العراقي روضان الخالدي يحصد جوائز الشعر الهولندي

641

صلاح حسن/

مثل كل العراقيين الذين وصلوا إلى بلدان اللجوء تقدم المهندس المدني روضان الخالدي بأوراقه إلى المملكة الهولندية طالباً اللجوء غير أن طلبه رفض بشدة. منعوه من دخول المدرسة لتعلم اللغة الهولندية فقام بعناد وتعلمها لوحده. يقول: (كنت أقرأ عشر ساعات في اليوم في غرفتي الضيقة في المعسكر).

جوائز شعرية

بعد سنة من وجوده في هذا المعسكر يفاجئ الخالدي الجميع حين يصدر ديوانه الأول الذي كتبه مباشرة باللغة الهولندية (إلى عندليب). والأكثر مفاجأة من ذلك المقالات الكثيرة التي ظهرت عن الديوان. والمفاجأة الأكبر أن تنفد الطبعة الأولى خلال شهرين وأكبر المفاجآت أن يعاد طبع المجموعة أربع مرات وتتحول إلى أغانٍ يؤديها عدد من المطربين وتظهر على هيئة (سي دي). لكن اللعنة التي كانت قد حلت عليه مازالت قوية. فقد حمل ديوانه بطبعاته الأربع والمقالات التي كتبت عنه والأغاني وتقدم مرة أخرى يطلب اللجوء ولكن لا فائدة فهي لعنة. يرفض طلبه مرة أخرى وينقل إلى معسكرات في مدن مختلفة وبعد سنة يفوز بإحدى جوائز مؤسسة الهجرة في أمستردام. يرشح بعدها إلى جائزة فينكس وهي واحدة من الجوائز المهمة في هولندا.

المتشرد

في معسكرات اللجوء شاهد الكثير من مآسي الآخرين فقرر الكتابة عن هذه اللعنة، خصوصاً عن عمليات الانتحار بين اللاجئين في جريدة (ليواردار) التي تطبع في شمال البلاد. وبقي على هذه الحال ست سنوات من دون أن يتغير أي شيء فقرر أن يهرب إلى ألمانيا ولكنهم أعادوه.. وجرب التشرد في النرويج ولكنهم أعادوه أيضاً إلى هولندا التي سوف يناصب ساستها العداء.

عدوّ الساسة

في العام 2002 يصدر كتابه الثاني (مذكرات حمار) وهو عبارة عن مجموعة مقالات نشرها في جريدة خيلدرلاندر المعارضة اتسمت بالسخرية من السياسة الهولندية وصب جام غضبه على وزيرة الهجرة تلك المرأة الحديد ريتا فردونك. في إحدى هذه المقالات يقول عن هؤلاء الساسة (رحماء بينهم أشداء على الأجانب).

ثم في السنة ذاتها نشرت له واحدة من أهم دور النشر في أمستردام (آربيدرز) ديوانه (الدراجة، المرأة والحب) الذي سيعاد طبعه مرتين. ومنذ ذلك الحين تتدفق عليه الدعوات للمشاركة في المهرجانات الشعرية التي تقام في مختلف أرجاء هولندا وتجرى معه اللقاءات الصحفية الجريئة في ذم السياسة الهولندية غير المسبوقة.

لا أبيع السماء

جاءه أحد السياسيين وقال له: اكتب مقالة ضد الإسلام وسوف تحصل على الإقامة مثل الصومالية هيرسي علي فرد عليه الخالدي: أنا لا أبدل إقامتي في السماء بإقامة في الأراضي المنخفضة.

في كل سنة يرشح الخالدي إلى جائزة شعرية ولكنه لا يحصل عليها لأسباب غير معروفة. فقد رشح إلى جائزة (بلوم) وجائزة (دي بوتانتن) خلال سنة واحدة. وبسبب خيبة الأمل وعدم توزيع كتابه الرابع وتعويضاً عن ذلك تصدر له رواية في السنة نفسها هي (جدي والرئيس وحيوانات أخرى) يتجسد فيها الحنين إلى الأرض الأولى حيث الطفولة ورغد العيش بين كنف الرجل الكبير الحكيم. جاءت الرواية على لسان خروف يستحوذ عليه شعور أنه لم يعد خروفاً وأنه توقف عن أكل العشب فيذهب للبحث عن حياته. تحاول الخرفان الباقية ثنيه عن ذلك ولكنه لا يصغي. في منتصف الليل يجد هذا الخروف نفسه محاطاً بذئاب ذات عيون حمر وأنياب لامعة.

الإنسان يتراجع

في لحظة من لحظات الجنون وبعد أن يسمع الخالدي بوفاة والده الذي لم يره منذ مغادرته العراق يذهب إلى أمستردام ويشتري جواز سفر مزوراً بألف يورو ويسافر به مجازفاً بكل شيء لرؤية والدته التي توشك على الموت. قبل ذلك يكون قد انتهى من روايته الجديدة (مستنقعات ضوء القمر) التي ستترجم إلى الفرنسية والانكليزية والإسبانية بعد ظهورها مباشرة. أبطال هذه الرواية هم مواد البناء (أبواب وشبابيك وحنفيات ومراحيض) وهي انعكاس للحالة النفسية التي يعيشها الكاتب بسبب هذه اللعنة التي ليس لها تفسير منطقي. يتراجع الإنسان في الروايتين الأخيرتين ويبرز الحيوان والجماد كبطلين بالرغم من بقاء الحس التراجيدي الساخر الذي يغلف عوالم الروايتين. يتراجع الإنسان لكي يختفي تماماً في العملين الأخيرين بعبثية واضحة تسخر من الحياة نفسها أو ترثيها لعدم جدواها في نهاية الأمر. وهكذا هو الحال مع كتابه الثامن (مازلت موجوداً) بالرغم من نبرة التحدي التي تهيمن على قصصه القصيرة والتي تقترب من الخطاب السياسي والهم الاجتماعي أكثر من الخطاب الجمالي، تقترب من الروي بدل السرد وربما تكون هذه التقنية هي ما يجذب قراء الخالدي تحديداً.

لغة يومية

لا تشذ نصوص الخالدي الشعرية أيضاً عن هذه التقنية، ففي كل نصوصه الشعرية ثمة حكاية عن أشياء أثيرة في الحياة الهولندية المسترخية مثل الدراجة الهوائية. إذ لا يخلو أي بيت هولندي من عدد من الدراجات الهوائية التي تعد إحدى أهم وسيلة للتنقل. وبسبب السرقات غير الطبيعية التي تتعرض لها الدراجات في هولندا يومياً (يسرق في هولندا يومياً 120 ألف دراجة) اكتشف الهولنديون في أشعار الخالدي موضوعهم الأثير والذي يكاد يكون منسياً بالرغم من تداوله اليومي. لقد جاء الخالدي ليذكرهم بدراجاتهم المسروقة بتلك اللغة التي لا تفترق عن الكلام العادي بشيء سوى دهشة السحر التي تغلف الحكاية – النص. على صعيد البناء تظل نصوص الخالدي مخلصة لشروط سوزان برنار بالرغم من أنه لا يعترف بالنظريات ولا بالأساليب، والكتابة بالنسبة له الهام وخبرة لا أكثر. يشرح الخالدي ذلك حينما يتحدث عن شعره بالقول:(عندما يضحك الناس بسبب قصائدي فهذا يعني أنها جيدة، وعندما يقولون إنها جيدة من دون أن يضحكوا فينبغي علي أن أغير طريقة الكتابة.. نصوصي تتأرجح بين الحكاية والقصيدة).

هل حدث ذلك حقاً

قبل أيام قليلة صدر ديوانه الشعري الجديد (خريف زورو) ذلك الفارس الأسطوري الذي يعيش خريف عمره الذي قضاه باجتراح المعجزات ويكتب ذكرياته شعرياً بعد أن انقضى كل شيء جميل فيه. وسوف يلبي دعوة من اتحاد كتاب بلجيكا لقضاء شهر في مدينة بروكسل بمناسبة ترجمة بعض نصوصه الجديدة إلى الفرنسية. وبالرغم من أنه ينتظر صدور كتابه التاسع باللغة الهولندية، فإن السلطات الهولندية مصرة على ترحيله من أراضيها. هل حدث ذلك من قبل لكاتب؟ بعد سنتين من ذلك يحصل الخالدي على حق اللجوء وقد أصدر حتى هذه اللحظة ستة عشر كتاباً فاز آخرها بأهم الجوائز الشعرية في هولندا مطلع سنة 2017.