الناشرون كثـر لكن أين هم المبدعون؟!

1٬002

سامر أنور الشمالي /

منذ عقود قليلة كان النشر مقتصراً على دوريات ورقية قائمة عليها مجموعة من الأدباء الذين يقرأون النصوص الواردة، ويختارون ما يرون أنها الأفضل، وينشرونها بعد إجراء الإصلاحات اللغوية في حال وجودها، وقد يجرون بعض التعديلات الطفيفة لتقديم النصوص بأبهى حلّة. ولكن بعدما تطورت وسائل النشر بات بإمكان أي شخص، وإن لم يكن كاتباً محترفاً، نشر ما يريده على صفحات المواقع الإلكترونية.

فهل أسهم هذا في تطور الأدب؟ أم أنه لم يكن في صالحه؟ وهل الحرية التي وفرتها وسائل النشر الحديثة منحت الكاتب قدرة أكبر على التعبير عن أفكاره ومشاعره؟

خيارات الكاتب
الدكتور العراقي (رسول محمَّد رسول)، المعروف باشتغاله في مجالات الفكر الفلسفي والنقد الأدبي، وجد أن الحرية غير المحدودة التي أتاحتها وسائل النشر الإلكترونية للكاتب لم تكن في صالح الأدب بالضرورة، ويقول: “الحرية ليست على الدوام هي الصحيح والصواب، والضوابط الآن هي في فوضى، فكم من الأخطاء توجد في مقالات ومنشورات نقرأها على جدران الشاشات الزرقاء.” ولكن هذا لا يعني أن الحرية لم توفر مساحات مناسبة لتقديم الإبداع الذي تخلص من كافة شروط الرقيب الجائر: “أجد، كما غيري من الكتّاب، حرية النشر جيدة، وتخلصنا من مزاج المحرر وأحقاده وغيرته وحسده ولؤمه أحياناً.”
ويتفق مع هذا الرأي الكاتب المصري (مصطفي البلكي) صاحب التجربة المميزة في مجال الرواية والقصة، وذلك باعتبار أن لحرية النشر فوائد وسلبيات. ويجد أن الحرية هي مسؤولية يختارها الكاتب: “إن الحرية السليمة هي التي يحددها الكاتب، ولا تفرض عليه، وأيضاً هي التي لا تضرب ثوابت أي مجتمع.”

هامش الحرية
الأستاذ الجامعي والشاعر الإماراتي (طلال الجنيبي) يؤكد أن الحرية هي في صالح المبدع الحقيقي: “إن هامش حرية النشر الإلكتروني أفاد المبدع الحقيقي الذي وجد نوافذ مشرعة تتيح له أن يطل عبرها على المتلقي بلا حاجة لوصاية أو إذعان لشروط أو معطيات غير منصفة. وقد تمكنت العديد من الأقلام المتميزة أن تحصل على فرصتها وتستشعر ردود الفعل المباشرة بشكل سريع ما أسهم في تطوير المنتج الإبداعي والنهوض به إلى مراتب أعلى من الإبداع والإمتاع والتميز.” ولا يغفل بدوره الإشارة إلى سلبيات الحرية غير المشروطة: “من جانب آخر فقد أضر هذا الهامش الإلكتروني بذائقة المتلقي وسمح لمن لا موهبة ولا معرفة عنده بإدعاء الإبداع، ما أغرق الساحة وجعل تمييز الجيد من الصعوبة بمكان، وأضر بالصورة العامة للإبداع والمبدعين، وأساءت وحملت كل أطراف العملية الإبداعية مسؤولية إضافية حتى يتمكن المنتج الفكري الإبداعي المستحق من العبور بجدارة الى بر الأمان.»
القارئ العربي

يتابع الدكتور (رسول محمَّد رسول) الحديث عن سلبيات الابتعاد عن النشر الورقي لأنها ذهبت بالكثير من الأعراف المرعية التي كان الالتزام بها في صالح العمل الأدبي، فما زالت للنشر الورقي قواعده الصارمة: “لم تعد للنشر أصول مرعية كما في النشر الورقي، فلم يعد هناك المحرر الذي يصحح النص ويشذّبه قبل إخراجه للقراء.” ورغم إشادته بدور المحرر، ينبه إلى ضرورة عدم تطاول هذا المحرر على إبداع الكاتب واحترام رأيه: “أحترم المحرر عندما يصحح لي أخطائي الإنشائية، ولا احترمه عندما يمنع نشر مقالاتي، عندها يتحوّل إلى دكتاتور.”

تراهن الكاتبة (غالية خوجة) على دور القارئ الذي تجده أنه سينحاز إلى الإبداع الصادق، وإنه هو من سيقول الكلمة الفصل في نهاية المطاف: “القارئ بشكل عام، والقارئ العربي خصوصاً، يتمتع بشخصية قادرة على الفرز، ذائقته مثقفة، بحكم المتراكم في مورثاته الحضارية التاريخية والمعاصرة، لذلك لا مجال لمخادعة القارئ، أو غشّه إبداعياً، فكم من الكتبة الذين انتشروا واشتهروا مع كتاباتهم إلاّ أنهم لم يقنعوا القارئ بإضافة جديدة.”

وتأخذنا الروائية والشاعرة السورية (غالية خوجة) إلى الحديث عن الشهرة التي أتاحتها تلك المواقع الأدبية، وتشير إلى أنه لا علاقة شرطية بين الشهرة الواسعة والإبداع الحقيقي، وترى أن: “الانتشار لا يعني الارتقاء أو الإبداع، وكم من كتب وصلت إلى الأكثر مبيعاً لكنها لم تضف رؤى وفنيات إبداعية، وكم من مواقع الكترونية تحقق عدداً هائلاً من الزيارات، لكن ما ينشر فيها، غالباً، لا يكون في فضاء الإبداع، لاسيما في زمننا الجاهل الذي تجلس فيه العائلة معاً، لكنها غير جالسة معاً، لأن كلاً من أفرادها منشغل بالأجهزة الإلكترونية بطريقة سلبية، وتالياً، أصبح الجميع كاتباً، لا مشكلة، لكن المبدعين قلة.”