بين المطبوع والإنترنت.. كيف تنتهي هذه المعركة؟

174

ذوالفقار المحمداوي/
تنتشر المواقع الإلكترونية والمنصات والتطبيقات بشكل مخيف وكبير، لتنتج الشكوك والظنون والعديد من التساؤلات، فهل سينتهي المطبوع الورقي أمام المواقع الإلكترونية؟ القصص والروايات والنتاجات الأدبية والإعلانات وغيرها من التي اعتدنا أن تكون مراجع لنا في حياتنا؟ هل سنستغني عن الأوراق والأقلام مقابل الذكاء الاصطناعي لنعاصر التطور ونتقبله كما يكون؟ كثير من الأسئلة التي تثار كل يوم مع ظهور اختراع إلكتروني جديد، لا نجد لها أجوبة.
شاركنا هذه الشكوك عالم المستقبليات (داوسن)، الذي كان قد توقع هذه الانتقالة عام 2011، حين أكد أن الصحافة المطبوعة ستموت في عام 2022، كما لفت إلى أن المستقبل هو لأجهزة الكمبيوتر والـ(آيبادات)، فضلاً عن تقرير كان قد نشر عن نظرة الإعلام العربي الذي أظهر أن الصحافة الورقية تواجه منعطفاً خطيراُ، إذ أبطأ منها الانتقال الى المنصات الرقمية.
القراءة الكلاسيكية
قادنا الأمر إلى أن نتوجه بأسئلتنا إلى نخبة من القراء في أحد مقاهي شارع المتنبي، ولأنه صادف يوم جمعة، حين يكون الشارع ممتلئاً بطالبي الكتب ومحبيها، استطعنا أن نجد العديد منهم وهم يتصفحون الكتب بنهم. الحاج (فخري عبد الصاحب – 65 عاماً) كان بداية اختيارنا، الذي ما إن سألناه عن تسيد المواقع الإلكترونية أمام المطبوع، حتى هز رأسه معارضاً ليقول: ” لن ينتهي عصر المطبوع ولو بعد ألف سنة!” فوجئنا بيقين الحاج عبد الصاحب.
تتوفر الكتب مجاناً في المواقع الإلكترونية، فما الذي يجعل من يريد كتاباً ما أن يشتريه بمقابل، بينما يستطيع اقتناءه بالمجان من خلال الموقع؟ هذا ما سألناه فأجاب: “تختلف القراءة بالمطبوع وترتكز على عوامل عدة ، فمثلاً أنا -كرجل مسن-، وقد ذهب جزء من قوة بصري بسبب الكبر، لا أستطيع أن أقرأ بواسطة جهاز الهاتف أو الحاسوب، فضلاً عن أن هناك شروطاً مهمة في القراءة الكلاسيكية، منها ملمس الورق، ورائحته، واقتناؤه كهدية.. إذا كان كذلك، أو حتى ليكون قريباً إلى روحك بشكل ما، أسالك: “هل هناك رائحة مميزة في كتاب تقوم بتصفحه عبر المواقع الإلكترونية؟”
“كومكس”
كانت تجربة الحاج فخري كفيلة بإرباكنا، وجعلت شكوكنا بأن كبار السن لهم موقفهم مع الأشياء التي لا يعرفون عنها شيئاً، أو بالأحرى لم يقوموا بتجربتها والاعتياد عليها، لذلك طلبنا الشاي من (أحمد عاصم – 29 عاماً)، وهو أحد العاملين في المقهى، ولكونه يعمل في هذا المكان منذ ستة أعوام، فقد كان شاهداً على الآلاف من القراء فسألناه: “كيف ترى القراءة في المواقع الإلكترونية؟” فأجابنا: “إن الأمر ليس محصوراً فقط بالكتب، فالإنترنت قد انتشر بصورة غير طبيعية ليحل محل معظم المطبوعات، والذي أراه من مكان عملي هذا هو أن هناك تراجعاً في عدد القراء قياساً بالأعوام السابقة.” كان أحمد، قبل عمله هذا، يمتهن توصيل الكتب من دور النشر إلى الزبائن، لكنه غير مهنته بسبب تراجع الطلب على الكتب. وأكد لنا “إذا ما استمر الحال بهذا الشكل فسوف أخسر عملي مجدداً.” كان ردنا أن يشتري الكتب، فأجاب “سابقاً كنت من عشاق كتب القصص المصورة (الكومكس)، حتى أنني كنت أنتظر إصدار الأعداد بلهفة لشرائها من أحد محال شارع المتنبي، إلا أنني لم أكن أمتلك عائلة ومسؤوليات، فجعلتني الأمور المالية وتكلفة شراء الكتب ألتجئ إلى المواقع الإلكترونية التي تنشر القصص المصورة بشكل سريع وسهل.” وهل كان الإنترنت بديلاً ناجحاً لما تحب؟ سألنا أحمداً، فأجاب: “فقط عندما تستغني عن فكرة الاحتفاظ بنوعية مثل هكذا مطبوع.”
سعدي “أبو الجرايد”
“ما يزال بعضنا يحتفظ بأول كتاب كان قد قرأه، وآخر يحتفظ برسالة ورقية من حبيبته الأولى، وثالث قد حفظ أرشيفاً كاملاً من الصحف القديمة منذ أيام الثمانينيات، إن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ أن الورقة والكتاب والقلم أجزاء من منظومة تعليمية وتثقيفية منذ فجر القراءة والكتابة.” هذا ما بدأ به السيد (سعدي العامري -55 عاماً) صاحب محل للاستنساخ وبيع الصحف والمجلات، حديثه. لقد ذاع صيته باسم “سعدي جرايد”، إذ أنه اعتاد بيع المطبوعات منذ الصباح الباكر، الذي ما إن تسأل عنه إلا وقد دلك الكثيرون على مكانه. يقول سعدي: “امتهن بيع الصحف منذ أيام شبابي، ولي زبائني الذين لن يفرقني عنهم إلا الموت، وإلى الآن، رغم زيادة أعداد الصحف، إلا أن الفئة المهتمة بالشراء هم كبار السن فقط، أما الشباب فهم يلجأون إلى مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة الأخبار بطريقة مختصرة وسهلة، وهذه مشكلة أخرى تجعلنا نقف عندها.” سألناه: “وما المشكلة في ذلك؟” فأجابنا: “كيف ذلك، القراءة هي خزين للمعلومات، فضلاً عن تعلم طرق الكتابة الصحيحة، والابتعاد عن الأخطاء الاملائية من خلال المطالعة المستمرة، ورأينا في وقتنا هذا أن المواقع الإلكترونية، ومن ضمنها مواقع التواصل الاجتماعي، تكتظ بالأخطاء النحوية والإملائية واللهجات الغريبة التي ابتكرتها الأجيال، وما هذه اللهجات إلا نتاج الحروب والأزمات التي تعرض لها وطننا العزيز، أما بالنسبة لي فإن القراءة بصورتها الصحيحة والتقليدية هي أساس الثقافة وتقويم المجتمع.”