(الماروت).. السقوط في دوّامة الجريمة والعنف

37

 

رضــا الـمـحـمــداوي/

بدءاً من عتبة عنوانه، يضعنا مسلسل (الماروت) لمؤلفتهِ رسل جواد، ومخرجه مهدي طالب، في إشكالية العنوان والمضمون، وعلاقتها بالواقع والمجتمع العراقي. فضلاً عن إشكالية الجدوى من إنتاجه من قبل لجنة دعم الدراما، وحتى عرضه على شاشة قناة العراقية لا يخرج عن تلك الإشكالية وأسئلتها المحرجة.

جرى اقتطاع (الماروت) كعنوان من اسم الملكين (هاروت وماروت) اللذين ذكرهما الله (سبحانه وتعالى) في محكم كتابه العزيز مرة واحدة في سورة (البقرة)، وقد أسقط المسلسل اسم (هاروت) وأبقى على (ماروت)، وأضاف إليه التعريف بالألف واللام.
لا أريد الخوض في التفاسير الإسلامية التي وردت في شرح هذا الموضع من الآية الكريمة، لكني أتوقف نقدياً للإشارة إلى عدم وجود أيّة دلالة لاستخدام هذا الاسم (الماروت) كعنوان لمسلسل درامي يخوض في عوالم الجريمة والعنف والقتل، والاتجار بالأعضاء البشرية، وترويج المخدرات، وعمليات التصفية الجسدية، وتناثر الجثث وسط مشاهد الدماء، حتى يصل الأمر إلى القصف باستخدام طائرة مسيرة!
أما عن استخدام الاسم (ماروت) للدلالة على السحر والشعوذة، فإنّ المسلسل لم يتعرض لهذا الجانب سوى في خط درامي واحد، جاء عابراً من خلال شخصية (جبار الأعضب) (الفنان ميمون الخالدي)، الذي كتب يافطة عريضة في مكتبه تحمل اسم (هاروت وماروت)، حيث يمارس أعمال السحر. وسيزداد هذا الاستخدام غرابةً وافتراقاً عن المضمون باختيار (تايتل) البداية والنهاية الغنائي للمسلسل، المأخوذ من أشعار المتصوف الشهير(الحلاج)، غناء محمد سجاد، والتأليف والتوزيع الموسيقي لرضوان نصري.
لم أجد أية علاقة بين هذه المقطع من الأشعار الصوفية ومزج رقص الدراويش الدائري بالطريقة المولوية، مع الرقص الشرقي كواجهة أمامية لمسلسل يكتظ بمشاهد الجريمة والقتل والعنف المتبادل بين العصابات المتناحرة.
سقف زمني وأبعاد نفسية
اختار المسلسل سقفاً زمنياً درامياً متحركاً يبدأ في العام 2019 ثم يعود إلى العام 1987 في مستشفى الرشيد العسكري، ليضعه خلفية تأريخية مسببة ومحفزة لأعمال الدكتور (شاهين) (جواد الشكرجي) أو (هادي عبد المنعم)، كما يكشف عن حقيقة شخصيته في نهاية المسلسل، ليستقر الزمن عند العام2022 حيث تدور أحداث المسلسل.
اعتمد المسلسل كثيراً على البعد النفسي في بناء الشخصيات الرئيسة، باعتباره الدافع أو الباعث الدرامي لأعمال العنف والجريمة، وعملية تصفية الحسابات القديمة، ولاسيما في الكشف عن خلفيات أعمال (لجنة شرحبيل) سيئة الصيت في حرب الثمانينيات خلال سنوات حكم النظام الديكتاتوري السابق، التي راح ضحيتها الدكتور(شاهين)، الذي سرقت كليته. وهو الفعل الذي جعل منه شخصية مجرمة بسلوك (سايكوباثي) مضطرب، احترف معه سرقة الأعضاء البشرية والمتاجرة بها. تساعده في ذلك (نسومة) (الممثلة السورية رنا الأبيض)، التي تعمل على اصطياد ضحاياها من الفتيات البريئات لتدمجهن في ذلك العالم الملوث بأعمال الليل والاتجار بالبشر.
كان يمكن للمؤلفة من خلال التعرض لأعمال (لجنة شرحبيل) أن تدين النظام السابق وتكشف عن جرائمه، لكنّ المسلسل اختار أن تكون هذه الإدانة عبر الشخصيات الدرامية التي جسدت ذلك النظام. ويقف نفس البعد النفسي كخلفية لسلوك وتصرفات (عبود) (مقداد عبد الرضا)، ومزاجه المتقلب بين الحزن والبهجة؛ إذ إنه يعاني من فقدان عائلته في حادث احتراق سيارته، لذا نجده يسعى للانتقام من القناص (سابو) (محمود أبو العباس)، ذلك القاتل المأجور المحترف، دون أي تبيان أو كشف للأسباب التي دفعت الأخير ليكون كذلك.
لكن شخصية زعيم العصابة (صفوان) (جلال كامل) ورجاله المدججين بمختلف الأسلحة، ومسكنه الفخم على ضفة النهر، ظلت تتحرك في الفراغ بدون أية حوافز أو دوافع درامية واضحة، ولاسيما في علاقته مع (شاهين)، مع أننا شاهدنا حضور(صفوان) الدائم وأفعاله الإنتقامية القائمة على التنافس والعنف المتبادل بين الاثنين.
في ذات الفراغ الدرامي الكبير، ظلتْ شخصية (فلة) (الممثلة آسيا كمال) تتحرك بملابسها الرثة الثابتة طوال الحلقات، وسلوكها غير السوي الذي بقي أقرب إلى الشخصية المصابة باللوثة العقلية، منه إلى السلوك المنضبط والمقصود، ولم يتوضح لنا هدفها رغم حركتها الدرامية الدائرية في علاقتها مع الشخصيات الأخرى، مع أنّ ظهورها جاء بعد مقتل ابن عمها (طعمة) (الممثل حقي الشوك).
عانى المسلسل في الحلقات الخمس الأولية من ربكة واضحة في السيناريو، إذ لم تتوضح منظومة العلاقات المتداخلة بين المحاور والخطوط الدرامية وظهور الشخصيات واختفائها، قبل أن تأخذ تلك الشبكة من العلاقات طريقها داخل أعمال العنف وعمليات القتل المتبادلة وكثرة المشاهد الدموية، حيث التفجيرات والتصفيات الجسدية لأسباب واهية، وأحياناً بدون ذكر الأسباب!!
وحتى قصص الحب التي جسّدتها الخطوط الدرامية لكل من (زمن) (نور الخفاجي) و(أثير) (أثير كشكول) وكذلك (كوجي) (أساور عزت) و(سمارة) (سامر دشر)، لم تقدم إشارات أو بوادر أو ملامح أمل للخلاص مما هي فيه، إذ سرعان ما غاصت في مستنقع الجريمة والعنف.
دراما الشوارع الخلفية
غابت ملامح البيئة الاجتماعية العراقية المعروفة عن المسلسل، على الرغم من أنه قد اختار الأزقة البغدادية القديمة بكل رثاثتها ووساختها، والشوارع الخلفية المظلمة، كبيئة مكانية درامية رئيسة، كما أضافت الأجواء الشتوية الممطرة والباردة نوعاً من البرود العاطفي على الشخصيات التي نراها على الشاشة، برغم أنّ المخرج قد نجح في رسم وتجسيد نماذج فنية درامية متميزة (كاركتر) مثل تلك التي أداها باقتدار وتمكن فني واضح كل من الفنانين (جواد الشكرجي ومقداد عبد الرضا ومحمود أبو العباس وجلال كامل وآسيا كمال) على وجه الخصوص، لكنها عموماً افتقدت عنصر التعاطف معها والانحياز إليها رغم أنهم ظهروا أمامنا بوصفهم ضحايا لظروفهم الشخصية وبيئتهم الاجتماعية.
السؤال المطروح هنا: هل هناك ضرورة درامية أو اجتماعية تقف وراء إنتاج هذا المسلسل من قبل لجنة دعم الدراما لتعرضه قناة العراقية وسط هذه الموجة الطاغية من الأعمال التي تناولت العنف والجريمة، التي أنتجتها القنوات التلفزيونية الأخرى؟ وأين الرد الدرامي النوعي الذي يفترض أن تقدمه شبكة الإعلام العراقي، حاملاً معه رسالته الوطنية والاجتماعية؟