برحيل حسن العاني.. الصحافة العراقية تخسر أشهر كتّابها الساخرين
بغداد / زياد جسام/
نعت الأوساط الصحفية والإعلامية العراقية الكاتب والصحفي الرائد الزميل حسن العاني، الذي وافاه الأجل بعد صراع مع المرض. عُرف العاني، منذ ستينيات القرن الماضي، قاصاً وروائياً وصحفياً، وهو من مواليد العاصمة بغداد عام 1943. اشتهر بأعمدته الصحفية اليومية الساخرة، وأصدر كتباً عديدة في الأدب والرواية والصحافة.
يذكر أن مدير دار الشؤون الثقافية د. عارف الساعدي أعلن عن كتاب بعنوان (تلك كانت النهاية)، يضم المجموعة القصصية الأخيرة للعاني، التي لم يسعفه الوقت لرؤيتها مكتملة، فهي مازالت في مطابع دار الشؤون الثقافية، وقد شكل رحيله خسارة كبيرة للوسطين الصحفي والثقافي.. وفيما يلي كلمات رثاء بعثها بعض أصدقائه المقربين..
حسن أحمد لطيف
يقول باسم عبد الحميد حمودي: اضطر العاني أن يوقع باسمة (حسن أحمد لطيف) هذا على كشف أجور البرامج في الإذاعة ليحصل على أجور برنامجه الأسبوعي في السبعينيات (وكان برنامج منوعات طريفاً)، عندما قررت الحكومة ألغاء الألقاب فصار يوسف العاني (يوسف عبد) وعبد الوهاب البياتي (عبد الوهاب أحمد) ونازك الملائكة (نازك صادق)..وضاع الخيط والعصفور.
أكثر واحد كان مع القرار(المضحك) لمناكفة حسن العاني هو كاتب هذه السطور, لأن اسمي كان خارج هذه اللعبة السياسية المضحكة.
تغافلت الدولة – بعد أشهر- عن هذا القرار, لكن حسن العاني- نكاية بالدولة التي حاربته- رفض الكتابة والنشر إلا باسمه الذي عرفه الناس به وهو (حسن العاني)، لذلك فقد اضطر للنشر بأسماء مستعارة لكي لا يغير اسمه الحقيقي… وهذه واحدة من (خباثات) أبي عمار مع الحكومة ومعارضتها (البناءة).
من أكثر الأحياء المعانين الذين لم يقتلوا في زمن النظام السابق هو حسن العاني.. فقد منع من النشر خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة من زمن النظام, ليضمنوا له (جوعاً) ممتازاً.
رحيل قبل الأوان
فيما يقول رياض شابا: تحدثت الى الراحل بالهاتف ثلاث مرات في مدة تقل عن العام، بعد أن تمكنت من الحصول على رقم هاتفه من صديق مشترك في بغداد، وبعد أن تأكدت أنه لا يملك صفحة على الفيسبوك، ولا بريداً إلكترونياً، كي أراسله، أحكي معه، لنسترجع صوراً من ذكريات تعود الى السبعينيات. بعد فراق دام سنوات، وعند عودتي الى عالم الصحافة صيف 2003 إثر غياب دام خمسة عشر عاماً، كانت سعادتي بالغة حين جمعتنا هيئة تحرير(الصباح الجديد) في ذلك المبنى العتيق بشارع حيفا.
وتابع: ما زلت حتى اللحظة أتذكر كلماته مخاطباً الراحل اسماعيل زاير رئيس التحرير بلغته الضاحكة وخفة دمه المعهودة: “ماذا يعني أن أكون مستشاراً للتحرير؟ ماذا أفعل؟” كتبها وقالها بلسانه، وكنا نضحك ونتندر، وكلنا يعرف حقيقة أن حسن العاني أكبر من مستشار، فهو الصحفي والأديب والإنسان المحب بقلب يسع الدنيا كلها، ويحمل همّ ساكنيها كلهم.. وقد سألني عبر الأثير: “شلونك بمكانك؟ مرتاح؟ أوضاعكم؟ أحوالكم؟ الله يساعدكم ..” ويعيدها مرات ومرات.. فأشكره بلساني، وفي خاطري امتنان يتعاظم، كلما قرأت ما يكتب من مواقف منحازة لنصرة المواطن، كلما يذكرني ويتذكرني، إنه رجل معجون بالطيبة والوفاء لكل أصحابه ومعارفه.. وصرت في كل عيد ومناسبة أحمِّل الصديق العزيز خضير الحميري، الذي يلتقيه على الدوام، تحياتي وأشواقي وتمنياتي.. غير متوقع بأنني لن أتمكن من القيام بهذا بعد اليوم، وبهذه السرعة، عندما تلقيت الخبر الصدمة برحيل فقيد الوطن الذي أقول له: “ستبقى حياً، كبيراً في ضمائرنا أبا عمار، والكلمات تبقى عاجزة أمام حقيقة رحيلك الأبدي.. رحيل قبل الأوان.”
وداعاً أيها المعلم الكبير
ويقول رسام الكارتير، وأحد الأصدقاء المقربين للراحل حسن العاني (رحمه الله)، خضير الحميري مخاطباً العاني : لمن سألجأ بعدك أيها الصديق العزيز حين تتعثر كلماتي أو تخونني البوصلة في الاهتداء للطرق الوعرة التي كنا نعشقها معاً، الطرق التي تبتعد دائماً عن المهادنة والمداهنة، رغم إغراءات الطرق الموازية ورفاه متبعيها.. أكثر من 35 عاماً في دروب الصحافة والفن والأدب مشيناها معاً، منذ أن تعارفنا لأول مرة عام 1986 في أروقة مجلة ألف باء، ثم انتقلنا الى الكثير من الأروقة معاً، وحين كان ينادي صديق أحدنا بكنيته كنا نلتفت معاً لأننا نحمل ذات الكنية باسم ولدينا (عمار)، فكان الصديق غالباً ما يضطر للتوضيح “أقصد أبا عمار الكبير”، وقد كنت كبيراً اسماً وسلوكاً وأدباً..
رحيل الكاتب الساخر
من جانبه، يقول الصحفي صباح ناهي: ها قد رحل العاني إلى دار البقاء، ذلك الكاتب والصحافي، الذي أنعش ذاكرة القراء لعقود بكتاباته الساخرة، في مطبوعات عديدة أبرزها مجلة ألف باء الأسبوعية.
كتب وصاياه -قبيل موته- للعدد المقبل من (الصباح) قبل وفاته بيوم واحد، حيث موعد عموده الأسبوعي كل يوم ثلاثاء، لكنه كتبه بعنوان (وصايا) الى الشعب العراقي، كما ذكر الزميل عبد الهادي مهودر، ووصايا العاني آخر مانشر للراحل الذي فجعنا بوفاته اليوم، وآخر ماكتبه في الصحافة وصاياه.
وبرحيل الكاتب حسن العاني، يفقد العمود الصحفي الساخر عموده الفقري، وتفقد الصحافة العراقية واحداً من روادها الذين زرعوا البسمة والضحكة الساخرة في نفوس القراء ليأخذهم بعيداً عن الهمّ والحزن والإحباط ، ويتجرع بمفرده المرارة، مثل كل ساخر من هذه الحياة، وساخط ومتذمر يرى في الفكاهة سلاحه الوحيد في عراكنا المستمر، لقد فقدنا، نحن كتّاب الصفحة الأخيرة في جريدة الصباح، واحداً من المعلمين والأساتذة في هذا الفن السهل الممتنع، وفقد الوسط الصحفي العراقي اسماً كبيراً وقلماً ساخراً لامعاً، هكذا يصفه زميله عن قرب مهودر، رحم الله أبا عمار، وطيب ثراه.