الوقت في زمن كورونا!

684

#خليك_بالبيت

علي السومري /

لم يعد الوقت بعد جائحة كورونا التي أصابت العالم أجمع، عذراً مقبولاً عند أغلب المثقفين والفنانين العراقيين، الذين طالما تحدّثوا عن عدم وجوده في مقابلاتهم الصحفية أو نقاشاتهم الشخصية مع بعض، هذا العائق الذي كان يحول دون إكمالهم لمشاريعهم المؤجلة، سواء أكانت مشاريع كتابية أو حتى مشاريع فنية.
حبس صحي وقائي وجد المثقف العراقي فيه نفسه في مواجهة مع ذاته، في سؤال عن كيفية استثمار هذا الكمّ الهائل والفائض عن الحاجة من الوقت لإنجاز ما لم يكن باستطاعته إنجازه سابقاً؟.
واحدة من المهام الشاقة كانت في ترتيبهم لمكتباتهم الخاصة، ونحن نعرف جيداً أن ترتيب أي مكتبة خاصة سيكون مؤثراً، أشبه بمن يفتح صندوقاً منسيّاً منذ سنوات طوال، كم الكتب غير المقروءة، جمع قصاصات الورق التي تضمنتها بعض الكتب، مخطوطات منسيّة معفرة بتراب زمن طويل، وكلها مشاريع مؤجلة.
المُعلمون الأوائل
إنّ إعادة ترتيب مكتبة يشبه إلى حد كبير محاولة مسح الحزن عن وجوه المعلمين الأوائل من الكتّاب العالميين والمحليين، واستعادة العلاقة معهم من جديد، وفيها – المكتبة – ليس غريباً أن تجد تولستوي منطوياً على نفسه وهو يعيد التفكير برائعته الحرب والسلام، أو ماركيز الذي غرق بعزلته المئوية وهو ينتظر من يكاتبه، أو أن تجد سيوران وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد حياة قضاها في مياه بلون الغرق، وشعراء يحاولون عبور أزقة معتمة عبر ضياء قصائد كتبت في أزمنة متداخلة، وفيها أيضاً ستحاول تتبع ما تبقى من آثار أقدام رحّالة وباحثين متعبين أنهكتهم رحلاتهم المكوكية عبر التأريخ، جديده وقديمه، هذا التيه في عالم من الكتب، يشبه الدخول في عالم بورخيس، الشاعر والكاتب الذي تمنّى أن تكون جنته في نهاية المطاف مكتبة كبيرة.
كل هذا وغيره ربما سيكون بالنسبة لأي كاتب حقيقي دافعا لمواصلة هذه الرحلة المضنية، من أجل مواصلة مسيرته الإبداعية، وربّما ستكون بالنسبة إليه وقفة لإثارة سؤال مهم، ما الذي أريد الوصول إليه إن كانت نهاية هذه الرحلة المضنية هي النسيان؟ الضياع في عالم من الكتب ضمن مجرة كبيرة لمكتبات منسيّة!
أسئلة الثقافة
شحة الوقت كانت أيضاً سبباً للكثير من الفنانين عموماً ولمتذوقي السينما والدراما لا سيما في تخلفهم عن متابعة أحدث النتاجات السينمائية والتلفزيونية العالمية والعربية والمحلية، وواحدة من فوائد الحجر الصحي في العراق، أعاد الكثير منهم برمجة ساعاتهم في البيت لمشاهدتها، والكتابة عنها في صفحاتهم الخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، وإثارة الأسئلة عن مضامينها مما حفّز كثيرون غيرهم لمشاهدتها، وهذا بحد ذاته مهم جداً للثقافة العراقية، ولعشاق السينما والدراما في العراق من خلال تسليط الضوء على ما وصلت إليه السينما العالمية وطرق إنتاجها وتشعب مضامينها، وهو بحد ذاته درس مهم للمشتغلين بهذا المجال، وربما سنشهد قريباً ثمار هذه المشاهدات عبر أفلام محلية جديدة تأخرت في الظهور بسبب انشغال أصحابها بأعمالهم الخاصة ومسؤولياتهم الاجتماعية التي أثرت سلباً في مواكبة الكتابة الحديثة للسينما والدراما.
نتاجٌ جديد
أعرف الكثير من المبدعين ممن تصلني أخبارهم، بشأن استعادة علاقتهم بالكتابة، سواء أكانت سردية أو سينمائية، وكلّي أمل برؤية جديدهم في القريب العاجل، كتب وأفلام ستضخ دماء جديدة في شرايين الثقافة العراقية وترسم ملامحها بعد جائحة كورونا، مشاريع سردية وسينمائية ومسرحية وحتى تشكيلية، أجبر وباء كورونا والعزلة التي فرضها عليهم مبدعيها على إكمالها لرفد مكتباتنا وثقافتنا بالجديد منها، وهنا تتجسّد مقولة “ورب ضارة نافعة”.
نجاةٌ محتملة
بالنسبة لي، الحياة في زمن كورونا تشبه الدخول في عالم جديد لم أكن أعرفه من قبل، تباعد اجتماعي اضطراري، يختلف عن ذلك الذي كنت اختاره لنفسي في أوقات معينة، تشبه ركوب سفينة مبحرة إلى المجهول في بحر هائج، تشبه الحياة في عالم موبوء ومواصلة المقامرة للخلاص من أجل نجاة محتملة، تشبه أن تكون بطلاً في كتاب أو فيلم في حياة حقيقية، بطل يحاول أن يكون في نهاية هذه المغامرة أمثولة لآخرين ربما تمكن اليأس منهم، وتوقفوا عن محاولة التملص من شباك هذه النهايات المرعبة التي ترميها وترسمها نشرات الأخبار الخانقة!
وهنا وفي مثل هذه المحن يكون للمعرفة والثقافة التي نسعى بأن تكون أحد الأغذية الرئيسة للإنسان، جدار الصد الأول في مواجهة الأزمات والتغلب عليها، ومنها أزمة كورونا وما خلّفته من أضرار ثقافية واجتماعية واقتصادية على سكان العالم أجمع.

النسخة الألكترونية من العدد 363

“أون لآين -6-”