثف، لماذا اخترت التاريخ منطلقاً للكتابة المعاصرة؟
– التاريخ والأدب يكمل بعضهما بعضاً، كلاهما تأريخ من جهة وكلاهما أدب، بل إن الرواية خاصة تكاد تكون جميعاً تاريخاً بمعنى ما إذا استثنينا مجال الخيال العلمي، إن الرواية قد تقوم بحالات معينة ووفقاً لقوة الخيال بملء فراغات التأريخ، وقد تحل بدلاً عنه، وهذا سر اهتمامات المؤسسات المعنية بالقوة الناعمة بالرواية وجوائز الرواية وتجييرها لصالح أهداف وآيديولوجيات محددة. أعتقد أن إعادة إنتاج التاريخ، لاسيما المحظور أو المسكوت عنه أو المعتم عليه، مهمة إنسانية نبيلة، بل هي من أهم مهام الكاتب شرط اقترانها بالمبادئ الإنسانية والوعي المتميز.
* البصرة النشأة والتكوين، فضاء ساحر من الحكايات، أين كانت وقفتك المميزة في هذا التاريخ وكيف تجسدت إبداعياً ؟
– البصرة حاضرة معي دائماً، ومهيمنة علي بأجوائها وناسها وأماكنها، ولم أجد نصاً قصصياً كتبته خالياً من البصرة، وحتى قصتي (الحصان قائد العربة) التي خلت من أية إشارة للبصرة، إنما كتبت من وحي زمان الخوف والسرية والحكم البوليسي في البصرة، كتبي القصصية الثلاثة الأولى المكان الأساسي فيها كان البصرة، لاسيما (طريدون)، وطريدون من أسماء البصرة الأولى، وهذا الكتاب القصصي طريدون وروايتي الأخيرة (نور خضر خان) كلاهما كان عن البصرة، المدينة الساحرة التي أُحب، التي ما إن أخطو خارجها بقدم أولى حتى أحن إليها.
* بين (مخيم المواركة) و(نور خضر خان) خيط رابط ، هل جسد هذا الخيط ما تبغيه؟
– ثمة أكثر من خيط، بل شبكة خيوط أو وشيجة بين الروايتين، إذ أنني اشتغلت الأولى (مخيم المواركة) على مأساة الشعب الأندلسي، ومن الطبيعي أن مأساة أي شعب تتركز على المرأة خاصة، وهكذا برّزت معاناة المرأة الأندلسية في رواية (مخيم المواركة) من خلال شخصيات عدة، أهمها السيدة (قمرين) صاحبة الحمام وابنتها كناري وغيرهما. بالمقابل اشتغلت الرواية الثانية (نور خضر خان) على مأساة أو مآسي الشعب العراقي والمرأة العراقية خاصة، ف (أشرقت) هي ابنة شهيد قطع رأسه بالسيف أمام أمه، وأم أشرقت هي ضحية أيضاً واسمها ضحى، فقد أنجبت ابنتها في السجن وتوفيت بسبب ذلك، و(سهيلة) صاحبة دار زمان هي أم وأخت شهداء، وهي ذاتها ضحية قهر ومعاناة، حتى أنها اضطرت لبيع الحكايات كي تعيش، كما كانت السيدة قمرين، في مخيم المواركة ضحية قهر ومعاناة، بل إنني أكاد أرى صلة قرابة بين السيدة قمرين وبين سهيلة خاتون، وإن لم أشر لهذا في الرواية.
* هل ترى أنك حظيت بالاهتمام النقدي اللائق بتجربتك الإبداعية؟
– قياساً للنسبة الغالبة من زملائي، نعم، أراني محظوظاً – وسط هذا الضجيج – أن تتناول كتابي القصصي (طريدون) نحو عشرين مقالة أو دراسة، وكتب عن روايتي (مخيم المواركة) كتاب كامل بضعفي حجمها للدكتور حسين سرمك (رحمه الله)، بالإضافة إلى نحو خمسين بحثاً ودراسة ومقالاً، وعن روايتي (نور خضر خان) وهي بعد لم تكمل عامها الأول أكثر من ثلاثين مقالة وبحثاً ودراسة، ومع هذا أرى أن كتاباً مثل طريدون لم ينل حقه من النقد ولم يعرفه القارئ العربي مع أنه تجربة فنية رائدة لم يسبقني إليها أحد من قبل.
* فوزك في انتخابات اتحاد أدباء البصرة بأعلى الأصوات.. ماذا يشكل لديك؟
– لم أكن راغباً بالترشح قط، فلا ترف لدي في الوقت، ومشاغلي ومشاريعي الأدبية كثيرة، وتحتاج مع متطلبات الحياة والأسرة لكل وقتي بعد العمل الوظيفي، ولكن نزولاً عند رغبة أساتذة أجلاء وزملاء أعزاء، وسعياً لإيقاف تراجع ما ابتعد باتحادنا عن الثقافة مسافات وعن التحضر، قررت المشاركة، وكنت أعرف -بحكم المحبة- أنني سأكون الأول أو في المقدمة، لكني لم أتوقع هذا الفيض الكبير والجميل من ثقة أدباء البصرة ومحبتهم وفوزي بـ 102 صوت يفرض علي التضحية بالكثير وبذل الجهد والوسع من وقتي وفكري وجهدي للسير بالاتحاد نحو الأفضل.