
النقابات والاتحادات بين صناعة الأسماء والعمل التنظيمي
زياد العاني /
لا شك في أن للاتحادات والنقابات دوراً مهماً وفعالاً في خدمة المثقف، وهي الداعم الكبير له، وهناك من يعتقد أن الانتماء، أو الحصول على عضوية هذه الاتحادات والنقابات ضرورة ملحة، يمكنها إضافة شيء له، فضلاً عن منحه صفة المثقف، بينما هناك العديد من الأدباء والمثقفين لديهم رأي آخر مختلف، وهم غير منتمين لأي من الاتحادات والنقابات، بالرغم من أنهم فاعلون ومنتجون وينافسون بنتاجاتهم الإبداعية. وللوقوف على أسباب هذا التباين في الآراء، كان هذا الاستطلاع.
منبرٌ معارض
“إذا كان الإبداع موهبة فردية، فلا يشترط على صاحبه أن يكون منتمياً إلى اتحاد أو نقابة! وهذا أمر مفروغ منه.” هذا ما قاله الناقد د. أحمد الزبيدي عن موضوعنا، مسترسلاً: ” لم تنشأ فكرة النقابات إلّا بعد المد الشيوعي، الذي غزا المجتمع العربي، بعد تربعه على العرش السوفيتي، ومن هنا فإن الفكرة هي فكرة شيوعية بامتياز، كانت غايتها تأسيس مؤسسات تدافع عن حقوق المبدعين، وربما هي منبر (معارض) للسلطة، ومنظمة للسلوك المتآلف بتوجه جمعي، يُعنى في بلورة الخطاب الهادف إلى الإصلاح والدفاع عن حقوق المنتمين إليها. ومن هذا المنطلق، لا شأن للنقابة بمستوى المبدع ولا بجودة عمله، ولو كانت مهمة النقابة أو الاتحاد مهمة إبداعية، لما أعرنا أهمية لمنجز السياب، الذي خسر (الانتخابات) التأسيسية لاتحاد الأدباء، فهل يحق لنا القول إن السياب كان يعوزه (الاتحاد!)؟ وينطبق القول نفسه على نازك الملائكة التي لم تنتم أيضاً إليه.” وتساءل: “وبالافتراض نفسه، هل تأسيس اتحاد الأدباء على يد الجواهري، وبمباركته، هو السبب في منحه لقب شاعر العرب الأكبر؟!”
أدباء عاطلون
أما الشاعر والكاتب مهدي القريشي فقال: “لا يخفى على الجميع أن أعضاء الاتحادات والمنظمات هم العمود الفقري لديمومة حضورها الفاعل، لكن في حاضرنا الراهن، ومن خلال المتابعة الميدانية لما ينشر في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي، نجد أن بعض المنتمين إلى هذه المنظمات والاتحادات الثقافية، الذين يطلق عليهم صفة أديب أو فنان جزافاً، عاطلون عن ممارسة دورهم الأدبي والثقافي، والبعض منهم فضلوا الإدارة التي هدمت من جرف ثقافتهم الكثير، والتي ستحيلهم مستقبلاً إلى موظفين.” وقال عن بعض المنتمين إلى هذه النقابات والاتحادات: “الطارئ والمزيف هو من يقتني هذه الهويات لغرض الوجاهة الاجتماعية فحسب، أما نشاطهم فيتمركز يوم الانتخابات ويوم تسلم المنحة، ودليلي – وهنا أعني الأدباء – أن حضور معظم فعاليات ونشاطات اتحاد الأدباء الأسبوعية، لا يتناسب قياساً بعدد أعضاء الاتحاد في بغداد مثلاً، الذي يقدر بالمئات، وهذا ينطبق على بقية اتحادات المحافظات، ناهيك عن وجود اتحادات في بعض المحافظات بلا نشاطات تذكر.” وفي نهاية حديثه قال (القريشي): “الانتماء لهذه المنظمات لا يخلق أديباً او مثقفاً، كذلك حضور المهرجانات الأدبية والثقافية ولو بشكل مكثف.”
حفظ الحقوق
وكان للشاعر حميد قاسم رأي مختلف إذ قال باختصار: إن “هذه منظمات نقابية، كان دافع تأسيسها الدفاع عن أعضائها من أبناء المهنة، وحفظ حقوقهم وتمثيلهم أمام الدولة، وهي جزء من منظمات المجتمع المدني، مع أن العالم شهد تراجعاً كبيراً في فكرة النقابيّة منذ تسعينيات القرن الماضي. وعلى العكس من هذه الفكرة، فإن بعض النقابات في العراق تعاقب أعضاءها استجابة لرغبة هذه السلطة أو تلك، وهذا ما فعلته نقابة المحامين مثلاً.” وأضاف: “في تقديري أن هذه المنظمات لا تصنع مثقفاً ولا تقدم له شيئاً على صعيد الإبداع، فهي لا تملك أن تجعل من عديمي المواهب مبدعين، مثلما لا تملك أن تسلب مبدعاً موهبته أو تحط منها.. هكذا أرى الأمر ببساطة.”
دعمٌ معنوي
القاص علي حسين عبيد تحدث في معرض إجابته عن أسئلتنا عن حاجة الأديب المستمرة للدعم واستحصال الأساليب الجديدة وصقل التجربة، وقال: “كل أديب في بداية مشواره الأدبي يحتاج إلى ما تقدمه الاتحادات والمنتديات الأدبية في هذا المجال، خصوصاً قضية النشر، والمشاركة في الفعاليات والندوات الأدبية المتنوعة، وهناك بالطبع أنوع معينة من الدعم المعنوي والمادي توفرها بعض الاتحادات والمنظمات الثقافية، أما حين يبلغ الأديب أشدّه ويستقل في تجربته، فإنه يستطيع خوض غمار التجربة الإبداعية اعتماداً على قدراته الذاتية.” مضيفاً: “بالطبع هناك فائدة كبيرة للأنشطة الجماعية الأدبية التي تقدمها مؤسسات ومنظمات الثقافة، لكن هذا لا يعني أن تطور التجربة الإبداعية مرهون بهذه المنظمات الثقافية، حيث يبقى الإبداع والتميز الفردي والمثابرة الفردية للأديب، هو الأساس في النجاح والتميّز.”
وفي الختام استنتجنا أن جميع المتحدثين اتفقوا على فكرة مفادها أن لا فائدة في أديب تصنعه المؤسسة أو الاتحاد، إلا إن كان مبدعاً وموهوبا بالأصل، وفي حال لم يكن مبدعاً أصيلاً فإنه سوف يضمحل ويتلاشى حتماً.