القصيدة والمهرجان.. مَن يُضيف إلى الآخر؟

341

استطلاع ــ رجاء الشجيري /

علاقة خلقت بين المنجز الأدبي “القصيدة” والمهرجان الذي يتجمهر ويحتفي بها وبات كل منهما يغذي الآخر، لكن هل القصيدة هي من تقدم للمهرجان أم أن المهرجان هو من يقدم للقصيدة؟ للخوض في غمار هذه العلاقة ومدياتها كان هذا الاستطلاع بين عدد من الشعراء والنقاد.
نعرف جيداً ان الشعر كان لا مناص منه عند العرب الا عن طريق الاعلان والتجمعات، فكان تقييمهم واستمتاعهم بالشعر لا يكتمل الا بسماع الايقاع والاداء الصوتي والتعبيري، اذ كانوا يتبارون فيما بينهم، ولا سبيل لقصائدهم وصيتها الا ذلك، لكن سوالنا، وبالاخص بعد التقدم الحاصل في اللغة والتلقي: هل ما زال المهرجان داعماً اساسياً للقصيدة؟ ام أن القصيدة الان مقروءة اكثر منها مسموعة؟ في زمن باتت فيه غالبية المهرجانات تعنى بالمجاملات دون الوصول بالشعر الى ما يراد منه وله. هذا من جهة، ومن جهة اخرى فإن السوشيال ميديا، وفي ظل تطورات عصرنا، اصبحت اليوم عند الكثير من الشعراء بديلاً عن المهرجان، لان الكثير منهم يجدون متنفسهم ومهرجاناتهم على صفحاتهم الشخصية في الفيسبوك، ويعدون أن صفحاتهم هي منصاتهم وان جمهورهم هم المعلقون، بالتالي فإن مفهوم المهرجان في تطور مستمر ضمن تشكيلات مختلفة، لكننا اليوم نبحث عما تغير في المهرجانات وطقوسها، ونحاول اكتشاف هذه المتغيرات التي طرات على المهرجانات الكلاسيكية وحداثتها، ما لها وما عليها في تقديم القصيدة او العكس.
شرفةُ للتلقي..!
يقول الشاعر رعد زامل : “المهرجان لا يقدم شيئاً للقصيدة على مستوى الكتابة او الخلق، لكنه يصنع لها شرفة للتلقي لا غير، والقصيدة الناجحة لا تحتاج الى المهرجان، فالمهرجان يتغذى على غناها وخضرتها، والقصيدة الحقيقية عابرة للازمنة والمهرجانات الثقافية، وكل ما يستطيع المهرجان تقديمه للقصيدة هو توسيع حلقة التلقي، وهذا بحد ذاته يتوقف على نوعية السادة المدعوين للمهرجان”.
مشيراً الى “ان الشعر الجيد ربما يحتاج الى تراكم زمني لسبر اغواره، متسائلاً عن كم الشعراء الذين عاشوا غرباء منفيين داخل اوطانهم وكم منهم ظل رهين عزلته، لكن ازاهير نصوصهم تفتحت بعد حقبة من الوعي والزمان،” مضيفاً: “باختصار يمكننا القول إن المهرجان حدث ثقافي يعتاش على متن القصيدة ولا يزهر بدون شمس توهجها، والقصائد التي تكتب لغرض المهرجانات تبقى اسيرة لحظتها، فهي قصائد انية سرعان ما يصيبها الخفوت بانتهاء المهرجان او الغرض، اما القصائد التي تاتي من رحم عملية الخلق والابداع فستبقى عصية على طوارق الزمن تقاوم النسيان.”
اما في حال وجود منفعة متبادلة بين القصيدة والمهرجان، فبيـّن (زامل) “انها منفعة قائمة على اساس التلقي وتوسيع رقعة التواصل والانتشار، فالمهرجان –بحسبه- يخدم القصيدة من خلال اتساع رقعة التلقي والانتشار والتواصل، وان القصيدة الناجحة تقدم للمهرجان المادة الجديرة بالاصغاء فترتقي به والعكس صحيح تماماً، اذ ان القصيدة الرديئة تحط من قيمة المهرجان الثقافية.”
قصيدتك ومهرجانهم
في حين يرى الشاعر حسين القاصد ان المنصة لم تعد تجذب المتلقي، اذ قال في معرض إجابته عن اسئلتنا: “ليس لاي مهرجان ان يصنع شاعراً او يقدم اضافة للقصيدة؛ فلم تعد المنصة وصوتها كفيلين بجذب المتلقي، ولا سيما ان الجمهور جميعه من الشعراء الا من ندر؛ والشاعر الذي يقرا قصيدته يغادر القاعة التي كان اصلاً خارجها قبل وصول دوره لقراءة قصيدته، اما القصيدة فهي وان كانت المادة الاساسية للمهرجان فليس لها ان تصنع مهرجانا او تسعفه للاسباب نفسها؛ ذلك لان الشعر لم يعد مقتصرا على المهرجانات، وهو نشاط فردي اصاب المتلقي بهذه الفردية وصار التلقي نشاطاً فردياً ايضاً في ظل استسهال الشعر وانتهاك منصته ممن يسمون انفسهم شعراء ويحملون الكثير من الدروع الزجاجية وشهادات الورق المقوى!”
مجاملات دون اضافة
اما ا.د.محمد جواد حبيب البدراني، استاذ النقد وموسيقى الشعر في جامعة البصرة، فاشار في حديثه الى ظاهرة المهرجانات الشعرية والملتقيات الادبية التي تلقى فيها القصائد على جمهور مستمع من مشارب شتى، مشيراً الى “ان هذا الامر –وبحسبه- قد تفشى في الاونة الاخيرة!” مضيفاً: “وفي رايي الشخصي ان المهرجان لا يضيف شيئا إلى القصيدة، بل إن الكثير من المهرجانات تتعكز على القصائد ذات الحضور الفني، اذ لم تعد القصيدة الحديثة قصيدة القائية تستقطب الجمهور بطابعها الصوتي الالقائي، وتاثيرها الصوتي، بل اضحت القصيدة تاملية تحتاج الى قراءات متانية متعددة تكشف عن حضورها الفني وادائها الفكري.” موضحاً “ان الشعر اضحى فكرياً وليس القائياً،” ومن هنا يرى الاستاذ (البدراني) “ان المهرجانات لم تعد تضيف شيئاً ذا بال للحركة الشعرية بل اضحت ملتقيات ذات طابع لا يمت للشعر بصلة ويقوم على المجاملات،” مبيـّناً “أن القصيدة الحقة تفرض حضورها من دون حاجة لمشاركة صاحبها في مهرجانات لا تسمن ولا تغني من جوع.”
ادبٌ هابط
وصف الاستاذ (البدراني) تطابق مع راي الشاعرة حميدة العسكري في حديثها عن غالبية المهرجانات المقامة الان، اذ قالت: “المهرجانات لا تصنع شاعرا لان منهجيتها اليوم تعتمد على العلاقات الشخصية بالدرجة الاولى لا على المادة الادبية، لذلك وجدنا ان هذه المهرجانات تنتج ادباً هابطاً في الغالب، وعليه فالقصائد الجيدة هي التي تكتب نجاح مهرجان ما.”
في حين قال الشاعر والاعلامي انس عبد الرحمن، في جوابه عن اسئلة استطلاعنا: “المهرجانات في العراق لا تعدو كونها ملتقيات ونوافذ انفتاح الشعراء بعضهم على بعض، اضافة الى انها مناسبة للتعرف عن كثب على تجارب جديدة وشعراء جدد.” موضحاً “ان واحدة من ظواهر هذه المهرجانات هي انشغال الشعراء غالباً بالجلسات الجانبية غير الرسمية عن الجلسات الشعرية والنقدية التي لا يحضرها قسم كبير منهم باستثناء الجلسات المخصصة لقراءاتهم،” مضيفاً: “هنالك ايضاً الشعراء الذين مازالوا مُسلّمات الافتتاح والختام بتسلسلهم في القراءة، كما ان الجلسات تتفاوت ايضاً في حضورها بين الصباحية والمسائية الشعرية وبين النقدية منها، فاذا اردنا ان نكون منصفين فان المهرجان وفق الحضور بات هو من يقدم القصيدة، لكن إلى فئة ليست كبيرة من المدعوين للمهرجان، بينما تقدم القصيدة المهرجان وترفع من شانه عندما يكون الحضور في قمة عطشه، وذلك لا يكون في الافتتاح وتحديداً القصائد الخمس الاولى، او ما قد ياتي على لسان شاعر يثير الجدل بنص ما”.
وجودٌ كامل
اما الشاعر عبد الجبار السلامي فاوضح ان العلاقة بين القصيدة والمهرجان تشاركية، اذ قال: “هناك علاقة تشارك في تحقيق الوجود بين القصيدة والمهرجان، فوجود المهرجان يتحقق عبر القصيدة ووجود القصيدة يتحقّق عبر المهرجان، القصيدة تحقّق للمهرجان وجوده الابداعي وجنسه الفنّي وتستحضر كلّ الابعاد الثقافية التي تتعلق بالشعر لتلون بها المهرجان، والمهرجان يحقق للقصيدة وجودها المسموع بما يوفره من متلقين ينصتون للنص وهو يُنشد من فم الشاعر بكامل حيويته واحاسيسه وطاقته التعبيرية، فينشد النص ممزوجاً بحركات وايماءات الشاعر المتناغمة مع تنغيمات الانشاد ودلالات النص.” هذه الاسباب هي ما دفعت بالسلامي الى الإيمان بان المهرجان هو من يحقق وجود القصيدة المتكامل.
ربما انتهى استطلاعنا عند هذه النقطة، نقطة عدم الاتفاق على من يقدم من، القصيد ام المهرجان، وهو سوالنا الابرز فيه، لكننا بالتاكيد نومن باهمية المهرجانات الشعرية الحقيقية، تلك التي صقلت الكثير من التجارب الشعرية العراقية طوال عقود طوال، وهي التي أسهمت ايضاً في نضجها، نضج بات الد اعدائه الاستسهال والمجانية التي باتت طاغية على ما يقام منها، وهو ما اثر -بحسب من استطلعنا اراءهم- على قيمة ما يقدم في هذه المهرجانات.