الروائي والناقد العراقي رسول مُحمَّد رسول: الإنسان هو الأهم .. والمشاريع الثقافية العربية انتهت!

403

سامر أنور الشمالي/

الفيلسوف والروائي والناقد العراقي الدكتور (رسول مُحمَّد رسول)، اسمٌ لا يجهله من يتابع المشهد الفكري والأدبي في الوطن العربي. تمتاز كتاباته الفلسفية بالشمول، والفكرية بالعمق، والنقدية بالموضوعية.
أما كتاباته الإبداعية فنجد فيها حِرفة المبدع في السرد، وهو الخبير بفنونه وأسراره. وهو في كل ما كتبه ينحاز إلى الإنسان مطالباً بحقوقه واحترام آدميته ليعيش كما ينبغي له أن يعيش على هذه الأرض التي تتنازعها الصراعات والحروب.
عن عوالمه، المتنوعة والثرية، حاورناه لنكتشف العالم بعيني مثقف عربي كبير، ونجد في تلك الإجابات المكثفة والمثقلة بالأفكار والرؤى أطروحات جليّة تتميز بالجرأة في الإشارة إلى النكبات والشجاعة لتجاوزها.
* ماذا يستطيع الأدب العربي أن يحقق وينجز في ظل الهيمنة السياسية والاقتصادية العابرة للقارات؟
– للأدب العربي صوته الإنساني، وله إمكانيات قول صوته رغم كل التحديات التي تواجه العرب، ولاسيما في بعض الدول العربية التي طالها التضرّر بسبب الهيمنة الخارجية، الأدب العربي ممكن أن يقول ذاته بشفافية إذا ما تحرّر من الانغلاق على ذاته، ذلك الانغلاق الأعمى والغبي، الأدب العربي يقول ذاته إذا ما انفتح على قول الإنسان فيه، الإنسان بوصفه إنساناً لا مجرّد كائن بشري يمرّ بسرعة كالأشياء، والعرب إذا لم يحترموا الإنسان فيهم فلا أثر لهم في الوجود، وكذلك الأدب إذا لم يحترم الإنسان ضاع في هباء الحياة.
* لنتحدث بصراحة.. ماذا يستطيع الأدب أن يقدم للإنسان المعاصر المحاط بالأجهزة الذكية؟ وهل لديه الرغبة في قراءة الأدب لساعات وقد كثرت من حوله إغراءات مواقع التواصل الاجتماعي؟ ولاسيما أن القراءة في العالم العربي ضعيفة أصلاً؟
– الأجهزة الذكية هي أدوات لنقل المنقول، نعم، لدى الإنسان الرغبة في قراءة الواقع كما الأدب لساعات إذا كان صادقاً لمعرفة ما يجري، والمسألة ترتبط بالعوز للمعرفة، هذه الأدوات الذكية هي أدوات مساعدة، لكن تبقى القراءة المباشرة للواقع وللمكتوب هي الأساس.
* إذا عدنا إلى بدايات القرن الماضي ومنتصفه- حين كانت ثمة مشاريع أدبية عربية نهضوية- وأجرينا مقارنة مع المشهد الأدبي الراهن، هل سنجد أننا تراجعنا إلى الخلف أدبياً وفكرياً؟ أم أننا حققنا إنجازات نستطيع التأسيس عليها للقرن الجديد؟
– نعم، نحن تراجعنا إلى الخلف على أصعدة عديدة.. تراجع جذري. وأنتَ لاحظت انفجار بيروت الأخير الذي شلَّ الحياة وقتل البشر، كل المشاريع الثقافية العربية الثرية انتهت! وجاء البديل هشاً هزيلاً، أصبح المثقف يُباع ويشترى، وانهار كثير من المشاريع الثقافية، وأصبح الكتاب هزيلاً.
* من منظورك، كمتخصص في الفلسفة الحديثة وناقد أدبي وروائي أيضاً، كيف تقيِّم واقع الرواية العربية المعاصرة؟ أتراها سطحية لم تغص إلى عمق الواقع المتردي أو طبيعة الإنسان المأزوم؟ أم أنها نجحت في التصدي للعقبات وفي تجاوز العقبات والخطوط الحمر؟
– الرواية متعدّدة الأبعاد، منها الرديء ومنها الجيد، وتمكنت الجوائز العربية المعنية من إعادة تقديم الرواية العربية، وهو تقديم مشوب بشكوك كثيرة أحياناً، لكنه قدم الرواية العربية، المهم أن الرواية هي قمة الأدب العربي.
* كيف ترى مستقبل الأدب العربي في ظل ما يعانيه المواطن العربي على صعيد تراجع التعليم والقراءة والأزمات المعيشية والحروب والأوبئة؟
– لا بدّ للأدب العربي من أن يعيد تقديم الإنسان من جديد، وعندئذ يمكن له أن يجد ذاته وكيانه ومكانته، وهنا مستقبل الأدب، لأن الإنسان في عمومه، والعربي في خصوصيّاته، هو المهم.
* في رحلتك النقديّة تخصّصت بالنقد السردي الإماراتي في الرواية والقصة القصيرة، فلماذا اشتغلت على هذا الأدب؟
– كنت في أبوظبي هناك أعيش في المجتمع الإماراتي حيث يوجد المبدعون الإماراتيون والنصوص الإماراتية، كل شيء كان متاحاً، وكانت الرغبة عندي قائمة، كذلك الممكنات الفكرية والرؤيوية والأدواتية، فشرعت بحب وهمّة عاليين ونجحت في الكتابة عن السرد الإماراتي، ونشرت ثمانية كتب أعتز بها عن الرواية والقصة القصيرة الإماراتية.
* أنتَ متنوّع في الإنتاج الثقافي؛ فأنت فيلسوف بالدرجة الأولى، وروائي، وناقد. مضت على رحلتك في الكتابة نحو خمسة وثلاثين عاماً أبدعت فيها، فما حكاية هذا التعدد؟
– بدأت فيلسوفاً، لكنني كنت أقرأ كل شيء، في حياتي الجامعية في بداية الثمانينيات وجدت بعض أساتذتي متعدّدي الاهتمام بالكتابة، وفي قاعة الدرس كانوا يقولون: عندك نَفَس سردي عندما تتكلّم، كنتُ أضع هذا الكلام في ذاكرتي من دون أن أفكّر يوماً أن أكتب رواية. لكن في النتيجة كتبت ثلاث روايات، نشرت اثنتين منها. أما الفلسفة فهي المادة الرئيسة التي عرفت فيها منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، وما أزال أكتب فيها!
* تأريخ طويل ومشرِّف.. سمعت أنك نشرت، مرّة أخرى، أرشيفك وقد وصل إلى 13 جزءاً، هل تؤكّد ذلك؟
– نعم، كلامك صحيح، فقد استغرق ذلك مني عاماً كاملاً من العمل الدؤوب (عشر ساعات يومياً) وحتى الآن أكملته إلكترونياً وتراني أعتز به وبتجربة الكتابة تلك.