بغداد تنشدُ للقدس

297

علياء المالكي- تصوير: حسين طالب /

مواكبة لفعاليات يوم القدس العالمي، الذي يعقد كل سنة في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، نظمت “مؤسسة القدس الثقافية” مهرجانها الدولي الأول للشعر العربي تحت شعار “بغداد تنشد للقدس”، تغنى الشعراء فيه بأبهى قصائدهم التي تضمنت قضية القدس وحلم تحريرها وأهميتها في الواقع العربي، ومالهذه المرحلة من حاجة إلى التذكير بالتكاتف والتآزر من أجل الإبقاء على اللحمة العربية رداً على حملات التطبيع والصد عن الإرادة الفلسطينية.
انطلقت فعاليات المهرجان على قاعة صلاح الدين في فندق فلسطين الدولي يوم السادس والعشرين من شهر نيسان الماضي، بحضور دبلوماسي لعدد من سفراء الدول العربية، وبمشاركة العشرات من الأدباء العراقيين والعرب، وارتقى المنصة الشاعر والإعلامي مضر الآلوسي لتقديم فقرات المهرجان التي ابتدأت بتلاوة آي من الذكر الحكيم للمقرئ الشيخ عامر الكاظمي، بعدها وقف الحضور لأداء النشيدين الوطنيين العراقي والفلسطيني.
نفق التطبيع
وأشار رئيس مؤسسة القدس مرتضى التميمي في كلمة افتتح بها المهرجان الى أنه، ومُنذ مدة طويلة، “هناك أيدٍ تحاول أن تدفعنا الى الدخول في نفق التطبيع حتى تغطي عن أعيننا الحقيقة الواضحة، ألا وهي القضية الفلسطينية وما يدور حولها من ظروف محيطة وخيانات ومظلوميات وتعدٍ بالغ على كرامة الإنسان الفلسطيني، وعلى انتماءاته وطوائفه كافة. وما يحدث اليوم، ومنذ ارتماء الحكام العرب على سكة التطبيع تحت القطار الصهيوني، يجعلنا نأخذ على عاتقنا مسؤولية رفع الراية المناهضة للتطبيع ونرفع كلمتنا بوجه الظلم والاحتلال. لذلك كانت باكورة أعمال مؤسسة القدس الثقافية هي هذا المهرجان – مهرجان القدس الدولي للشعر العربي الأول، ومن خلال هذا المهرجان نؤسس لمهرجاناتٍ سنوية أوسع وبمشاركتين عربية وعالمية، فمنهاج مؤسستنا لا يقتصر على الشعر العربي فحسب، بل يشمل الفن والموسيقى والمسرح والدراما، كلها ستكون على رأس أعمال مؤسستنا، وستكون لدينا ندوات وورش عمل تعريفية وتثقيفية ومسابقات للأطفال في مجالي الفن والأدب، بالاضافة الى المسابقات في شتى المجالات.”
ضمير الأمة
من جهته، أكد السفير الفلسطيني أحمد عقل في كلمته أن “الشعراء هم ضمير الأمة، لذا فإن ما يكتبونه إنما هو انعكاس حقيقي لما تشعر به الأمة.” مبيناً أن “إقامة هذا المهرجان دليل على أن العراق بكل فئاته ومكوناته يغني مع فلسطين، مع القدس، وهذا ليس جديداً عليهم فهذا مشهود لهم على مرّ التاريخ.”
ثم ارتقى المنصة الفنان عزيز خيون مرتدياً العباءة العربية ليقرأ نصاً شعرياً للشاعر مرتضى التميمي (رئيس المؤسسة) جاء فيه:
يا وجنةَ الكون طِحنا من تفاصيلِكْ
دمعَ انكسارٍ تندّى من مناديلِكْ
***
نعم كبُرنا على ذكرى تُفزّزُ في
دمائنا ألفَ طير من أبابيلِكْ
***
لكننا صِفرُ هذا الكون ليس لنا
سوى البكاء على أشلاء هابيلِكْ
***
وليس فينا صلاح الدين يشحذنا
سيوفَ نارٍ لنحمي وجهَ إكليلِكْ
***
ولا عليٌ لنحيا في عدالته
نجهز الروحَ آذاناً لترتيلِكْ
لتصدح بعدها حناجر الشعراء بالقصائد وهي تنشد للقدس، قدمتهم الشاعرة علياء المالكي بكلماتٍ حيت فيها القدس أولاً قائلة: “ألفُ تحية لزهرة المدائن وهي تفوحُ بعطرها لتبدل الدخان بالعبير، وألف تحية لكم ولكل من لبّى نداء القدس واختصر المسافة بين الأرض والسماء، تحيةً أخرى لمن يُنشدُ لها القصائد.” وقرأت:
فرقٌ كبير وجداً بيننا يقفُ
قومٌ تمادوا وقومٌ زادهم شغفُ
***
قالوا بلى شهداء خالدينَ بنا
نبقى نضيءُ بهم قدر ما نزفوا
***
أحلامُنا حلقتْ كي تَهتدي طرقاً
والصدقُ أنا علونا فوق ما وصفوا
***
القدسُ واحدةٌ والله ناصرُها
والحقُ لي وغداً الكلُّ يعترفُ
ثم دعتْ الحضور للترحيب أولاً بالشاعر يحيى السماوي قادماً من أستراليا ليقرأ قصيدته، لتتوالى من بعده القراءات الشعرية في آفاق القدس، محبة وأصالة، فارتقى المنصة كلٌ من الشعراء: منير الصعبي/ فلسطين، د. عادل البصيصي/ النجف الأشرف، وهاب شريف/ النجف الأشرف، د. إسراء العكراوي/ النجف الأشرف، فراس القافي/ الناصرية، خلف دلف الحديثي/ الأنبار، إسماعيل الحسيني/ النجف الأشرف، حيدر أحمد عبد الصاحب/ الناصرية، حسن سامي العبد الله/ البصرة، محمد البندر/ لبنان، نذير المظفر/ بغداد، محمد علي الزهيري/ بغداد.
أثنى الحضور على النصوص التي قُرئت، ومن بينها قصيدة الشاعر وهاب شريف التي جاء فيها:
حلمٌ ترقرقَ في الدخان
كطفلةٍ تنسالُ جذلى
***
طبعُ الفراشةِ موتُها
هل تقبلُ التطبيعَ كلا؟
***
للأرضِ يومٌ من دماءِ
المجد في فمها تجلّى
***
لا يسلم الموتُ الجميلُ
من الحياة إذا تدلّى
***
هدرتْ مغنيةُ الطفولة
في القبور تهز قتلى
***
وتأنّقتْ وتجولتْ
في الموتِ تغرسُ فيه شتلا
***
القدسُ تورقُ طفلةً
مفجوعةً وتريدُ أهلا
في الختام قدمتْ مؤسسة القدس الثقافية درع المهرجان للسفير الفلسطيني أحمد عقل، كما جرى تكريم الضيوف بشهادات تقديرية، وارتدى المشاركون العلم الفلسطيني على أكتافهم، ثم انتهت الفعاليات بصورة تذكارية جمعت الأدباء والفنانين العراقيين والعرب بالسفير الفلسطيني وبرئيس المؤسسة عبرت فيها عن مشاعر المحبة والتبجيل للقدس ولفلسطين وقضيتها الأبدية، تأكيداً على أنَّ بغداد متمسكة بموقفها المشرّف على مر التاريخ وستظلُّ تنشدُ للقدس بقصائدَ تحمل الكثير من المعاني والعبر.
جدير بالذكر أن يوم القدس العالمي هو مناسبة لا تقتصر على المسلمين فقط، بل يستذكرها غير المسلمين على حدٍ سواء، تنديداً بالممارسات الإسرائيلية والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى والاعتداء على المصلين والمعتكفين، ورغم المحاولات التآمرية لجرّ العراق الى التطبيع مع الكيان الصهيوني إلا أنَّ صوتَ الحق يبقى مدويّاً فوق كل صوت.