الكاتب والمترجم شاكر حسن راضي: الترجمة ليست خيانة بل مهمة مقدسة

661

علي السومري /

مترجم من الطراز الأول، يُعدّ واحداً من أفضل المترجمين الفوريين في العالم العربي. ولد عام 1955، حصل على شهادة البكالوريوس في الترجمة من كلية الآداب – الجامعة المستنصرية، الدفعة الأولى عام 1979، ودبلوم في الترجمة الفورية من (ذا بوليتكنيك أوف سنترال لندن)، بريطانيا عام 1978، وعلى شهادة الماجستير في الأدب الإنجليزي، الشعر الحديث من كلية الآداب – جامعة بغداد، عن أطروحته الموسومة: المدينة والفرد في شعر لوي مكنيس.
درّس الترجمة في جامعتي بغداد والمستنصرية، وكلية نقابة المعلمين (المأمون) الخاصة، ومعهد بغداد للّغات في الإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن تدريسه الترجمة الفورية بالتعاون مع الجامعات والمعاهد الخاصة في دبي والشارقة.
عمل مترجماً فورياً في المنظمات والمحافل الدولية، ومدرباً للترجمة الفورية في دولة الإمارات العربية المتحدة وعمان والبحرين وقطر وشارك في مئات المؤتمرات والندوات.
ترجم روايات عدة، مثل رواية (الجاسوس المستجير من البرد) للكاتب (جون لو كاريه)، و(حكايات شعبية من الهند) بجزءين. كما ترجم من العربية للإنجليزية (ذاكرة الفصول)، وهي مجموعة شعرية للشاعر يقظان الحسيني عن دار فالفا – إسبانيا، وكتاب (معاناة العاشقين) للراحل الناقد والكاتب محمد الجزائري، كما قدم دراسة في أعمال الرسام السوري إسماعيل الرفاعي، إضافة لترجمته ومراجعته لأعداد من مجلة (الفن الإسلامي) الصادرة في لندن بالتعاون مع مكتب بيو بلس، دبي، عام 2009.
نشر بحوثاً مترجمة عدة، بينها (الكبر والتداعي في شعر وليام وردزورث) و (الحركة المضادة للحداثة في شعر فيليب لاركن)، و(وحدة الأضداد) في مسرحية شكسبير الشعرية (اغتصاب لوكريش)، والعملية الإبداعية في مسرحية صموئيل بيكيت (كيف هي الدنيا)، وثلاثة منظورات حديثة لموضوعة الشعر والفردوس: دراسة في قصيدة (الإبحار إلى بيزنطة) لوليم بتلر ييتس، و(الحديقة الخفية) لروبرت جريفز و(لعبة صبيانية) لتيد هيوز.
عمل مترجماً فورياً في قنوات فضائية عدة، بينها (سي أن بي سي) و(دبي) و(دبي الإخبارية). أدار وشارك في عشرات المؤتمرات والندوات والجلسات الثقافية داخل العراق وخارجه، إنه الكاتب والمترجم شاكر حسن راضي، الذي ارتأت مجلة (الشبكة) إجراء حوار معه عن الترجمة وإشكالياتها، حوار ابتدأناه بسؤال:

* ما الذي أغراك في اللغة الإنكليزية لتختارها من بين باقي اللغات الأخرى، دراسة وتدريساً؟
– شغفتني الإنجليزية حباً منذ أيام المدرسة الابتدائية رغم أني تتلمذت في مدارس كانت تفتقر إلى أبسط مغريات تعلم اللغة الأجنبية، لكن كان للمعلمين والمدرسين دور كبير في دفعنا إلى تعلم لغة أجنبية، أتذكر أني وقفت أول مرة أمام زملائي في الصف الثالث المتوسط بطلب من أستاذي لأشرح لهم الدرس وكان عنوانه (سهام والأقزام السبعة).. وبعد الانتهاء منه قال لي الأستاذ، رحمه الله، الذي درّست معه فيما بعد في كلية خاصة في بداية التسعينيات: “لابد أن تكمل دراستك في الأدب الإنكليزي” وهذا ما كان.
* كيف تقيِّم واقع الترجمة في العراق اليوم؟
– منذ البدايات كانت الترجمة، وما زالت، تتأرجح بين التقدم والتراجع. في فترات معينة من السبعينيات مثلاً كانت الدولة تهيئ أجيالاً من الخريجين للعمل في ميادين الترجمة الفورية استعداداً لعقد مؤتمرات عالمية في بغداد، لذا أنفقت الدولة مبالغ طائلة في تدريب المترجمين الفوريين في بلدان مختلفة. وحين اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، خفتَ هذا الاندفاع، وضاعت أجيال من الخريجين في ساحات الوغى، وتراجعت حركة الترجمة، ثم استعادت شيئاً من حماسها رغم الحصار، واستمرت الجهات المعنية بالثقافة بدفع الحركة، ثم توقفت مرة أخرى، وعادت إلى النشاط بعد فترة طويلة وصعبة.. وها نحن نشهد فترة انتعاش في زمن العولمة.
* يقال إن الترجمة خيانة للّغة الأم، هل مارست هذه الخيانة، أم أنك لا تقول بهذا التعريف؟
– من خلال تجربة الترجمة الفورية الطويلة وترجمة وكتابة دراسات نقدية عن الترجمة الأدبية، وجدت أن الترجمة ليست خيانة، بل إنها مهمة مقدسة تضع المترجم في امتحان صعب، فلولا الترجمة لما تعايشت شعوب العالم، لأن الترجمة تسهم في تطوير الاقتصاد العالمي، وجودة الخدمات، والتبادل الثقافي، وتدفق رأس المال، ونقل التكنولوجيا. يكفي أن نقول إن إجمالي إيرادات الترجمة في عام 1997 مثلاً، حسب أحد الباحثين، بلغ أكثر من ملياري دولار.. ترى كم أصبح في عصر العولمة والترجمة الفورية عبر الإنترنت هذه الأيام؟
* من اطلاعك على الكتب العربية المترجمة إلى اللغة الإنكليزية، هل تلمست وجود اختلاف في النصّين؟
– من أهم المسائل التي تستوقف المهتمين بالترجمة من العربية إلى الإنجليزية هي قضية توصيل روح النص وثقافته العربية.. وقد لاحظت من متابعة ترجمات كثير من الأعمال الروائية العربية الفائزة بجوائز عالمية، أنها فقدت روحها ولم يشعر القارئ الأجنبي بما يشعر به القارئ العربي للنص، هذا ما لمسته عند القرّاء الأجانب الذين كنت ألتقيهم في مؤتمرات عالمية، ومعارض الكتاب التي كانت تقام في مدن عربية، إذ كانوا يعبِّرون عن خيبة أملهم.. وحتى عندما يشيدون بالترجمة، تقول أرقام المبيعات خلاف ذلك. لم أشعر بأن الأعمال الروائية العربية الفائزة والمترجمة تزود القارئ الأجنبي بما زودتنا به ترجمات كثير من الأعمال، سواء تلك المكتوبة بالإنجليزية أم بالروسية أم باللغات الأخرى.. وهذا ليس عيباً في الرواية العربية أو اللغة العربية الجميلة، بل في تكليف مترجمين أجانب بترجمة روايات وقصائد عربية لا يفك مغاليقها سوى مترجم عربي، لكن يبدو أن هذا هو السائد في السوق.
* ما الذي يمتاز به المترجم الفوري عن غيره من المترجمين، أسألك، وأنت أحد أكفأ المترجمين المحترفين في هذا المجال منذ عقود؟
– أهم ما يميز المترجم الفوري المتمكن من مهمته هو أنه ينفذ مهمة تكاد تكون مستحيلة، فخلال عملية الترجمة الفورية تحدث خمس عمليات في الدماغ في أجزاء من الثانية: الاستلام، الاستيعاب، الترجمة (في داخل الدماغ) ثم النطق، وأثناء نطق الترجمة، تأتي الخطوة التي تتطلب حفظ الجملة ونطقها باللغة الثانية وهكذا، ومما يميز المترجم الفوري المتمكن، ثقافته الموسوعية التي تؤهله لإنقاذ الموقف في جزء من الثانية.
الصعوبة الأخرى التي يواجهها المترجم الفوري هي تعدد اللهجات واللّكنات التي قد تؤدي إلى الوقوع في مطبات خطيرة. كما تشكل الصعوبات الثقافية التي تبرز في إشارات المتحدثين إلى منظومات سياسية وثقافية ودينية مختلفة. كذلك يشترط في المترجم الفوري تقديم نسخة دقيقة وأمينة عن الخطاب الأصلي، وقد يضطر المترجم الفوري إلى سد الثغرات الثقافية بسرعة، وفي أجزاء من الثانية مع ضرورة الالتزام بنقل روح النص الذي يسمعه المترجم الفوري الذي قد يحصل أحياناً على نسخة ورقية من الخطاب قبل دقائق فقط من بدء الاجتماع. في كل الأحوال، لا يجوز للمترجم الفوري أن يتأخر عن المتحدث، ويجب أن يبدأ جملته في اللحظة التي ينهي بها المتحدث كلمته أو بعدها بثوان، بخلاف ذلك سيرتبك ويتأتئ وتضيع منه جمل مهمة. وبغض النظر عن ظروف العمل، وعن طبيعة الحوارات وقاعة الاجتماع والمعدّات، يواجه المترجم الفوري معضلة غموض المواقف والتلاعب المقصود بالمفردات وظِلال المعاني التي قد تكون مقصودة، وغالباً ما يعزوها الساسة في المؤتمرات الصحفية والاجتماعات التي تعقد في مجلس الأمن مثلاً إلى أخطاء في الترجمة، وما حكاية الأراضي العربية المحتلة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 بعد حرب 67 إلا مثال لا ينسى، ومازال يُدرّس في أقسام الترجمة في أرجاء العالم كافة، إذ نصت النسخة الإنجليزية على انسحاب إسرائيل من “أراضٍ عربية محتلة” في حين فهمتها الوفود العربية على أنها “الأراضي العربية المحتلة”، وكان فعل الجملة قد وضع بصيغة المضارع البسيط withdraws في حين كان يجب أن يوضع بالصيغة القانونية المعتادة في قرارات الأمم المتحدة shall withdraw لكن هذه اللعبة نجحت وكتب القرار بالصيغة التي خدمت مصالح (إسرائيل)!
* درَّست في الجامعات العراقية سنوات طوالاً، كيف ترى واقع المؤسسة التعليمية الأكاديمية في هذا المجال اليوم؟
– سعت الجامعات العراقية إلى مواكبة التطورات العلمية والأكاديمية في العالم رغم الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد على امتداد العقود الماضية، ومع التوسع الحاصل في الجامعات والاختصاصات، ازدادت أعداد الطلاب والطالبات الذين سعوا إلى الالتحاق بهذه المجالات، ومع تزايد الأعداد، يلاحظ المتابع تراجع المستويين العلمي والثقافي، الأمر الذي يسبب حالة إرباك وضياع، أظن أننا أضعنا كثيراً من الوقت والجهد والمال في دراسات نظرية، في حين أن هذا الميدان يتطلب تدريباً عملياً وتشجيعاً للشباب للالتحاق بسوق الترجمة الفورية التي احتلها جيل من المترجمين والمترجمات العرب في السنوات العشر الأخيرة، فيما تراجعت أعداد مترجمينا رغم أن لدينا أقساماً للترجمة في معظم الجامعات الحكومية والخاصة.
* تقدم منذ مدة دورات في الترجمة، هل لمست شغفاً لدى المتلقين؟ وهل يمكنك أن تقول بنجاح هذه الدورات؟
– في أحدث دورة تدريبية لتطوير المترجمين الفوريين، سعدت بتقديم خبرة سنوات طويلة لمجموعة رائعة من المترجمين والمترجمات، الذين يستطيعون سد الثغرات الثقافية والحاجة المحلية بمجرد زجّهم في دورات تدريبية مكثفة ومنحهم الثقة للانطلاق، وإلا لا يمكن البقاء على هذا الحال في الاعتماد على موارد بشرية من خارج البلاد فيما العراق يعجّ بهذه الإمكانيات، أعتقد أن دار المأمون للترجمة في بغداد تستطيع أن تسد الفجوات وتزود المؤتمرات بقدرات عراقية ممتازة من مختلف الاختصاصات واللغات.. لابد من كسر هذا الحاجز.
* ما جديدك، إصدارات أو مشاريع ثقافية ومعرفية؟
– هناك مشروع لترجمة كتاب اقترحته دار المأمون للترجمة، مازلنا بانتظار الموافقة، كما أن هناك فرصة لتهيئة دورات تدريبية لتطوير قدرات المترجمين الفوريين الشباب من أجل خلق فرص عمل وسد الاحتياجات المحلية والإقليمية، كما أن هناك مقترحات لزج الشباب في دورات ومهام في مجال الترجمة الفورية بالتعاون مع دار المأمون والمؤسسات الثقافية الأخرى، وربما هناك مشاريع لترجمة نصوص وكتب من العربية إلى الإنجليزية.