القاصة والإعلامية سعاد الجزائري: أنا استقر في قلب عالمين.. الصحافة والأدب

1٬247

#خليك_بالبيت

سامر الياس سعيد /

في مرافئ عديدة استقرت سفن الكاتبة والإعلامية سعاد الجزائري منذ المرفأ الأول عبر كتابتها الصحفية التي استقبلتها صفحات (طريق الشعب) لتكون تلك الصحيفة المعروفة أولى المحطات المهمة في بلورة الذائقة الإبداعية والأدبية للجزائري، التي تواصلت لتسهم ليس على صعيد الصحافة فحسب بل حرّكت بوصلتها في اتجاهات شتى، فعلى شاشة التلفزيون ومن خلال الفضائيات عملت كاتبة نصٍ للبرامج المعلوماتية، ومن أبرزها برنامج “من سيربح المليون” الذي أطلقته قناة الام بي سي كما تواصلت مع وكالات صحافية مرموقة أبرزت سعاد الجزائري خبرتها وتجربتها الغنية التي اكتسبتها من رحلة اغتراب تعدّدت فيها المدن والمحطات لتضع مرساتها تارة عند مرافئ أدب الأطفال ولترسم عبر أحلامهم الملونة قصصا تحكي تلك الأفكار وتترجمها بالألوان، فكانت رحلة الجزائري ملوّنة كالعادة في الكثير من الأفكار والآراء، تناولتها في عجلة السؤال والجواب التي دارت بهذه الحصيلة :
* مصطلح السرد النسوي أو بالأدق الادب النسوي، ما رأيك بهذا المصطلح، فهناك من ينفي مثل هذا التصنيف ويكتفي بإيراد السرد دون إبراز كُتَّابه من الذكور أو الإناث؟
– ما زال مصطلح الأدب النسوي يثير الكثير من الجدل والنقاش في عالم الأدب، لأنّ شرح هذا المصطلح يبتعد أحيانا عن الأدب ويدخل في خانة أخرى، فعندما يفسر الأدب النسوي بكونه معنياً بقضايا المرأة وحركتها النسوية والدفاع عن حقوقها، انتقل هنا المصطلح من عالم الادب إلى عالم آخر أقرب إلى قضايا حقوق الإنسان..
برأيي قيمة النص الادبي وتأثيره لا يحددها جنس الكاتب وإنما قيمة النص، وأنا لا أميل إلى هذا المصطلح، رغم إقراري بأنّ فضاء الكاتبة يختلف عن فضاء الكاتب وهذا يعود إلى الجانب الرقابي سواء الأسري، المجتمعي أو الذاتي..
وأحب مقولة لغادة السمان كتبتها مرة مشيرة فيها إلى أنّ الأدب ليس له أعضاء لنقول أدب ذكوري وأدب نسوي.. ممكن أن نتحدث عن النتاج النسائي، كميته، نوعيته، درجة التفاعل والتأثر به..
حول هذا الأدب ظهرت تسميات عديدة، مثلا في السويد أطلقوا عليه اسم الملائكة والسكاكين، وأنيس منصور سمّاه أدب الأظافر الطويلة، وإحسان عبد القدوس قال إنّه أدب الروج والمانكيير.. وبرأيي هذه التسميات بها نوع من تقليل شأن هذا النتاج… وهناك من أطلق عليه الأدب الانثوي، كي يتم تجنب موضوعة النسوية وأهدافها… في النهاية كل نص شعري، روائي، قصصي، نثري هو أدب بغض النظر عن جنس الكاتب، الفرق يكمن في قيمة النص.
* لديك محطات زاخرة في الصحافة الورقية، كيف تجدين عوالمها في ظل تهديد أسسها من خلال بروز الصحافة الالكترونية ومواقع السوشيال ميديا؟
– الصحافة الورقية لم يأفل نجمها كما يشاع، لكن حصلت تغييرات في طريقة تعاملنا معها، وبسبب التباعد الجغرافي، والثورة المعلوماتية صار التعامل مع الصحافة الورقية أقل، لكنّها حاضرة في حياتنا، فبينما كانت ملموسة بين أيدينا صرنا نطالعها عبر أجهزتنا.. لا يعتمد الإعلامي المهني على السوشيال ميديا في مصادره، بل ما زلنا نعتمد على الوسائل الأكثر دقة والمواقع الأكثر جدية ومهنية. كما الظروف الحياتية والتفاصيل اليومية للعيش خضعت لتغييرات جوهرية أثرت بدورها على مجمل حياتنا وبضمنها الصحافة الورقية، إلا أنّ بقاء واستمرار صدور الصحف اليومية دليل على أنّ الحاجة للصحف الورقية ما زالت فاعلة ومؤثرة… ومن المعلوم أنّ وسائل التواصل الاجتماعي، فتحت بوابات العالم الافتراضي أمام الرأي المكبوت، ودخل عالم الإعلام جمهور هائل لم تكن له أي علاقة بالإعلام أو الكتابة أو الأدب، لكنّهم بشكل أو بآخر، بغض النظر عن التقييم، صاروا إعلاميين في نظر الكثير، لهم جمهورهم ومتابعوهم، لا علاقة لهم بالمهنية الإعلامية أو بمواصفاتها، علينا أن نجد لهم تسمية، لأنّ حقل الإعلام لا يستطيع استيعاب هذا الزحف الهائل.
* ما بين الصحفية والقاصّة، أين تجد الجزائري كينونتها الإبداعية؟
– أنا بين عالمين، أحدهما أجمل من الآخر، المشترك بينهما هو اللغة، رغم الاختلاف بين لغة الصحافة ولغة الأدب، وموقعي، أنا في قلب هذين العالمين، ولا استطيع الفكاك من هذا الحب، لأنّ الكتابة عالمي السري والعلني، نافذة بوحي.
استفدت من عملي الإعلامي لا سيما في التلفزيون في دعم عالم القصص، واستفدت من لغتي الأدبية في كتابة نصوص برامجي..
التلفزيون علّمني كيف أكتب المشهد بعين الكاميرا، كيف أكتب المشاعر بعدسة عيني وقلبي…هذان العالمان يكمّلان نصف المشهد الذي أشعره، فيكتمل بالكتابة وبالصورة.
* برزت في فترة الكورونا العديد من قصص التعسف الأسري الذي دفعت المرأة ثمنه غاليا، ما دور الأدب في هذا المجال وهل للأديبات توجه في إبراز تلك الصرخات المكتومة من جانب النسوة العراقيات؟
-لا أعتقد أن تصاعد العنف الأسري سببه فايروس كورونا، لأنّ فايروس العنف موجود بيننا منذ عقود وعقود، والعنف الأسري موجود منذ الأزل، بل العكس انتشر العنف بشكل فاضح، لأن كل ما حولنا يقود نحو العنف، فما الذي يتعلمه الشاب أو الطفل من أفلام ومشاهد العنف الحقيقية والسينمائية في ظل انعدام الرقابة الأسرية والتعليمية والمجتمعية وحتى الإعلامية.. بلدنا لا رقابة فيه والعنف تسرّب في كل مفردات حياتنا يضاف إلى ضعف الوعي المجتمعي وتدني مستوى التعليم وغياب الدور الحقيقي للأسرة… بيئتنا الآن تعدّ أصلح تربة لانتشار العنف لغياب الأدوار التي ذكرتها، الوعي، التعليم الاسرة.
* كنت رفيقة عمر الصحفي الموسوعي فائق بطي، ما هي أبرز ما استفدت من هذه القامة الصحفية، كونه أبرز خلال حياته الزاخرة العديد من الأعمال الصحفية المهمّة؛ أبرزها موسوعاته التي استعرضت الصحافة السريانية والكردية والعراقية بشكل عام؟
– استخدمت تعبير قلته عن الراحل الكبير فائق بطي، قلت إنّه جوهرة في زمن الحجر، فعندما يعيش الإنسان في ظل بريق جوهرة يتسلّل هذا الضياء إلى روحك تدريجيا…
تعلّمت منه الكثير، أهمها الحب والمحبة والتعاون والتسامح، عندما تصفى الروح تبث طاقتك الإيجابية على محيطك وناسك..
كرّس وقته لإنتاجه، فكان يعمل كمؤسسة كاملة، أصدر ثلاث موسوعات تتطلب عمل فريق.. ترك لنا ثروة معرفية في تاريخ الصحافة العراقية..
غني بعطائه، زاهد بحياته، قليل الأخذ وكثير العطاء، أبي النفس وشهم وسند عند الحاجة..
منه تعلمت أن أخصّص وقتا للكتابة حتى وإن لم تكن لدي فكرة ما.. لم أجد مثله منظما بحياته وأنيقا بملبسه..غادرني وترك لي حبا اعتاش عليه.
* تحفل سيرتك الإبداعية بتنقلات ما بين أكثر من محطة ووسيلة إعلامية، هل لمثل هذا التنوع تأثير في بلورة الذائقة الأدبية للكاتب أو للصحفي بشكل عام ؟
– بعد مغادرتي العراق قسرا، عشت في أربعة بلدان؛ بلغاريا، لبنان، جيكوسلوفاكيا (سابقا) وبريطانيا حيث أعيش الآن، بالتأكيد هذه التنوع أثّر على أدائي الإعلامي وعلى قصصي ونصوصي التي أكتبها…التنوع الثقافي والاجتماعي والبيئي في هذه البلدان حاضر وبقوة في نصوصي، كما أضاف الكثير لخبرتي الإعلامية..مثلا بدايتي التلفزيونية كانت في فضائية MBC تعلمت من هذه المدرسة المهمة الكثير الذي كان الأساس في دخولي عالم التلفزيون…
* نلت على إحدى قصصك المنشورة تكريما، هل لمثل التكريم رد فعل مهم على مسيرة الكاتب تدفعه لمراجعة نصوصه أو كتابتها لنخبة من القراء دون غيرها؟
– (بقعة ارتجاف حرّة) التي نشرت ضمن مجموعتي القصصية (الهمس العالي) حازت على الجائزة الاولى في مسابقة نازك الملائكة ضمن مهرجان بغداد عاصمة الثقافة، أهمية هذه الجائزة أني حصلت عليها في وطني، وأول جائزة استلمها بحياتي، أنا أهاب النشر كثيرا، وبدأت الآن اتعامل معه بسهولة أكثر ومع ذلك ما زلت أعرض بعض نصوصي على أصدقاء قبل نشرها، وأنا بصدد كتابة رواية وسأعرضها على أكثر من مختص قبل نشرها.. لكن الفيسبوك فتح أبواب النشر على مصراعيها، وعلينا تقع مسؤولية الاختيار والتقييم.
* ابتعدت لفترات عن العراق ومن ثم شهدت بعض السنوات السابقة عودتك اليه، ماذا يشكّل الوطن في فكرك وكيف توظفينه في قصصك؟
– ابتعادي عن العراق لم يكن اختياريا بل قسريا، وعودتي اليه كانت اختيارية وخطتي كانت أن أعود نهائيا لولا ظروف عائلية ومرض الراحل لما عدت إلى لندن…
الوطن هويتي وجذوري والأرض التي أنبت وأزهر فيها… حتى وإن ابتعدت فإنّي مسكونة به وفيه، تجده بين كلماتي وفي معاني نصوصي، وكلما اقترب إلى الوطن أجد عواصف التفرقة والعنف والارهاب تدفعني خارجا… قد أكون بعيدة جغرافيا عن العراق، لكني فيه وبين جروحه بكل لحظة، ولا موطن لي غيره..العراق قصتي التي لم تكتمل وانتظر بشوق نهايتها.