الصحافة كانت شرارتها.. طرائف مما كُتِب على شواهد قبور المشاهير..

39

رعد كاظم جبارة

“يا من مررت على قبري انظر أمامك، هنا ترقد عظامي ليتها كانت عظامك.”
هذه رسالة مرسلة من أحد قراء صحيفة ما دفعت الكاتب (عبد الرحمن بكر) للضحك طويلاً وتأليف كتاب (طرائف على شواهد القبور)، حيث ظل يبحث ويترجم ويجمعها.

هذا الأمر حدث مع كثير من الكتب التي تناولت عبارات واقتباسات على شواهد قبور فلاسفة وكتاب وشعراء وفنانين، سواء هم من طلبوا كتابتها قبل موتهم، أو من كتبها لهم الناس بعد وفاتهم. وحتى من العامة ممن لم يعرفوا ويشتهروا، كانت هناك عبارات لافتة على شواهد قبورهم، كما من كتب على شاهد قبر أمه (هنا دفن كل شيء.. هنا دفنت العالم). أو ما كتب على شاهد قبر إسكافي (كان كثير الصمت، لذا مات مختنقاً بالكلام). أو غرابة ما وجد مكتوباً على شاهد قبر مريضة كانت تعاني من الأرق (لقد شفيت)!!
كتّاب وشعراء وموسيقيون
ومن الطرائف أيضاً ما قرأه الشاعر (روديارد كبلينج)، وهو يتصفح في بيته إحدى الصحف التي يكتب فيها، ليقرأ خبر وفاته، فخاطب رئيس التحرير قائلاً: “عفواً، نشرت جريدتك اليوم خبر وفاتي، ولما كانت الجريدة من الصحف التي لا تنشر الخبر إلا بعد التأكد من صحته، فلا شك إذن أنني مت، لذا أرجو شطب اسمي للعدد القادم من أسماء الكتّاب المشاركين، فأنا مت كما تعلم.”
ولعل وصية الشاعر أبو العلاء المعري كانت الأشهر، فقد أوصى أن ينقش بيته الشعري الآتي على شاهد قبره:‏
هذا ما جناه أبي عليّ
وما جنيت على أحد!‏
ولكن لم تتحقق وصيته، إذ يقال إنها كتبت وثمة من قلعها من خصومه.
ويطالعنا محمود الماغوط وماكتبه على قبر زوجته الشاعرة سنية صالح (هنا ترقد آخر طفلة في العالم). كما كتب الموسيقار الألماني (فرانتش) على شاهد قبر زوجته أيضاً (هنا ترقد موسيقى روحي). كما طلب الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري أن يكتب على شاهد قبره مطلع قصيدته (حييت سفحك عن بعدٍ فحييني يا دجلة الخير يا أم البساتينِ).
ومن الأمثلة المؤلمة للشعراء وما كتبوه على شواهد قبور أولادهم، ما كتبه الشاعر نزار قباني على ضريح ابنه‏:
أتوفيق كيف أصدق موت العصافير والأغنيات‏
وأن الجبين المسافر بين الكواكب مات‏
وأن الذي كان يخزن ماء البحار بعينيه مات‏
بأي اللغات سأبكي عليك؟
وموتك ألغى جميع اللغات‏
في حين شاهد قبر نزار قباني نفسه، لم يحظ بنصوص أدبية، ولكن كتب عليه:
(إن إلى ربك الرجعى‏.. مثوى‏ فقيد الشعر العربي‏ نزار قباني).
اما محمود درويش فكتب على شاهد قبره (على هذه الأرض، سيدة الأرض، ما يستحق الحياة).
ملوك وقادة ومشاهير
كما كتب على شاهد قبر الإسكندر الأكبر، الذي أسس واحدة من أعظم الإمبراطوريات (يكفيه الآن قبره، هو الذي لم يكفه العالم بأسره).
ومما كتب على شاهد قبر هنري يوكوفسكي (هي: لم تحاول)، وغاندي (يا إلهي).
نجيب سرور ( يا نابشاً قبري حنانك.. هنا قلب ينام).
شكسبير (الشكر لمن جاد بالأحجار لبناء مقبرتي، واللعنة على من يحرك عظامي).
ومما كتب على شواهد القبور لكل من جون كيتس (هنا يرقد من كان اسمه منقوشاً على الماء).
كيلوباترا (ظلت ساحرة حتى اللحظة الأخيرة، أعرفتها؟ انها كيلوباترا).
طارق بن زياد (هذا طارق بن زياد.. جاءه الطارق قائلاً: أنا الموت ولم يزد).
بيرسي شيللي (لا شيء منه يتلاشى، لكنه يعاني من تغيير البحر إلى شيء غني وغريب).
لتظل عبارة (إن الذين ماتوا نجوا من الحياة بأعجوبة) العبارة الأم لشواهدهم جميعاً !