“تحت التنقيح” لـ حسين عبد الخضر عملٌ مُشبع بالدلالات الوطنية وهموم الفقراء

1٬027

صباح محسن كاظم /

ثراء الاشتغال السرديّ بلغته الجماليّة، وموضوعاته العميقه، وسردياته الواقعية، أطرت النسق الحكائيّ، والتدوينيّ الذي يلامس الهم العراقي بروايات “حسين عبد الخضر” التي تغوص بتفاصيل الحياة العراقية بلغة عالية، مكثفة، مع تعدد الأصوات والشخصيات والتفاصيل كما في رواياته (صباح يوم معتم – مواسم العطش- مهرجان الأقنعة – شتات ذاكرة – وروايته الأخيرة: تحت التنقيح ) وقد صدرت جميعها بعد العام 2003.

حبكة السرد

يهتم عبد الخضر بحبكة السرد في تناول أوجاعنا، محنتنا، آمالنا، طموحاتنا الوطنية..ولايدخل بلعبة سحب المتلقي لمناطق الأورتيك أو الفنطازيا والغموض، بل يُبحر بلغته الرشيقة نحو قضايا وطنية جوهرية.. كقصصه ومسرحياته الجادة الهادفة، فالنص لدى “عبد الخضر” مُشبع بالدلالات الوطنية، والسعي للخلاص لفك قيود المعاصم التي تكبل الحريات من احتلال، أو دكتاتوريات تهدف لمصادرة الحقوق الإنسانية، رواياته تهتم بالصراع في القاع الاجتماعي، تلامس هموم الفقراء، المهمشين، وتناقش الثنائيات بين الإيمان ونقيضه، بين الوطنية والزيف، بين الحقيقة والوهم .. فالنص لديه يمثل الهمّ الجمعي وليس الفردي بمفاهيمه وقيمه.

استخدام الرمز

أرى تحشيده للحدث العراقي بروايته (تحت التنقيح) الصادرة عن لبنان/ ودار المكتبة الأهلية البصرة /2017 /111 صفحة ..منحى الرواية يتصاعد بنسق السرد دون ترهل وإسفاف من ص9 سقوط 2-:(حدث قبل سنوات بعيدة، عندما كنت في السابعة عشرة من عمري أن سقطت في السوق، تصاعد الدوار في رأسي في البداية، فقدت السيطرة على جسدي، غابت ملامح العالم من حولي، ثم اختفى كل شيء في الظلام. صحوت في بيت لا أعرفه،….)، وكيف علمت الوالدة ووصلت ملهوفة لرؤية ولدها. ويستمر بالسرد والتحولات مع (أبي غائب) الرجل الذي يمارس طقوس التعويذات والسحر للنساء، والمخاضات والتحولات التي حصلت للبطل كأنما هي السيرة الذاتيه بالسرد، وتحشيد الواقع بكل تفاصيله الآسرة والضغوط المحيطة بالوجود الملتبس بكل تجلياته. أبو غائب في تناقضاته الظاهرية والباطنية في ص12: (( روى لي حكاية غريبة، أحسست بالخوف يتصاعد في جسدي كالجليد ..لست وحدي، لم أكن يوماً وحدي ..لا أحد يستطيع أن يكون وحده ..كنت تحت رقابة (الكائنات) الغريبة دائما! …)) أبو غائب الذي يختفي مع أول صلاة جمعة أحياها الناس ليعود الراوي للسرد عن حقبة مكتظه بالفجائع والاستبداد السياسي– بعد إجهاض الانتفاضة الشعبانية 1991- ولجوء المقاومة للفاشستية من خلال الحضور لصلاة الجمعة ثم التحولات في السرد لحقبة مابعد 2003 ص29 : (شغلت مكان سليم في المحل، الرغبة في شراء الملابس لم تتأثر بالانفجارات المستمرة، والقتال الدائر بين أحياء العاصمة. دافع مجهول يقود الجميع للتظاهر بكونهم أحياء …..) ..عودة هيفاء بأطفالها الثلاثه للعائلة، محاولة سليم (العلاس) للهجرة، حماس أحمد للقتال لم يخب، لكنه تراجع فيما بعد، وليد والبحث عن الملاذ الآمن، الحلم بوطن يعيش فيه الإنسان بحريته وكرامته، البحث عن عمل مطمئن في مجلة وتدربه “سلمى” بالتصميم بالمجلة، قراءة الكتب والبحوث عن التنوع الديني بالعراق ونشر القصص والقصائد .

عمل يصلح للمسرح والسينما

في ضجيج الأحداث وتداعياتها ضبط السارد روايته، ومسارات الشخصيات، تصلح الرواية أن تُقدم للمسرح أو كسيناريو يُعد للسينما، ..لتعدد الأصوات والأحداث والفعل الدرامي بالصراع وقد حُبكت بمهارة بتقنيات السرد عِبر التكثيف السرديّ، واستخدام الرمز تارة، والدلالة في السرد في أخرى، مع التأويل والكشوفات عند فحص النص الذي طرح إشكاليات متعددة الآيديولوجيا، مخاضات الشعب مع دكتاتورية البعث، الهجرة، التناشز بين النقائض، شخصيات صنعت الحدث، وأخرى هامشية مع اعتذار الروائي بعد موت وليد ص110، رحت أنقح القصة لوحدي ولم أغير شيئاً.

يذكر الروائي مهدي علي زبين 3- :

( …تنضوي الأعمال الروائية على شخصيات يتحرر مدى فاعليتها على وفق تفاعلها فيما بينها وعلاقاتها بمحيطها، وقد صنف النقد هذه الشخصيات بحسب أطوارها عبر المتون، فتمت الإشارة إلى الشخصية المركزية، والشخصية الثانوية، والشخصية التي لا اعتبار لها، وهناك الشخصية المدورة والأخرى المسطحة …..). وفي احتفاء اتحاد الأدباء والكتّاب بذي قار17/8/2017، كانت شهادات متنوعة عن الرواية، حيث قدم د- ياسر البراك قراءة نقدية تحليلية شاملة عن الرواية وعدها أهم رواية صدرت في الناصرية منذ 2003 إلى الآن، كما ناقش ثيمات الرواية بشكل مفصل وبتحليل نقدي منهجي .