الفائز بجائزة كتارا الجزائري عز الدين جلاوجي: اللغة أداة الســـــــــــــحر والدهشة في الأدب

178

علي لفتة سعيد/
منذ باكورة أعماله السردية (“لن تهتف الحناجر) الصادرة عام 1994 والأديب الجزائري عز الدين جيلاوجي يشكّل علامةً مضيئةً في الأدب الجزائري والعربي، ولاسيما بعد فوز روايته “(عناق الأفاعي)” بجائزة كتارا للرواية العربية.
ما بين سنوات الرحلة زادت كتبه في مختلف الأجناس الأدبية الى أكثر 45 كتاباً بين القصة والرواية والمسرح والكتابة الى الطفل والنقد، فضلاً عن كتابة رسائل وأطاريح جامعية عنه سواء من داخل الجزائر أو غيرها، وهو الأمر الذي مكّنه كي يعمل على التأسيس لشكلٍ جديدٍ في الكتابة الإبداعية مصطلحاً وتنظيراً ونصوصاً، أسماه “المسردية”، وهو ما يعني كتابة النص المسرحي بطعم السرد، كما أسّس لـ “مسرح اللحظة” مسرحيات قصيرة جدا. ومن أجل معرفة الزوايا الفكرية والإبداعية عن الجيلاوي كان لنا معه هذا الحوار:
* بعد هذه الرحلة الطويلة في عالم الأدب.. كيف ترى تأثير الأدب على الواقع الاجتماعي؟
– ليس الإنسان إلّا مجموعة نصوصٍ هي التي تشكّل وعيه وشخصيته وعلاقته ببيئته وبكلّ الكون على اتّساعه، وهذا ما يفرّق بين أبناء البشر وبين القبائل والشعوب والأعراق، وبقدر ما تفعل النصوص هذا الفعل في الإنسان فهي تنطلق منه أيضاً ذاتياً واجتماعياً، في حلقات دائرية، ومن هذا المنطلق فإن الشعوب القوية تسعى لفرض هيمنتها انطلاقاً من فرض نصوصها على غيرها من الشعوب، هذه النصوص التي لها وقع السحر في برمجة الآخرين وجعلهم أنصاراً وأتباعاً، بل وعبيداً، ومنه أيضاً يجب أن نقرّ لما للأدب من تأثيرٍ كبير في تشكيل شخصيتنا ووعينا في العالم العربي.
خلط الأجناس الأدبية
* في كتاباتك تسعى إلى التجريب، أو إلى خلط الأجناس في بوتقةٍ واحدة.. هل هي محاولة لصنع الدهشة أم مخالفة للسائد؟
– أؤمن بأن الإبداع تجريب، ومن هنا فإن المبدع ينأى بنفسه أن يكون مجرّد مقلّدٍ لمن سبقه أو عاصره، وهذا ما يميّز التجارب الأدبية الكبرى، إضافة إلى ذلك إيماني العميق بأننا أمة لها أمجادها الثقافية والإبداعية الموغلة في القدم، لذا فنحن مطالبون بأن تكون لنا خصوصيتنا الإبداعية، تمرّداً على كلّ مركزيةٍ وكلّ نموذجٍ يحاول أن يعولم كل البشر ويبتلعهم، ولا يمكن أن نحقّق ذلك ما لم نضف شيئاً الى صروح الإبداع الإنساني، من هنا جاءت محاولتي لتأسيس “فن المسردية” مثلاً، أو “مسرح اللحظة”، أو طريقتي في كتابة القصة والرواية، إذ إن الأمم سرديات، بل آداب وفنون وثقافات، ولا يليق بي أن أكون مجرّد صدىً للآخر أو ظلّاً له، إن تنوّعنا وتدافعنا هو ما يصنع مستقبلاً جميلاً بهياً على هذه الأرض، ومن هنا فأنا أدين مصطلح صراع الحضارات الذي روّجت له بعض الدوائر، لأن الحضارة لا يمكن أن تكون كذلك ما لم تكن سلماً ومحبة.
التكوين الأكاديمي
* هل أثرت الأكاديمية في العملية الإنتاجية للنص الأدبي أم العكس؟
– يقيناً يحصل هذا، فالمبدع حين يكتب إنما يغمس قلمه دوماً في ذاته وفي مرجعياته، ويغرف من معينه الذي تشكّله قراءاته ومطالعاته، والتكوين الأكاديمي يفتح أمامك عوالم أرحب، ويصقل تجربتك بشكل لافت، لأنه يزوّدك بآلياتٍ عارفةٍ مضبوطة، وبمعارف واسعةٍ لكنها دقيقة، ما يجعلك قارئاً لإبداعك ناقداً له، لقد كتبت الإبداع ونشرت قبل أن أكون أستاذاً جامعياً، وحين ولوجي عوالم البحث الأكاديمي انفتحت أمامي عوالم الإبداع بشكلٍ أوسع وأرحب، وتبنت أضع دوماً بين الإبداع والبحث مسافة أمان، لأن للبحث العلمي سحره الذي يستطيع أن يبتلعك ويسرقك من عوالم الإبداع الساحرة، كما فعل بالآلاف الذي بدأوا مبدعين وانتهوا نقّاداً وباحثين أكاديميين.
* أراك تعتمد على اللغة في إنتاج النص.. بمعنى أن محمول اللغة هو الذي يقود الصنعة.. هل تعتبر هذا جزءاً من اللعبة الإنتاجية؟
– اللغة أساس الأدب وجوهره، فالأدب في نظري اشتغال على اللغة بالأساس، وكلّما ارتقت ارتقى الأدب، إنها الروح التي تصنع السحر والدهشة والمتعة، لتشرق على بقية العناصر الأخرى، لذا تراني أمنحها العناية الفائقة، فهي مدهشتي وعشيقتي، واللغة أكثر من هذا هي التي تمنحنا الكينونة والوجود، وتمنحنا القدرة على المقاومة، في عالم تتصارع فيه الأمم والشعوب متّخذةً من لغاتها سلاحها الأقوى، فإن أردنا أن نبقى ونستمر ويكون لنا حضور ومستقبل فلنحافظ على لغتنا، ولنرتق بها، وليس كالأدب براقاً لهذا الارتقاء.